شعار قسم مدونات

كيف غير الطب مجرى الحرب العالمية الثانية؟

blogs الحرب بالعالمية الأولى

أثناء زحف جنود ألمانيا النازية إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي اصطدمو بستالينغراد، أو بالأحرى ستالينغراد من اصطدمت بهم! الجيش النازي الذي كان يأكل الأخضر واليابس في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية، لم يجد صعوبة كبيرة في احتلال أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي على الجبهة الشرقية لألمانيا النازية. ستالينغراد.. المدينة التي تحمل أهمية شخصية لهتلر -زعيم النازية- كونها تحمل اسم عدوه اللدود -رئيس السوفييت وقتها- جوزيف ستالين، فدفع بها بأحد أقوى جيوشه.. الجيش السادس المتميز بقوة ضباطه وحنكتهم العسكرية ومنهم بالطبع ابن أخيه.

وبعد عدة أشهر من الحرب هناك استطاع هتلر احتلال 90٪ من المدينة وسط حالة اضطراب في صفوف السوفييت. فكيف تدارك السوفييت خسارة الحرب وقتها وأعادوها لصالحهم وهم في مرحلة حساسة جدا من الضعف المذل والسقوط المعنوي الكبير.. فالمدينة الحاملة لاسم زعيمهم قاب قوسين أو أدنى من السقوط. استفاد الروس من تجربة بافلوف -العالم السوفييتي- على الكلاب، التجربة المسماة "المنعكس الشرطي" هي بلغة طبية بسيطة تعني أنه عندما يتم تقديم الطعام للكلاب تفرز اللعاب كغريزة فيها، لكن ما قام به بافلوف هو قرن تقديم الطعام عدة مرات بصوت جرس، وبعد تعود الكلب على هذا القرن للطعام بصوت الجرس، سحب بافلوف الطعام وقام بإعطاء صوت جرس فقط، والنتيجة المذهلة هو استجابة الكلاب بإفراز اللعاب لصوت الجرس لوحده دون طعام!

لم تستطع بريطانيا -عدوة النازية وقتها- من تحديد العامل المسبب في عفن الخبر القاتل للجراثيم لذا أعدت مستوعات كاملة لتعفين الخبز وجلعت ضماد يضعه الجنود المصابون على جروحهم

بلغة أخبث وأدهى متلائمة أكثر مع ثقافة الانتصار -ولا شيء سواها- قرن السوفييت طعام الكلاب لا بصوت جرس بريء أو شيء ما قبيل، بل بقرن وضع الطعام تحت الدبابات السوفييتة عدة مرات، فتصير الكلاب ما إن تسمع صوت الدبابات حتى تركض لتحت الدبابة كي تأخد طعامها. عدة مرات كانت كفيلة بركض الكلاب نحو أسفل الدبابة، إلا أنه آخر مرة كانت فيه الكلاب تبحث عن طعامها بسماعها صوت الدبابة كالمعتاد، وضع الجنود متفجرات شديدة الانفجار على ظهرها لأن القادم هو الدبابات الألمانية النازية. وكما تعودت الكلاب بالبحث عن طعامها تحت الدبابات ذهبت لكنها لم تجد ما تنتظره أسفل الدبابة بل وجدت ما ينتظرها.. انفجارها ومنحها وسام تفجير الدبابة الألمانية!

لم تعرف الكلاب ماذا جرى، وجدت نفسها وسط لعبة قذرة أجبرت على التواجد فيها. تمكن الاتحاد السوفيتي بعدها من دحر الجيش الألماني عدة كيلومترات ومنعهم من إطباق السيطرة على ستالينغراد ما مهد لمعركة الخمسة أشهر أن تميل الكفة لصالحهم في مدينة زعيمهم.. عدة عوامل ومنها تجربة بافلوف أنقذتهم!

البنسلين

اكتشف ألكسندر فلامينغ أثناء تجاربه على أطباق الجراثيم المسببة اللإنتانات المرضية، مادة قادرة على وقف نمو الجراثيم، في وقت مبكر من بدء الحرب العالمية الثانية عام 1929، فلامينغ الذي كان معروفا بفوضويته، ذهب لعطلة ثم عاد لمخبره فوجد أن أحد الأطباق لم تنمو عليه جراثيم أبدا، كان السبب كسرة خبر متعفنة جاءت بالخطأ إلى المكان، عثر على مضاد جرثومي مهم في وقت مهم أكثر، لكن الغريب أنه لم يقدّر له أن ينال اعتراف الدوائر الرسمية أو الطبية أو الشعبية إلا بعد أن أثبت نجاحاته في معالجة جرحى الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بفضل جهود اثنين من الكيميائيين اللذين استطاعا تحويل الكشف العلمي ومصادفته السعيدة إلى عقار دوائي مطروح وهو البنسلين.

لكن المرحلة التي تبعت اكتشاف فليمنغ وعزل المادة الدوائية، المرحلة التي كان لا يعلم الجميع عن هذا المضاد الجوثوم سوى أنه موجود في خبر متعفن، فكيف استفادت بريطانيا العظمى من ذلك في الوقت الذي كانت إصابة أي جندي من جنودها ما بجرح في الحرب كان يعني موتا مؤلما وبطيئا بالجراثيم التي كانت تلوث كل شيء آنذاك. لم تستطع بريطانيا -عدوة النازية وقتها- من تحديد العامل المسبب في عفن الخبر القاتل للجراثيم لذا أعدت مستوعات كاملة لتعفين الخبز وجلعت ضماد يضعه الجنود المصابون على جروحهم لحمايتهم من الإنتانات الجرثومية التي كانت تضاهي قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات في فاعلية قتل الجنود.

كسبت بريطانيا في ذلك عاملا بشريا ضخما في تعداد جنودها لمواجهة التعبئة الكاملة والاحتياطية التي كان تتسلح بها ألمانيا النازية. خفف هذا التدبير من عدد قتلى الجنود إلى حد كبير لكن ليس طويلا، فحالما أوصلت مخابرات هتلر هذا الخبر له لم يفرق كثيرا بين مستودعات الأسلحة ومستودعات تعفين الخبر، أرسل الدكتاتور الألماني أمرا بقصف تلك المعامل واضعا بريطانيا في حالة تأهب مرة أخرى.

الأدوية المخدرة

أثر الحرب العالمية النفسي فعل الكثير بشعوب الدول المشاركة وبالضرورة على زعائمهم أكثر من غيرهم ومنهم بالتأكيد.. هتلر في كل معركة كان يخوضها جنوده كان يتأثر كثيرا بهزيمتهم، بالطبع لذلك نصحه أطباؤه بأخذ أدوية مخدرة كالنيكوتين والمورفين وغيرها لمنعه من الانهيار العصبي وبسبب مرضه الذي أصيب به عام 1941. لم تكن تلك الفكرة جيدة كثيرا كما خيل لهم في البداية، كونه لم تكن تعرف وقتها التأثيرات الجانبية لتلك الأدوية، التي أثرت عصبيا على قرارات هتلر الانفعالية الخاطئة الرجل الآمر الناهي في استراتيجيات ألمانيا ومعاركها في الحرب الدائرة، القرارات التي اتخذها في أوقات حساسة من الحرب وفقدانه لحس المناورة العسكرية في أوقات حاسمة ومنها ستالينغراد التي سبق الحديث عنها، التي رفض هتلر انسحاب جنوده منها رغم وضعهم الحرج قبيل انهزامهم الكامل، نرجسيته في عثور خيالي لجيشه هنالك على مخرج للنجاة جعلت تمكن السوفييت من محاصرة جيشه السادس أمرا محتما حتى تم أسره بالكامل والقضاء عليه.

وعدا عن القرارات، يظهر هتلر "المريض" مرة أخرى في اللقاءات المصورة مع جنوده وهو يخفي يده المرتجفة وراء ظهره في وقت متأخر من الحرب العالمية وقتها. يمكن الحديث بلغة عمومية الآن غير الطب مسار الحرب العالمية فيما اكتشفه في البنسلين ومنعكس بافلوف الشرطي بإمالته الكفة لطرف لكن دون قلبها بل زيادة في عنفها وعمرها. وغيرها -لمسار الحرب- في الأشياء التي لم يكتشفها أيضا وقتها، والحديث عن التأثيرات الجانبية للأدوية المخدرة، التي جعلت من زعيم توسعي إمبراطوري نازي خطر اسمه هتلر، جعلت منه زعيم متهور انفعالي فاقد لأبجدية الحرب وحنكتها، حرب هزم فيها فيما بعد شر هزيمة عندما وصلت القوات السوفييتة لبرلين فانتحر بسم طبي للمفارقة أيضا هو.. السيانيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.