شعار قسم مدونات

عصام العطار إنساني وأخلاقي ومن "إخوان الشياطين"!

blogs عصام العطار

لا أدري ما الذي دفع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى شن هجوم كلامي عنيف على الإخوان المسلمين في هذا التوقيت بالذات وفي شهر رمضان (منتصف الأسبوع الماضي) بعد إعلان ترمب عن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وإعلان نتنياهو عن نيته بناء مستوطنة جديدة في الجولان تحمل اسم (ترمب) وفي ظل هجمات شبه يومية من الطيران الحربي الصهيوني على مواقع وأهداف في دمشق وغيرها، وذلك بالتزامن مع أزمات معيشية وطوابير المواطنين الباحثين عن المحروقات في (المناطق المحررة)، وغير ذلك من الملفات التي هي حسب أي عقل رصين أهم من الإخوان المسلمين، حتى لو كانوا مثلما وصفهم فعلا! هل هذا الهجوم لأن (دونالد ترامب) يسعى لإدراج الإخوان في قائمة المنظمات الإرهابية، وبالتالي يرسل له الأسد رسالة مفهوم مغزاها؟ أم هو ردٌّ على الأستاذ (عصام العطار) القيادي السابق في إخوان سورية الذي دعا الله أن يشافي ويعافي امرأة بشار الأسد من السرطان في تشرين أول/أكتوبر 2018؟

 

مثالية العطار وإنسانيته

موقف العطار آنذاك لاقى ردات فعل مختلفة منها ما اعتبره إنسانية وخلقا رفيعا يتسامى على الجراح، وأنه لم يتشف بمرض (أسماء) قرينة من يمارس حرباً بمعاونة دول إقليمية ودولية ضد غالبية الشعب السوري، وهي المرأة التي لها من بشار صبي (حافظ الصغير) يرى والده أنه سيرث عرش سورية منه، مثلما ورث (الدكتور) العرش من أبيه حافظ! عصام العطار على صفحته في فيسبوك قال بأن أسماء ليست هي من قتلت زوجته (وهي بنان الطنطاوي كريمة الشيخ علي الطنطاوي) وهذا الموقف أيضا جلب للعطار انتقادات شتى لأن هذا النظام منظومة متكاملة متسلسلة متوارثة. وآخرون رأوا في موقف العطار نوعاً من المثالية المبالغ بها تصل إلى درجة المازوخية؛ فليس العطار مقتدياً بأنبياء دعوا على أقوامهم، أو صحابة أو تابعين رفعوا أكف الدعاء بأن ينتقم الله ممن ظلمهم هو وذريته وأهله أجمعين (اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا)! في كل الأحوال حالة وموقف الأستاذ عصام العطار استوقفتني، مع ثقتي أنه لو سئل مرة أخرى بصيغة: أستاذ عصام بعد هذا الهجوم الحاد من بشار الأسد على الإخوان هل ما زالت تتمنى الشفاء لامرأته؟ سيجيب بنعم، ولن يتمنى لزوجها أن يصاب بما أصيبت به.

 

تم حظر حركة الإخوان المسلمين في سوريا أيام حافظ الأسد حين كان بشار تلميذاً في المدرسة بقانون 49 للعام 1980 وهو قانون غريب وشاذ يحكم بالإعدام على من ينتمي إلى الإخوان المسلمين بغض النظر عن الأفعال التي ارتكبها

مع أن العطار على المستوى الشخصي العائلي ضُرب مرتين من هذا النظام مرة بقتل زوجته (بنان) في ألمانيا في آذار/مارس 1981، وأخرى بشقيقته (نجاح) التي صارت أحد أبرز بيادق النظام، ضمن توليفة الحكم الأسدي، مع أنها لا تنتمي رسميا إلى حزب البعث، وهذا موقف صعب، أن ترى شقيقتك في خندق مواجهة معك لأجل مشروع وبرنامج مختلف عن المكوّن الأساسي لأسرتك، لدرجة أن تتعرض زوجتك للقتل وهي (الشقيقة) ضمن حكومة القتلة!  وبصراحة لست مؤيداً لهذه المثالية من عصام العطار، حتى ولو كان الدافع وراءها شعوره بأن القبر أقرب إليه (عمره 92 عاما) من إطلاق شعار أو موقف سياسي فيه طابع الرغبة بالانتقام أو التشفي وما شابه. وبعيداً عن العطار المنفي قسراً من بلده التي صارت مستباحة من عدة دول ومجموعات (بمباركة) من زوج (أسماء)، فإن كلام بشار الأسد يثير عدة ملاحظات وخواطر ويستفز أي عقل ناقد من عدة جوانب منها: –

 

1) في بداية الأزمة السورية في 2011 عرضت إيران على الإخوان المسلمين السوريين تولي الحكومة السورية (من بابها إلى محرابها) شرط قبولهم ببقاء بشار الأسد رئيسا، طبعاً لا يمكن أن يكون العرض الإيراني (السخي) دون موافقة من بشار الأسد وعموم عائلته وقادة ومشايخ طائفته الحاكمة في سورية وهذا العرض كشف عنه في حينه نائب المراقب العام للإخوان (محمد طيفور) ولم يكن ثمة نفي له، علماً بأن النفي لا يعنى أن لا أصل لهكذا عرض، ولكن السكوت يزيد التأكيد؛ فهل كان بشار يريد أن يكون (إخوان الشياطين) على رأس حكومته بفكرهم (الشاذ والمشوّه) ونفاقهم وعمالتهم؟ حسب الأوصاف والاتهامات التي رماهم بها؟ أم أنهم وقتها كانوا غير ذلك والآن اكتشف حقيقتهم؟ أم ماذا بالضبط؟! على كل رفض الإخوان ذلك العرض، وهذا خير لهم، فلك أن تتخيل بأي وجه سينظرون إلى شعبهم بل إلى أنفسهم لو قبلوا أن يكونوا واجهة تجميلية لنظام استخدم كل وسائل القمع والقتل والتهجير.

 

2) علق الإخوان أنشطتهم المعارضة للنظام السوري عام 2009 وذلك على إثر الحرب التي شنتها (إسرائيل) على غزة على اعتبار أن فلسطين هي القضية المركزية ولكن النظام لم يقابل تلك الخطوة بأي مبادرة إيجابية ولم تكن وقتها الأوضاع الداخلية في سورية قد انفجرت.

 

3) تم حظر حركة الإخوان المسلمين في سوريا أيام حافظ الأسد حين كان بشار تلميذاً في المدرسة بقانون 49 للعام 1980 وهو قانون غريب وشاذ يحكم بالإعدام على من ينتمي إلى الإخوان المسلمين بغض النظر عن الأفعال التي ارتكبها، وقد تعرض الإخوان لمجازر رهيبة، وقد استهدفت مناطق بأكملها لأنها معاقل للإخوان، مثل مدينة حماة التي تعرضت للمجزرة الأكثر بشاعة، ولا ننسى المجزرة الرهيبة في  سجن تدمر، ومع ذلك كان يمكن في (العهد الجديد) الذي ورث فيه بشار عرش سوريا أن يفتح صفحة جديدة ويعمل على تضميد الجراح، خاصة أن مسؤول الإخوان السابق (علي صدر الدين البيانوني) حين سألوه عن تلك الأحداث وتبريرات النظام ومسئولية الإخوان قال بأنه لا مانع لديهم من فتح تحقيق دولي محايد في أحداث حماة.. ولكن هيهات هيهات فبنية النظام إقصائية استعلائية لا تقبل أي حوار أو تشكيك ولو جزئيا بروايتها أو بحث عن قواسم مشتركة.

 

العطار.. لست قادرا حتى تعفو!

عودة إلى مثالية وإنسانية العطار، وهو من (إخوان الشياطين) وفق وصف زوج التي دعا الله لها بكل الخير؛ فالأمر ليس شخصيا محضا؛ وأنت لست قادرا حتى نصنّف دعاءك ورومانسيتك تحت باب العفو عند المقدرة؛ فحين تحاصر قواتك قصر بشار ويخرج مستسلما ويحني رقبته طوعا أو كرها أمام سيفك فلك حق العفو الشخصي، فثمة أمهات وأزواج وعوائل ربما لن يعفو ولن يصفحوا، أما الآن فموقفك لم يجلب شيئا إيجابيا من النظام تجاهك ولا تجاه جماعتك. قد تقول بأنك لم تنتظر هذا وأنك دعوت لأسماء لا لزوجها، وهذا كان يتطلب منك وأنت الأديب الأريب انتقاء كلماتك وعباراتك بما لا يثير شجونا ويقلب المواجع؛ أما أنك تدعو الله للجميع أن يعودوا إلى الخير والصواب والحق، فهو جميل ولكن كان يمكن أن تفعل هذا دون جسم حركي أنت أو غيرك، وإذا قلت بأن الحركة أساس دعوتها الدعوة إلى الله قبل كل شيء، فإن هذه من معضلات الإخوان في مختلف مواقعهم، أي عدم معرفة حدود ومتطلبات وأدوات العمل السياسي، ومتى تنفصل أو تتقاطع أو تتوازى مع العمل الدعوي البحت. حديث بشار الأسد استمر 45 دقيقة وثمة ملاحظات وخواطر أخرى لدي حوله سأطرحها في مقالي القادم بمشيئة الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.