شعار قسم مدونات

لون الأمراض المميتة.. السم الأزرق ينهش حياتنا!

blogs وسائل التواصل

لاحظ مستخدمو التواصل الاجتماعي قبل أسبوعين، تغير كثافة لون شعار تطبيق "فيسبوك". أصبح اللون أزرق مائلاً إلى لون السماء الصافية، بعد أن كان لسنوات أقرب إلى اللون الكحلي. حين نفتح هواتفنا وشاشاتنا يطالعنا طيف أزرق مائل إلى الأبيض خفيف جدًا يضيء الشاشة، بالإضافة إلى وابل من التطبيقات الزرقاء. "تويتر" أزرق. "فيسبوك" أزرق. متجر "آبل" أزرق. تطبيق المناخ أزرق. "سينغل" أزرق. تطبيق "مايكروسوف وورد" أزرق، وصولًا إلى شعار "google " الذي يجذب نظرنا بشكل مركز إلى حرفي “G” لأنهما باللون الأزرق.

 

الأزرق سم هذا العصر وسمته. لون التكنولوجيا المفضل. لون تكرهه الطبيعة وتنبذه، لذلك جعلته نادر الظهور ويقتصر حضوره في لعبة الضوء بين البحر والسماء. ففي الوقت الذي تحافظ جميع موجودات الطبيعة على ألوانها، إلا أن معظم الأشياء "الطبيعية" التي ترتدي الأزرق صباحاً، تقوم بخلعه مساءًا، وهذا ما يحصل للبحر وللسماء على وجه التحديد، بينما تحافظ النباتات والأشجار والزهور على ألوانها.

 

يقول خبراء في التكنولوجيا أن الشركات تفضله لما يرمز إليه من ذكاءٍ وأناقة ومستقبل ولأنه "نادر الوجود". لكن علاوة على ذلك كله هو لون الأمراض النفسية والعصبية. لون يقلص قدرة الغدة النخامية في الدماغ على انتاج هورمون الميلاتونين الذي نحتاجه لتنظيم نومنا.

 

الأزرق الاصطناعي.. السم الصامت

نستيقظ صباحاً بعد أن تكون الغدة النخامية قد أفرزت الميلاتونين بكمية معتدلة. يستخدم الأطباء هذا الهورمون لمعالجة الخمول أو الأرق الليلي لأنه مسؤول عن تعديل دورات النوم والاستيقاظ. لكن عصر التوحش التكنولوجي وضع حالتنا الصحية والنفسية على فوهة بركان اللون الأزرق الاصطناعي الآتي من شاشات حواسبنا وهواتفنا الذكية وألواح النيون المنتشرة في الإعلانات التجارية التي يزدهر حضورها مساءًا.

   

  

فترة المساء والليل هي أنشط الأوقات لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي الذين يشكو معظمهم من الأرق والارهاق وعجزهم عن النوم. الليل هو توقيت ترتفع فيه مخاطر تأثير الأزرق الاصطناعي على الدماغ، وتثبت دراسات أجراها علماء أعصاب أن اللون الازرق الذي يطغى على عالم منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وسيغنل وتلغرام يقلل كمية الميلاتونين التي يحتاجها الجسم للخلود إلى النوم.

 

عندما تشاهد العين الأزرق الاصطناعي، تبقى في حالة تأهب وترفض النوم. ولانعدام القدرة على النوم عوارض جانبية من بينها الاصابة بهيجان يبقي حاملي الهواتف ليلاً في حالة تبخط وتنقل عشوائي بين التطبيقات الرقمية. لقد خصصت الباحثة في "معهد المستقبل" أمبير كايس عددًا كبيرًا من مقالاتها للحديث عن مخاطر اللون الأزرق، وكتبت ملحقاً كاملاً بين عامي 2018 و2019 في موقع "ميديوم" تطالب فيه الشركات التكنولوجية التصرف بمسؤولية وأخلاق لتجنب الأزرق الاصطناعي لما يخلفه من آثار مدمرة لمستقبل جسم الإنسان.

 

يتراكم الأزرق الاصطناعي في شبكية العين، ويزيد من شيوع ظاهرة قصر النظر التي يعاني منها معظمنا والتي يحتاج إصلاحها إلى عملية جراحية. تقول أمبير كايس أن أسوأ الأضواء هي التي تتحرك في الطيف الضوئي في مدى يتراوح بين 380 و500 نانوميتر لأن توهجها مرئي للغاية ويؤذي الأعصاب والغدة النخامية على وجه التحديد وقد ربطت دراسات طبية بين اختلال الميلاتونين والأمراض السرطانية.

 

يندرج الضوء الذي تصدره الهواتف والحواسيب ضمن هذا المدى، وتعطي كايس مثالاً يقارب وجهة نظرها حول مخاطر اللون فتقول أن الحداد يضطر عندما يقوم بتلحيم الحديد بارتداء قناع واقي لحمايته من اشعاع الطيف الضوئي الذي يندرج مداه بين 380 إلى 500 نانوميتر.

 

النعناع الحديث.. لون السلام الداخلي

يظهر بحث نشره موقع "99 designs" أن 61 بالمئة من أصل ألف شركة شملتهم الدراسة يستخدمون الأزرق الاصطناعي، بينما لا يزال لون "neo mint" والذي استعان خبراء الألوان بالذكاء الاصطناعي لاستخراجه من الأخضر، يسجل نسبة 24 بالمئة من استخدام الشركات، وبحسب الموقع فمن المتوقع ان ترتفع قابلية الشركات على تزين مواقعها وعلاماتها التجارية وتطبيقاتها به، ويؤكد موقع "Dezeen" الذي يديره متخصصون في الألوان والتكنولوجيا ومهندسيين على أن "نيو مينت" سيزيد استخدامه أواخر عام 2020 لأنه لون المستقبل، ذلك أن مداه الضوئي يفوق الـ ـ600 نانوميتر أي أنه غير مؤذٍ لأعصاب الدماغ وينتج مشاعر التفاؤل والصحة لدى الإنسان.

   

  

حتى الآن تمنح الثقافة الشعبية، خصوصًا في بلادنا، مزايا تفضيلية للون الأزرق وتنسب إليه قدرات خارقة أشهرها منع الحسد. لكن الشركات التكنولوجية تحتاج إلى تحفيز المستهلك على التعلق بما تصنعه. لا يضير شركات التكنولوجيا ما قد يصيب المستخدم من أمراض جراء استخدام منتجها الأزرق، الهدف في النهاية هو الربح المالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.