شعار قسم مدونات

زار السعودية وقطر والكويت.. ما الذي سعى له الشيخ أحمد ياسين من جولته الخليجية؟

BLOGS الشيخ أحمد ياسين

حين كتبت قبل أكثر من شهر عن الشيخ أحمد ياسين وذلك على هامش ذكرى استشهاده توقعت أن أحرر مقالين أو ثلاثة كحد أقصى؛ وإذ بالمداد يسيل فتكون ستة وهذا السابع، والثامن إن شاء الله قادم ولعل ثمة تاسع وعاشر! ذلك أنني اكتشفت أن سيرة الشيخ ثرية ومتنوعة ويحسن بجميع الناس، من اختلفوا مع الشيخ وعارضوه، ومن توافقوا معه وأيدوه، أن ينتفعوا بها.

 

هل هناك تعارض في العلاقات؟

تحدثت في المقال السابق عن جولة الشيخ أحمد ياسين في عام 1998 التي شملت عدة دول عربية وإسلامية وقد ركزت الحديث على سورية، وما في ذلك من دروس وعبر، وقد زار الشيخ قبل سورية دولة قطر، واستقبل بحفاوة من قبل أميرها السابق حمد بن خلفية، وبقية أعضاء الحكومة القطرية، إضافة إلى الفعاليات الشعبية، وكانت الزيارة إلى قطر فاتحة فكرة تسجيل حلقات برنامج (شاهد على العصر) على شاشة قناة الجزيرة مع الإعلامي (أحمد منصور) وهي حلقات أفصح فيها الشيخ عن معلومات مهمة، وحقائق كثيرة، وتفيد أي دارس أو مهتم، وهي موجودة في يوتيوب وغيره، ومفرغة نصيا.

 

زار الشيخ السعودية وحظي أيضا باستقبال رسمي وشعبي كبير، وغطى الإعلام السعودي الزيارة بكثافة واهتمام بالغ، صحيح وقتها لم تكن العلاقات السعودية-القطرية كحالتها اليوم

نزل الشيخ في فندق (الشيراتون) في الدوحة وكان مضيفه الأمير حمد الذي أوصى بحسن ضيافته هو والوفد المرافق له من قادة وكوادر حركته ومرافقيهم، وهذا فيه رد على أصوات خرجت مؤخرا بأن الشيخ أحمد ياسين لو كان موجودا لما كان هناك دفء في العلاقات بين حماس وقطر، ولا أدري بناء على ماذا يقولون ذلك، ووفق أي منطق؟ وهناك من يطرح فكرة تناقض العلاقة بين دولة ودولة أخرى؛ وهذا لعمري بعد عن الحنكة والحصافة السياسية، التي يزعم بعض المنتقدين أنهم يتحلون بها، بينما هذا الطرح على النقيض منها. فهم مثلا يرون أن العلاقة مع إيران تتعارض مع علاقات بدول عربية وإسلامية، ومنها خليجية طبعا.

 

والصحيح أن تنوع العلاقات وتشعبها هو مهارة سياسية يجب أن يتحلى بها الفلسطينيون، لا سيما فيما يخص علاقتهم بالمحيط العربي والإسلامي؛ فهل نردد شعار أن فلسطين قضية الأمة المركزية، وأنها تخص كل العرب والمسلمين، وأن المسجد الأقصى ليس لنا وحدنا، وفي ذات الوقت نترفع عن علاقة مع هذه الدولة أو تلك؟ وإن من الخطأ الانخراط في خلافات الدول فيما بينها، لأن تلك الخلافات تستفيد منها إسرائيل كثيرا، وتوظفها لصالحها، وأي نزاع بين أطراف عربية وإسلامية، الخاسر الأكبر منه، هو الشعب الفلسطيني، وقضيته، والرابح الأكبر بالطبع هو الاحتلال الصهيوني.

 

فالحرب العراقية-الإيرانية إضافة إلى ما تسببت به من خسائر بشرية ومادية لبلدين مسلمين جارين لهما بنية ثقافية وحضارية وموقع استراتيجي في المنطقة والعالم، جعلت إسرائيل في راحة من كليهما طيلة سنوات الحرب الثمانية. واحتلال العراق للكويت، ثم انقسام العرب على إثر ذلك ومجيء الأمريكان إلى الخليج لتدمير العراق، قد دفعنا معشر الفلسطينيين ثمنه المؤلم بخسارة الطرفين عمليا.

 

وزار الشيخ السعودية وحظي أيضا باستقبال رسمي وشعبي كبير، وغطى الإعلام السعودي الزيارة بكثافة واهتمام بالغ، صحيح وقتها لم تكن العلاقات السعودية-القطرية كحالتها اليوم، ولكن حتى ولو، فإن الشيخ ما كان سيجعل علاقته بدولة على حساب العلاقة مع دولة أخرى على قاعدة (فلسطين تحتاج جهد الجميع) وأنا أضيف (الجميع يحتاج إلى فلسطين) فهي قضية تمنح من يهتم بها أفضلية عند شعبه وعند إقليمه وعند العالم، ولها طاقة عجيبة تنعكس على أي دولة أو زعيم يوليها أهمية.

 

وعلى كل حال يمكننا أن نتخيل كيف أنه لو كانت تركيا على ما هي عليه اليوم، كيف سيستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان الشيخ وكيف سيقدمه أمام البرلمان مثلا وبأي الأوصاف التبجيلية كان سيصفه، وهذا لا يعني-كما يخيل لبعض ضيقي الأفق- أنه لن يزور إيران بسبب حفاوة أردوغان، وكأن هناك اصطفافا موهوما عند هؤلاء. فالشيخ لم يمتنع عن زيارة الدول العربية والإسلامية التي وافقت على استقباله. وعلى كل لم لا نتعلم من العدو؛ فما يشبه التنافس الذي يكاد يستعيد أجواء الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لم يجعل إسرائيل في عداء مع أحدهما؛ بل هي تستفيد من الأمريكان دعما بالتأييد بل التبني لسياساتها، وتزويدها بالسلاح الحديث، ومن الروس بترتيب أوراقها في الملف السوري وشن غاراتها بالتنسيق معهم!

 

ماذا لو كان الخيار: إما نحن أو هم؟

قد يكون موقف بعض الدول أو الزعماء هو موقف التخيير الصارم في العلاقات؛ أي إما أن تكون علاقتك معي فقط ويتوجب عليك قطع العلاقة مع الدولة كذا، سواء بالتصريح بهذا الموقف، أو من خلال ما يظهر في بعض التصرفات، ما الحل؟ الحقيقة أن هذا يشبه مكايدات نساء ضرائر لا ساسة محترفين، ولكنه للأسف واقع أحيانا، في أن الأمة بكافة مكوناتها صارت الأهواء الشخصية تسير سفن السياسة، وفي زمن أوسدت الأمور إلى غير أهلها.

 

إذا كان الخيار بهذه الطريقة الفظة التي تذكرنا بجورج بوش الصغير (من ليس معنا فهو مع الإرهاب!) وقد صارت بين إخوة الدين والتاريخ والجوار، فإن الفلسطيني يجب أن يرفض هذا الابتزاز علنا، وأنه ممكن أن يقبل فقط بهذه المعادلة في حال وفر له رافع هذا الكرت الأحمر كل ما يريد من دعم سياسي ومالي وعسكري وحرية حركة…إلخ وإلا فأنت أيها المُخيِّر المختال ستكون أول الخاسرين ولو بعد حين! إسرائيل قطعت العلاقات مع السوفييت (علما بأن ثمة تنافس بينهم وبين الأمريكان حول أيهما سبق بالاعتراف بها) ولكنها حظيت بدعم أمريكي شامل بالمال والسلاح والفيتو الجاهز دوما…فيا من تريد قطع العلاقة مع إيران أو قطر أو تركيا أو الكويت أو السودان أو غيرها هل ستقدم لي كل شيء؟!

 

زيارة الكويت.. وأسراها

من الزيارات التي حظيت بصدى واسع في جولة الشيخ أحمد ياسين زيارته للكويت؛ فالكويت كانت قد اتخذت موقفا سلبيا بسبب ما اعتبرته تأييد م.ت.ف لصدام حسين بعيد احتلال الكويت صيف 1990 وقد قاطعت المنظمة، وانعكست المقاطعة السياسية على عشرات الألوف من الفلسطينيين العاملين هناك، مما أثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية لسكان الأراضي المحتلة الذين كان أقاربهم يمدونهم بدعم لا يستهان به، ناهيك عن أوضاع الأردن الذي اكتظ بهؤلاء المطرودين بلا ذنب اقترفوه. والآن في أيار/مايو 1998 يزور الشيخ أحمد ياسين الكويت بدعوة رسمية بعد زيارته للإمارات:-

  

ويتحدث عن موضوع سيثير نوعا من الجدل، وهو المواطنون الكويتيون الذين كان يشتبه -تبين أنه صحيح لاحقا- أن السلطات العراقية أخذتهم كأسرى إبان غزوها للكويت أو بعد انسحابها، ويقدر عددهم بحوالي 600 وهو عدد كبير جدا بالنسبة لدولة الكويت. سأناقش بمشيئة الله هذه المسألة وجدلية العلاقات وتناقضاتها الافتراضية ومسائل أخرى في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.