شعار قسم مدونات

كيف تأثر الثورة السودانية على التوازن الاستراتيجي في القرن الأفريقي؟

blogs السودان

يتمتع القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر الأفريقي بموقع استراتيجي على طول أحد أهم طرق الشحن في العالم التي تربط أوروبا بآسيا، ولهذا السبب يقع في دائرة الاهتمام المتزايد للعديد من الدول في المحيط الإقليمي أو خارجه كتركيا، ومصر، والسعودية وروسيا وغيرها، والتي تهدف إلى توسيع نفوذها في إفريقيا. ففي نهاية العام 2017، وافق نظام حكومة الإنقاذ البائد على منح تركيا عقد إيجار لمدة 99 عامًا لميناء جزيرة سواكن الميناء العثماني السابق، وبموجب هذا الاتفاق ستقوم تركيا بإعادة بناء وترميم الآثار المتواجدة هناك وجعلها نقطة مهمة، وفي الوقت نفسه يمكن أن تصبح سواكن قاعدة للسفن التركية مما يتيح لها الوصول المباشر إلى البحر الأحمر، وشمل الاتفاق المبرم عقدًا لبناء الموانئ للسفن العسكرية والمدنية في البحر الأحمر، وبناء مستشفى، وإنشاء منطقة تجارة حرة في مدينة بورتسودان، وبناء صوامع للغلال في مواقع مختلفة، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومطار جديد في العاصمة القومية الخرطوم.

هذا المنحى أثار حفيظة وغضب الجارين الكبيرين للسودان جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية. وبالرغم من تأكيدات تركيا بأنها تخطط ببساطة لتجديد الآثار العثمانية لا غير، تخشى مصر من أن خطط أنقرة سوف تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير وأن تركيا تسعى إلى بناء قاعدة عسكرية قد تهدد أمنها، وأن الاتفاقية المتعلقة باستئجار جزيرة سواكن تنطوي على أهداف غامضة، وأن الأهداف العسكرية التركية تقف وراء الاتفاق، مبرراً ذلك بأن تركيا قامت بالفعل ببناء العديد من القواعد العسكرية في أفريقيا، وللحفاظ على أمنها لا تنوي مصر الاستمرار في مراقبة التوسع التركي بشكل سلبي ولن تسمح ببناء قاعدة عسكرية تركية في السودان، ولا سيما أن مصر هي أصلاً في نزاع إقليمي مع السودان حول مثلث حلايب وشلاتين، وهناك أيضاً سوء تفاهم حول موقف السودان ضد مصر في النزاع الذي يجري الان مع إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي.

روسيا ستكون الخاسر الأكبر من نجاح هذه الثورة لأن السلطات الجديدة في السودان ستتخلى قطعاً عن ضيافة المستشارين الروس والمتعاقدين العسكريين الذين ساهموا في قمع الاحتجاجات الأخيرة

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودول شبه الجزيرة العربية اكتسب القرن الأفريقي أهمية إضافية في سياق مشاركتها في حرب اليمن والنزاع الدبلوماسي مع قطر المقربة من تركيا سياسياً، لذا عملت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على حث معظم دول المنطقة بما فيها السودان على الانفصال عن إيران والانضمام إلى تحالفهما في اليمن، لأن الحصول على دعم دول القرن الإفريقي سوف يسمح للكتلة السعودية بقطع طرق الإمداد الإيرانية المحتملة للحوثيين في اليمن.

إذاً اندلاع الثورة في السودان التي أطاحت بنظام حكومة الإنقاذ البائدة قد يلقي بظلاله على التوازن الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، خاصة وأن إحدى أهم مطالب الثورة والثوار هي إلغاء أو إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع دول أو جهات خارجية خاصة تلك الاتفاقيات المثيرة للجدل والتي يمكن أن تمس سيادة الدولة، كما كثر الحديث بين الثوار وبصورة خاصة عقب اندلاع الثورة عن ضرورة إلغاء الاتفاق المبرم مع الجانب التركي والخاص باستئجار ميناء سواكن التاريخي وبالتالي إمكانية إيقاف التطلعات التركية في هذا الشأن، إلى جانب ذلك فإن الاعتقالات المستمرة في السودان للسياسيين المرتبطين بالإخوان المسلمين سيضعف من تأثير تركيا وسيضر بمصالحها الاقتصادية في السودان.

كما أن سحب الدعم المقدم من جانب النظام السوداني البائد للإخوان المسلمين في ليبيا سوف يرضي حتماً الحكومة المصرية التي تسعى إلى إضعاف حركة الإخوان المسلمين في ليبيا وذلك عن طريق دعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر. أما إعلان كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ودعمها للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، وتقديمها حزمة من المساعدات المالية والعينية للسودان، في أول خطوة بعد الإطاحة بنظام بالبشير ينبئ بعلاقات استراتيجية جديدة بين هذين البلدين والسودان خاصة بعد تأكيد المجلس العسكري الانتقالي رغبته الإبقاء على القوات السودانية العاملة في اليمن.

موقف الدول العظمى من الثورة في السودان

بالرغم من أن الدول الغربية لم تبدي حتى الآن اهتمام كبير بما يجري في السودان ما عدا القرار الصادر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبيان صادر من دول الاتحاد الأوروبي بضرورة تسليم السلطة لحكومة مدنية، إلا أن نجاح هذه الثورة وسلميتها قد يرمي بظلاله على علاقة السودان بالعديد من الدول الكبرى والعظمى كالولايات المتحدة وروسيا والصين، فقد تلزم الثورة الولايات المتحدة بالدعم غير المشروط لمطالب الثوار وبضرورة تسليم السلطة لحكومة مدينة، وكذلك بشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي سوف يسمح ذلك للسودان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة والتي ستمكنه من القضاء على الديون الخارجية أو جزء كبير منها.

أما روسيا فستكون هي الخاسر الأكبر من نجاح هذه الثورة لأن السلطات الجديدة في السودان ستتخلى قطعاً عن ضيافة المستشارين الروس والمتعاقدين العسكريين الذين ساهموا في قمع الاحتجاجات الأخيرة، بالرغم من إسراع موسكو الترحيب بتولي المجلس العسكري الانتقالي السلطة في البلاد بهدف التخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن دعمها للنظام البائد. أما الصين والتي كعادتها أثرت الحياد ولم تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في شأن الثورة، ستحافظ على ما يبدو على جميع المشاريع التي استحوذت عليها خلال حكم النظام البائد بسبب أنها أحد أكبر الدائنين للسودان وتربطها به علاقات اقتصادية وتجارية قوية من الصعب التخلي عنها في هذه المرحلة، كما أن إعادة جدولة الديون السودانية يتطلب التعاون معها باستمرار.

الأهم في الأمر وبغض النظر عن تطلعات الدول المحيطة بنا، يجب أن تسلك السلطات الجديدة في السودان مساراً استراتيجياً متوازناً مع دول المحيط الإقليمي والدولي، يخدم قبل كل شيء المصالح العليا للبلاد والوضع في الاعتبار قبل كل شيء أهمية أن ينعم الشعب السوداني الذي عانى الكثير في ظل نظام الإنقاذ البائد، بالحرية والحياة الكريمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.