شعار قسم مدونات

رحلة رمضان.. بداية حياة وأطواق نجاة

blogs دعاء

أثارت رسائل تهنئة رمضان "النسخ واللصق" أو تلك الأخرى "معادة النشر" مكامن فؤادي لنسج رسالة تخرج من صميم الفؤاد وذلك قبل أن تتجمد المشاعر الدافئة خلف أسوار عوالمنا الافتراضية، ليست رسالة تهنئة فحسب بل دعوة إلى أهم رحلة لنا بالحياة.

قبل الانطلاق

هل نحن مسلمون؟ "بالطبع"، مؤمنون؟ "غالباً"، ملتزمون؟ "هكذا يبدوا ظاهرنا" غير أن معارك الحياة المُنهكة وفتن الدنيا المتسارعة حولنا من كل صوب وحدب تجعل أفضلنا حالاً يتحسس الإيمان في قلبه وينقب عن بضعةٍ من يقين يُعينه على نوائب الدهر فلا يجد أو ربما يجد قدراً ضئيلاً أوشك على النضوب فما السبيل للمَعين؟!.

رمضان.. نقطة انطلاق وبداية حياة
رحلة الأعوام مع رمضان جعلت من معلومة "أن الصحابة أو السلف كانوا يدعون بحاجاتهم في رمضان فلا يأتي رمضان بعده إلا وقد استجيبت لهم" ليست فقط مجرد معلومة تُقرأ بل حقيقة وواقعا ملموساً

"حدث بالفعل"، كأي فتاة شابة "عايشه حياتها" تلهو بمرحٍ مجربةٍ كل ما تظنه يجعل لحياتها مذاقاً حلواً، حتى جاءت هذه الليلة من ليالي رمضان الوترية بأصوات خاشعة لإمام المسجد المجاور لبيتها. ومن جميل الأقدار أن هذه الأصوات صادفت لدى الفتاة مللاً من متابعة برامجها التليفزيونية من جهة، ومن جهة أخرى شعوراً بالانزعاج لم تعتاده من قبل، هذا الشعور بعدم الراحة جعلها تتناول "الريموت" لتغلق التلفاز، وسرعان ما ولت وجهها شطر المسجد قبل أخر ركعاته، لقد فعلت هذا بالرغم أن الحلقة الجديدة لمسلسلها الرمضاني المفضل كانت قد بدأت للتو غير أنها حدثت نفسها بأنه لا بأس فالحلقة سوف تُعاد وقت السحور!

 

دعاء مؤثر، خشوع وسكينة خيما على الأنحاء، خشع الجميع وفاضت دموعهم إلا هي! لم تبك، لم تتأثر، لم تلاحظ أو تسجل أي سعادة أو شعورا إيجابيا أصابها.. لكن في الغيب كان هناك غير تلك الأمور أمور! فشرارة الهداية اندلعت مما جعلها تتلمس لطائف أنوارها في تفاصيل لم تكن لتلتفت إليها. كانت هذه هي نقطة الانطلاق لأهم رحلة في الحياة "رحلة الذهاب إلى الله".

 

رمضان.. محطات ارتقاء

انتهى رمضانها الأول دون مظاهر هداية فارقة وما لبثت المظاهر إلا أن توالت في الظهور بتروي وتمهل وتدرج يشبه ذلك النمو لتلك البراعم الصغيرة التي تبدأ بها دورة حياة أي شجرة مثمرة. بدأت الفتاة تلاحظ مخالفات الثياب وتحاول ترميمها، أصبحت تحافظ على الصلوات في أول أوقاتها، روضت تعاملاتها المختلطة مع الجنس الآخر.

 

مر على فتاة قصتنا هذه منذ رمضانها الأول 17 رمضان كان كل رمضان منهم محطة ارتقاء في دروب الحياة، في ذاك الرمضان اكتشفت نفسها وأدركت مواطن ضعفها، وفي هذا الرمضان فقهت الرسائل الربانية من آيات قرآنية كان وقعها وكأنها تتنزل عليها ولها في ليلتها بالقيام. فتحاً في المعرفة، وفيضاً في المشاعر الإيمانية الثرية، بركات في الأوقات والأعمال، فهمت الإسلام والإيمان كما لم تفهمه بالمدارس أو البيت، شعرت بوجود الله وإحاطته في كل قشعريرة بدن عند سماع آياته، تلمست نفحات توفيقه كلما غلبها النعاس فأرسل الله لها من يوقظها للقيام بين يديه، ذاقت حلاوة وداً جعله الله في صفوف صلاة الطائعات مع كل ملامسة أكتاف وأقدام نصبت لله قائمة.

 

ليس هذا فحسب بل إن رحلة الأعوام مع رمضان جعلت من معلومة "أن الصحابة أو السلف كانوا يدعون بحاجاتهم في رمضان فلا يأتي رمضان بعده إلا وقد استجيبت لهم" ليست فقط مجرد معلومة تُقرأ بل حقيقة وواقعا ملموساً يستحق أن يفرغ له الوقت ويُعد له الجهد ويشحذ له الذهن بالتركيز فنحصر حاجاتنا ونكرر الدعوات طوال هذا الشهر المبارك. صاحبة القصة لم تمت بحسن الخاتمة بعد ولا تدري بما يختم لها وتتخبط كغيرها في الفتن، غير أنها لمحت أطواق نجاة تلوح في الأفق بدنو رمضان فهل عسانا نتشبث بها؟!

 

رمضان.. أطواق النجاة

لقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا". لعل أوضاع بلادنا الأخيرة قد أظهرت لنا الكثير من النماذج لدعاة باطل كانوا دعاة حق وشباب ألحد كان يوماً مؤمنا ومحاربات للحجاب كانوا من أيامٍ يدعون لارتداء النقاب، وهذا ليس منا ببعيد فحين أتأمل حالي وحال الكثير من المحيطين أجد أن السواد الأعظم إلا من رحم ربي في هبوط لا صعود، غير أن الفرصة لا زالت سانحه ببلوغ رمضان فعسانا نرتشف منه رشفة حياة.

في رمضانك المقبل.. كن أيوبياً

(لا غنى بي عن بركتك)، جاء في البخاري أن بينما أيوب عليه السلام يغتسل عرياناً خر عليه رجل -أي مجموعة- جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه -يجمع بكلتا يديه كل ما استطاع جمعه ويملأ به ثوبه- فناداه ربه ياأيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك. فحين يتعلق الأمر بالبركات فلا قناعة واكتفاء بل جمع وازدياد فليكن قلبك الثوب الذي ستجمع به بركات الصيام والقيام والدعوات والصدقات وعلى قدر جهد جمعك في رمضان على قدر ثباتك فيما تلاه.

 

هلمَّ الحق بركب الفائزين

دعوة لكل من عاش مثل هذه اللحظات أن يسترجع الماضي بخافقيه ليستنشق ذلك العبق للأيام الأولى، ونداء أيضاً لمن لم يذق بعد هلمَّ الحق بالركب واستمتع بالرحلة ولكن للرحلة شروط منها حجز تذاكر الإقبال وحزم حقائب المشاعر وأن تدير ظهرك لطاحونة الحياة، فلتبدأ رمضان بالصدق وتصاحب فيه المجاهدة، وإن استطعت أن تأتي خالياً من شاشات تأسرك أو واي فاي توجهك فافعل فرُبَّ قلوبٍ ضاعت في زحام المشتتات ورُبَّ خيرات لم تتنزل إلا بالخلوات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.