شعار قسم مدونات

بعد ١٥٠ حلقة.. هل انتهت البطولة بانتهاء قيامة أرطغرل؟

blogs أرطغرل

للمرة الأولى منذ سنين ستمر ليلة الأربعاء القادم كغيرها من الليالي العابرة دون شغفٍ أو حماسٍ أو تشويق، بعد مئة وخمسين حلقة بالتمام والكمال، بمتوسط ساعتين لكل حلقة أي ما يقارب الثلاثمئة ساعة من المسلسل الأسبوعي الأشهر على مستوى الشرق الأوسط "قيامة أرطغرل" تركي الصناعة إسلامي الصبغة، واحدٌ من الأعمال الدرامية القليلة التي يصلح أن تجتمع الأسرة على مشاهدته قد رفعت عنه الأقلام وجفت بنهايته الصحف. مئات الحسابات ومقاطع الفيديو والصور والأخبار على منصات التواصل الاجتماعي جعلته ينتشر كالنار في الهشيم خاصة في منطقتنا العربية، وبعد أن غابت البطولة على أرض الواقع وجدنا مساحةً افتراضية تصور تاريخاً مجيداً نستقيه من صفحات العز في تاريخ الأمة الإسلامية جعلنا نتعلق به ونندمج مع أحداثه ونعيش تفاصيله وكأنه حقيقة، حتى وصل به التأثير إلى حد تقليد العبارات والأفعال وحتى الأزياء والأسماء التي يتميز بها هذا المسلسل!

شخصية الغازي أرطغرل التي أداها الممثل التركي إنجين ألتان بحرفية عالية، ومع نخبة من الممثلين الذين أدوا الشخصيات الأساسية على مدار الخمسة أجزاء، أضف إلى ذلك السيناريو المكتوب بدقة بالغة وإمكانيات التصوير العالية وتنوع مسرح الأحداث وواقعيته وأزياء الممثلين المميزة كلها في مجملها كانت لا بد أن تُخرج لنا عملاً بهذا الرقي، فلم يكن مبالغةً عندما فرحنا بتطاير رأس سعد الدين كوبيك وأورال، ولم تأتِ فرحتنا من فراغ عندما شاهدنا صلاة الفتح عندما فُتحت قلعة "كارجيسهار" وهي التي حرم المسلمون من صلاتها منذ عقود، وليس عبثاً أن اهتز الفؤاد حزناً بعد وفاة السلطانة حليمة وإستشهاد دوغان، أو أن يخشع القلب بإسلام أحد أكابر المجرمين "أريس" ليصبح أحمداَ!

من الناحية الفنية كما يبدو فقد تم تنفيذ وإخراج المسلسل على أعلى مستوى مع ذلك فقد اعتبر البعض أن بعض المشاهد قد تمت إطالتها بشكل ممل بهدف ملء الوقت الإفتراضي للحلقة

ولعل تلك الوجبة الدسمة من المتعة والإثارة إلى جانب أنها كشفت لنا كثيراً من تفاصيل التاريخ الإسلامي التي تم التستر عليها عمداً في كتب التاريخ المعاصر والمناهج الدراسية؛ فإنها لم تخلُ من القيم الهادفة وتعاليم الإسلام النبيلة، فقد تعلمنا من خلالها أن الحق أحق أن يُتبع ولو اضطر ذلك أن تواجه الدنيا بمن فيها، وأن الله هو مصدر القوة والعزة وألا تمكين بغير اتباع رضوانه واليقين بنصره، وأن لكل مقامٍ مقال فالعقل أقوى من السيف في كثير من الأحيان والشجاع هو الذي عقله حاد مثل سيفه وقوي مثل قبضة يده، تعلمنا أن الكل راعٍ والكل مسؤول عن رعيته سواء خدمته لقومه ودفاعه عنهم أو رعايته لأسرته واحتضانه لأهل بيته، تعلمنا أن العزة والجرأة في مجابهة الأعداء يجب أن تُقابل بالتذلل للمؤمنين، وألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وأن أمر السيد يقطع الحديد إن لم يجانب الحق وأن أفضل الجهاد كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، تعلمنا أن الأجل يحمي الإنسان من الموت وأن السير في سبيل الله لا يُنقص من أجل الإنسان دقيقة، وأن رابط الإسلام أقوى من رابط الدم والنسب والصداقة، وأن الظلم لا يمحيه إلا سيف العدالة وأن العفو عن الظالم هو ظلمٌ للمظلوم..

وبرغم هذه الجهود الجبارة في إخراج المسلسل بأبهى صورة حتى استطاع التسلل إلى قلوبنا قبل أن يستحوذ على مشاهداتنا إلا أن هذا لا ينفي أنه جهدٌ بشري وأن الكمال لله وحده؛ فبعض التفاصيل الصغيرة في المسلسل يجب ألا تمر هكذا مرور الكرام دون تنويه، سواء من الجانب الفني أو من جانب المحتوى والقصة، ومن تلك المآخذ هو التضخيم والتهويل في قوة أرطغرل وحنكته وعبقريته إلى نحو لا يُعقل؛ حيث أننا لو تتبعنا عدد الذين قتلهم أرطغرل بسيفه خلال الأجزاء الخمسة سنجد أنه عدد مبالغٌ فيه لا يمكن تصديقه بسهولة.

ومن المآخذ الأخرى ما اعتبره البعض تجاوزاً في بعض السلوكيات الدينية خاصة تلك التي تمثلت في شخصية ابن العربي في مواقف عديدة منها أنه عندما تم تسميم السلطان علاء الدين كيكوبات فقد شعر بضيقٍ في صدره وغمة، مع أن بينهما مسافات شاسعة وقت الحادثة ولم يكن له علمٌ بها! وأيضاً ظهوره في الأحلام أو الرؤى، إضافة إلى بعض الطقوس التي كان يمارسها، ومن التجاوزات أيضاً الخلوة المحرمة التي ظهرت في عدد من المشاهد مثل لقاء أرطغرل وإيلبيلغي ولقاء سعد الدين بأصليهان وغيرها.

أما من الناحية الفنية كما يبدو فقد تم تنفيذ وإخراج المسلسل على أعلى مستوى مع ذلك فقد اعتبر البعض أن بعض المشاهد قد تمت إطالتها بشكل ممل بهدف ملء الوقت الإفتراضي للحلقة، من جانبٍ آخر فإن بعض سلوكيات أرطغرل ومحاربيه يتنافى مع شعارات العدل التي يدعون لها؛ حيث عندما يتم قتل شخصية عادية لا يُظهر أرطغرل إهتماماً كمثل الذي يظهره عند جرح أحد أصدقائه المقربين، وأيضاً عندما يصيب أحد المحاربين العاديين ضربة سيفٍ بسيطة فإنه يلقى حتفه على الفور بينما يصيب أرطغرل والمقربين منه ضربات السيوف ورشقات الأسهم وأصنافاً من السموم ومن ثم يجد لهم الطبيب "أرتوك" علاجاً ويواصلون حياتهم الطبيعية مباشرة دون فترة راحةٍ حتى!

ختاماً، قد يضع كاتب ومخرج هذا العمل المتألق "بوزداغ" نقطةً على آخر سطرٍ من أسطر قيامة أرطغرل معلناً بذلك انتهاء العمل الدرامي الأضخم في السنين الأخيرة، لكن الحرب لم تضع أوزارها بعد! ولا أقصد هنا أن نخوض حرباً درامية جديدة وأن نصب كل اهتمامنا على السلسلة الجديدة التي تحمل اسم "قيامة عثمان"؛ وإنما هو تذكير بأن الصراع الذي تجلت بعض مشاهده في قيامة أرطغرل مستمرٌ منذ بدأ الله الخلق وحتى قيام الساعة، ولا بأس أن تُقدم الأحداث التاريخية في طبق درامي يستهوي المتابعين ويلبي رغبات الجمهور ولكن ذلك لا يعني أن ندير ظهورنا إلى فحوى هذا العمل وهو أن نستخلص منه الدروس والعبر وأن نعيش ما طاب منه واقعاً قدر الإمكان، الشهامة والبطولة مطلوبة دوماً وهي أسمى من كل الدراما والفن، ولا معنى لأن تنتهي البطولة بإنتهاء قيامة أرطغرل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.