شعار قسم مدونات

يحدث في إمارات السعادة و التسامح و اللا مستحيل!

blogs سجن

رحلت منذ يومين النّاشطة والمناضلة الإماراتية علياء عبد النّور المعتقلة بسجون أبو ظبي، لفظت أنفاسها الأخيرة يوم السّبت 4 مايو 2019، وترجّلت بعد رحلة عذاب طويلة ومريرة دامت سنوات، تعرّضت خلالها لكلّ صنوف التّنكيل وأشكال التّعذيب من قبل جلّاديها الّذين لم يرحموا ضعفها ولم يراعوا إصابتها بمرض السّرطان، ما وقع لها هو فيض من غيض ونقطة في بحر تعبّر عمّا يجري في إمارات القمع والقهر والخوف. فما الّذي تخفيه تلك البنايات البلّورية الفاخرة الشّاهقة المزيّنة بالأنوار المشعّة الزّائفة من ظلم وظلمات ومؤامرات؟

 

قصّة علياء عبد النّور

ابتدأت القصّة ذات فجر يوم 29 يوليو 2015 حين داهم منزل عائلتها الكائن في إمارة عجمان زوّار الفجر ليعتقلوها ويشبعوها ضربا وركلا قبل أن يكبّلوها ويقتادوها إلى مكان مجهول، سريّة كاملة مدجّجة بالسّلاح وكلاب بوليسية مدرّبة كانت مكلّفة بالقبض على امرأة عزلاء لا تملك سوى قلمها، لترمى في زنزانة انفرادية وتمارس عليها كلّ فنون التّعذيب طيلة ثمانية أشهر دون محاكمة أو توجيه لائحة اتّهام، كانت تمنع من النّوم بواسطة الضّوء القويّ الجاهر أو الصّوت المزعج الصّاخب وتجبر على الوقوف لساعات طويلة وهي مقيّدة الأطراف ، أمّا التّحقيق معها فكان يجري في لبوس العذاب وهي معصّبة العينين، ذاك ما سرّبته عائلتها الّتي لم يسمح لها بزيارتها إلا بعد أن حوّلت إلى سجن الوثبة ليكتشفوا تدهورا شديدا لحالتها الصحّية وبعض أثار ما ارتكب في حقّها من فظاعات. وممّا زاد الطّين بلّة ظهور عوارض لانتشار جديد لسرطان الثّدي الّذي شفيت منه سنة2008 لتبرز تفريخاته مع تورّمات في الغدد اللّمفوية وتكيّس وتليّف للكبد إلى جانب هشاشة شديدة في العظام.

 

وقد جوبهت وضعيّتها الصحّية تلك والّتي تزداد تدهورا مع مرور الأيّام بالتّجاهل من قبل جلّاديها ليضطرّوا لنقلها إلى مستشفى المرفق الحكومي في مرّة أولى ثمّ إلى مستشفى توام بمدينة العين يوم10 يناير2019 وكانت خلال فترة حجزها الصحّي مقيّدة إلى سرير في غرفة بلا تهوية وقد لوحظت تقرّحات جلدية نتيجة للقيود ولمرضها الخبيث الّذي تآمر عليها في إمارة المؤامرات محوّلا إيّاها إلى شبه جثّة تنتظر مصيرها المحتوم. وبالرّغم من محاولات عائلتها المتكرّرة لإطلاق سراحها لدوافع إنسانية فان إمارة التّسامح والسّعادة رفضت قطعيّا ذلك بل سارعت بتأكيد حكم السّجن وامتنعت عن الإفراج المؤقّت عنها من أجل العلاج. رحلت علياء وقد أتمّت رحلتها في بلاد العجائب حيث تغطّي التّيجان رؤوس الأرانب وتشوّه الإنسان وتوحّش وتحوّل إلى ضباع وثعالب وتلوّثت الأرض وانتشرت فيها الطّفيليّات والطّحالب.

  

  

قصص شبيهة

علياء لم تكن الوحيدة ولن تكون كذلك فمئات من المواطنين والمقيمين يقبعون في غياهب سجون إمارات التّسامح والسّعادة الرّسمية والسرّية، سجون منتشرة وراء تلك البروج الزّجاجية وفي بعض الأماكن الأخرى البعيدة في اليمن الّذي اغتصبوا سعادته أو في ليبيا وحيث ما وطئت أقدامهم. أحمد منصور الّذي يخوض هذه الأيّام إضرابا عن الطّعام احتجاجا على احتجازه في زنزانة انفرادية هو مثال على ذلك وهو من حكم عليه صحبة ناشطين آخرين سنة 2015 بعشر سنوات سجنا وكانت تهمة الإرهاب جاهزة لإلصاقها به، تلك التّهمة الفضفاضة المطّاطة الّتي تستحضر حسب الطّلب والمقاس كلّما أريد تصفية أحد الخصوم السّياسيين من أصحاب الرّأي المخالف ممّن يغرّدون خارج السّرب.

 

أسماء كثيرة طالتها آلة القمع المتسلّطة منذ تسعينيات القرن الماضي شملت أعضاء جمعية الإصلاح (1994) لتتصاعد الانتهاكات وتعمّم مستهدفة كلّ صوت معارض أو مطالب بالإصلاح: طارق القطّان، القاضي محمّد العبدولي، د. محمّد المنصوري، المستشار علي السدّي، المحامي سالم الشحّي، نجيب الأميري، أحمد القبسي واستاذ القانون محمّد الركن والقائمة تطول، إلى جانب هؤلاء المواطنين الإماراتيين فهناك أيضا قرابة المائة أو يزيد من المقيمين منهم ليبيون ومصريون وتونسيون ومن جنسيّات أخرى.

 

غوانتنامو الإمارات

يمثّل سجن الرّزين أو غوانتنامو الإمارات نموذجا لإحدى السّجون الّتي تنتهك فيها كلّ حقوق الإنسان ويمارس فيها تعذيبا ممنهجا وانتزاعا للاعترافات بعد محاكمات تفتقر لأدنى شروط العدالة كانت غطاء قانونيا لتصفيّة الخصوم السّياسيين وأصحاب الرّأي المخالف، تمارس في هذا السّجن كلّ فنون الّتعذيب وفي الغالب على أيدي مرتزقة معظمهم نيباليين.

 

وقد تضاعفت هذه الانتهاكات وشهدت نسقا تصاعديا مع اندلاع شرارة الرّبيع العربيّ الأوّل خشية عدوى صحوة الشّعوب لتنتصب الإمارات كرأس أفعى تنفث بسمّها في البلدان الّتي شهدت تلك الثّورات ناشرة للفوضى والخراب ومعتمدة على المال القذر والسّلاح.

واليمن وليبيا وسوريا ومصر وتونس والصّومال شاهدة على مؤامراتها لتتّسع خريطة تدخّلاتها الفجّة لتشمل السّودان والجزائر بعد بوادر ربيع عربي ثان يلوح في الأفق.

 

صارت الإمارات الّتي تعتبر مركزا عالميّا لتبييض الأموال والتّجارة بالبشر عبارة على ثقب أسود يمتصّ كلّ حقوق متعلّقة بالإنسان، وإلى جانب سجونها الرّسمية فقد أنشأت أخرى سرّية في الدّاخل والخارج وخصوصا في اليمن حيث تبتدع أشكالا جديدة للتّعذيب والتّنكيل، أمّا طائراتها بدون طيّار الّتي اقتنتها من الصّين فمهمّتها اصطياد المدنيين في طرابلس نصرة لعميلها مجرم الحرب حفتر وهي الّتي أمطرت أطفال اليمن المصابين بالكوليرا وسوء التغذية بالهدايا الّتي مكّنتهم من التخلّص من عذاباتهم اليومية بسرعة وبلا رجعة.

   

  

أليست هي الموطن الوحيد في عالمنا التّعيس لوزارات السّعادة والتّسامح والذّكاء الاصطناعي واللّامستحيل بل وذات التّاريخ الممتدّ من عصور ما قبل الكتابة إلى عصور ما بعد الحداثة فمنها استلهمت اسبرطة وفيها عاش عنترة ليثبت ذلك جينيا وهي من أسعدتنا بالكابوشينو في انتظار اكتشافات جديدة تثبت تجذّرها وعراقتها وتدحض مقولات أنّها كانت مجرّد مقاطعة عمّانية تكنّى بساحل عمّان برزت للوجود ككيان دولة سنة 1971 وغالبيّتنا يكبرها عمرا.

 

الإمارات والمؤامرات

لم يكتف المجرمون القائمون على الإمارات بممارسة إجرامهم في حدودهم الجغرافية بل توسّعوا في ذلك ليشملوا كلّ إنسان عربيّ أو مسلم يتوق للحرّية والحياة الكريمة ويسعى لأن تتحقّق إنسانيته، والأخطر أنّهم تمكّنوا من تحويل وجهة أكبر دولة ذات المكانة المحوريّة والرّمزية الاعتباريّة في المخيال الجمعي العربي المسلم ليخترقوها ويهمّشوها ويجعلوها تابعة لسياساتهم ووسيلة تنفيذ لمخطّطاتهم، دافعين إيّاها لارتكاب الحماقات لتتحمّل بمفردها تبعاتها وكأنّها عمليّة استهداف مبرمج قصد استنزافها وتفتيتها.

 

هي كالخنجر المسموم في جسد الأمّة، تستعدي نهضتها وتعرقل صحوتها وصارت تمارس كلّ أشكال الخيانة بكلّ صفاقة إلى حدّ مشاركة العدوّ الصّهيوني في قصف قطاع غزّة، حيث ما تكون فتنة وتشتمّ رائحة قذرة لمؤامرة ما فابحث عنها، ستجد بصمات أصابعها الأخطبوطية السّامة والشرّيرة، قد تبدو وكأنّها مازالت تمتلك مساحة للفعل والمناورة، ومازالت تحيك في غرفاتها المظلمة كلّ فتنة ومؤامرة، ولا تتردّد، استعداء للشعوب وللإنسان، في خوض أيّة مغامرة، استباقا لحتميّة التّغيير ووقوفا أمام حركة التّاريخ ، لكنّ كلّ ذلك حسابات خاطئة ومقامرة، فهي كبالون مطّاط امتلأ بكلّ الغازات السّامّة وتمطّط بجنون العظمة والمكابرة ، لينفجر في النّهاية ما لم يقع تصحيح المسار أو لم يتدخّل أحدهم لوضع حدّ للحماقة والمخاطرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.