شعار قسم مدونات

كيف نشفى بالحب؟

blogs حب

أحب القطط جدا، يمكن ان أمر بمشاعر حزينة وأغرق في بئر مظلم ثم أنظر لوجه قطة فيذهب عنى كل ما أجد، كائن ملئ بالشقاوة والجمال والدلع الفطري والحركات التي لا أفهم لها سببا، ربما أظل أراقبها لساعة دون ملل وأتعجب وأقول سبحان الله.

 

هذا الأمر جعلني أنتبه إلى شيء، أنك تكون سعيدا حقا حينما تحب، أو تمارس ما تحب، وتعرف الله عز وجل وتكون أقرب إليه أثناء ذلك، أن هناك بالفعل أمور ينفتح لها القلب فتحا، ويشرق وترتسم الابتسامة صادقة على وجوهنا ونحن نفعلها، فلماذا لا يحيا الإنسان بهذه الأمور؟، لماذا لا يخطط حياته حولها، يخطط حياته لا كي يحصد المزيد من المال، ويصبح الأكثر نجاحا وتميزا، بل كي يملأ الحب قلبه أكثر، ويعرف الله عز وجل أكثر، إننا نقول أن الحياة سريعة ومادية جدا، لكنها بالفعل كذلك لمن ركض ورائها، يمكنها أن تكون بسيطة ومسالمة لمن لا يركض ورائها، للمنتبه جيدا ماذا يريد ولماذا يريده وكيف يخطط حياته للحصول عليه.

  

إن الحب يأتي من الرحمة والرحمن هو أول اسم من أسماء الله عز وجل، لذلك فقوة الحب يمكنها الوصول بنا إليه، إنه سبحانه زرع الحب في كلا منا بشكل مختلف

دعني أخبرك أن الكسل والخمول لا يؤدي سوى لمزيد من الغم، لأن الإنسان طبيعته النفسية وعقله الذي هو سبب تكريمه لا يستطيع ان يتوقف عن التفكير، لا يرتاح في الراحة، إنما يرتاح في انتصار قيمه العليا، وفى إشباع عقله بالعلم، وفي أن يخرج شيئا يملأ الدنيا بالنور، وفى أن تحس روحه بالجمال، لذلك هؤلاء الذين يبحثون عن الراحة لن يرتاحوا، كما لن يرتاح أيضا من يركض ويفتح مائة باب دون الولوج داخله، إنه يكاد يمس المقبض ثم يرى بابا آخر مفتوحا فيسرع إليه، ما هذه الحياة المتسارعة التي لا تعطيه الوقت للحب ولا للفهم؟

 

الناس ما بين هذا وهذا، إنسان يكاد يعمل ثم ينام يومين بعدها طالبا العالم ألا يقتحم عليه لذة النوم أو الهروب بمعنى أصح، وإنسان يسرع في كل شيء كي يلحق جدول أعماله المشحون، ولكن هناك نسخة نتوق إليها ونتمنى أن نفعلها، هذه النسخة التي لا يعنيها ماديات الحياة، إنما يعنيها الاحساس بالجمال في كل شيء، ولذلك فهي متأنية تمشى بطمأنينة وثبات ولا تحمل هم الغد، تعيش اليوم وتعمل اليوم وتستمع باليوم، لأنها مهما فكرت في الغد لا يمكنها أن تعرفه، لا يمكنها أن تعرف أصلا ما سيسعدها لذلك فهي راضية بما تملكه الآن، هؤلاء ليسوا بالخاملين لأنهم يعملون بالفعل ولا يتحملون النوم لحظة زائدة عن جمال خلق الله سبحانه، ولكن عملهم فيه الكثير من الشغف والحب.

 

تخيل هذه التي تطبخ طبخا بارعا، تضع أصناف بعينها وتختبر مذاقهم وألوانهم، إنها تمارس الحب كل يوم، ليس ذلك فقط، بل إنها تكون مصدر للسعادة لكل من حولها، وتخيل هذا الذي يقرأ كثيرا، ويغوص داخل الكتب، قبل أن يدخل الكتاب يحضر الحربة وشبكة الصيد ثم يدخل، يعرف انه صائد لألى، ومستكشف للذهب، يعرف أنه ليس بقارئ، بل هو مغامر يرى في الكتب بحار وجبال وسماوات، أيكون هذا مثل من يقرأ كتابا بصعوبة، يقرأه لأنه يجب أن يذاكر، يجب أن ينجح في امتحان المهنة، شعور الأول لا يوصف في الروعة والثانى لا يوصف في الملل، الأول يدخل بكامل ارادته والثانى يتفلت حين يجد الفرصة، وهذا هو حال من يمارس الحياة بحب ومين يشعر أنه فيها رغما عنه.

 

لذلك آمنت بقيمة الحب، وكيف أنه كما قالت عالمة الفضاء في فيلم (Interstellar) حينما كانت تناقش مشكك في ذلك ويذكرها بإنها (عالمة)، . قالت له :(الحب قادر على أن يتعدى الزمن والفضاء، وإلا فلماذا نحب اناسا ماتت، انه يعنى شيء أكبر بكثير مما نفهم، أعتقد أننا بحاجة إلى الوثوق به حتى لو كنا غير قادرين على فهمه)، إن الحب يأتي من الرحمة والرحمن هو أول اسم من أسماء الله عز وجل، لذلك فقوة الحب يمكنها الوصول بنا إليه، إنه سبحانه زرع الحب في كلا منا بشكل مختلف، وبالتالي فلا يجوز أبدا أن نحب جميعا نفس المهنة، ولا نفس صفات الجمال.

 

لا يجوز أن يكون هناك أصلا شروطا ومقاييس للحب، الشرط الوحيد ان نوقن انه سيوصلنا لمعرفة الخالق سبحانه، أن نستخدم مراكز الحب بداخلنا، كحبنا للقطط، للطبيعة، للرياضيات، لتذوق الطعام، تلك المراكز التي تنبض بالنور كي نتخطى ظلمات الحزن والخوف بداخلنا، أؤمن تماما أننا لم نخلق لهاتين الصفتين وإلا فلماذا يقول الله عز وجل دائما (لا تخافي ولا تحزني)، لماذا يأمرنا بشيء إذا كان ليس بأيدينا، لنعلم اننا لنا كامل السيطرة عليه، وعندنا أدوات تمكننا من ذلك، وأقوى أداة فيهم هي ان ننصب خيمتنا عند نبع الحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.