شعار قسم مدونات

هل يعلن العرب موت فلسطين؟

مدونات - صفقة القرن

ينتظر العالم أن يعلن الرئيس ترامب ومستشاره وصهره كوشنير يوم 14 أيار/ماي 2019 عن خطة جديدة لحل المعضلة الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن وذلك تزامنا مع إحياء الحركة الصهيونية في العالم ذكرى قيام دولة إسرائيل الموافق لتاريخ الرابع عشر من أيار/ماي. إن اختيار هذا التاريخ – الذي يُجمع أغلب المحللين والمطلعين أنه سيكون تاريخ الإعلان وليس إثر شهر رمضان- هو اختيار يحمل العديد من الإشارات التي تؤكد أن صفقة القرن مبادرة صهيونية خالصة تعلن بلسان أمريكي فأغلب عناصرها مستمدة من رؤية اليمين المتطرف الصهيوني وحليفه الإنجيلي في الولايات المتحدة الأمريكية لمستقبل الأراضي الفلسطينية ولطبيعة العلاقة مع الفلسطينيين مستقبلا. فما هي أهم عناصر هذه الصفقة؟

 

يمكن حصر أهم نقاط الصفقة في الأتي:

أولا: اعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل وجزء لا يتجزء من الأراضي الإسرائيلية وبالتالي لم تعد مجال تفاوض مع الفلسطينيين.

 

ثانيا: ضم الضفة الغربية لدولة إسرائيل متعللين بوجود المستوطنات التي تعتبرها إسرائيل جزء منها وامتداد لأراضيها.

 

ثالثا: إلغاء حل الدولتين والإبقاء على دولة واحدة وهي دولة إسرائيل يكون الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية فيها وقد يسمح لهم ببعض السلطة المحلية في مناطق كثافتهم السكانية.

 

بداية الدخول الحقيقي للتاريخ تكون عبر بوابة إسقاط صفقة/خدعة القرن وعبر نجاح مسار التحرر من كل أشكال الهيمنة الداخلية والخارجية

رابعا: فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية ووضع مشروع مارشال جديد خاص بها يحولها إلى قطب اقتصادي كبير في منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة دولة إسرائيل. ستكون غزة هونغ كونغ جديدة ولكن في الشرق الأوسط وسيخصص مبلغ 25 مليار دولار سنويا لتحقيق هذا الهدف يمول من قبل الدول العربية الراعية لصفقة القرن.

 

خامسا: إلغاء حق العودة وتوطين الفلسطينيين في دول الإقامة واللجوء مع تقديم المساعدات الاقتصادية اللازمة لتلك الدول عبر صندوق تموله الدول العربية الراعية لصفقة القرن.

 

تلك هي أهم ملامح صفقة القرن التي يستعد الجميع لإعلانها تزامنا مع ذكرى قيام دولة إسرائيل والتي متى أعلنت ستكون إعلانا عن نهاية القضية الفلسطينية وموت لكل حلم فلسطيني في قيام دولة فلسطينية تحفظ الحقوق التاريخية للفلسطينيين في أرض كنعان. إن صفقة القرن ستكون بالنسبة للأمة العربية والإسلامية خدعة القرن التي ستنهي كل إمكان لتحرير الأراضي الفلسطينية والأماكن المقدسة من الاحتلال الإسرائيلي واعتراف من قبل الدول العربية الراعية بنهاية ذلك الاحتلال وتطبيع كامل مع الوجود الصهيوني في المنطقة وليس مستبعدا أن تسعى تلك الدول لمنح إسرائيل عضوية كاملة في جامعة الدول العربية باعتبار أن فيها مواطنين عرب.

 

ستسعى الدول العربية الراعية بكل قوة لإجبار الفلسطينيين لقبول خدعة القرن وستحاول أيضا إجبار الأردن على قبول تلك الخدعة وبكل الوسائل والطرق ولعل من بينها محاصرة الأردن مثلما حاصروا دولة قطر فسياسة التجويع سياسة ثابتة لدى هؤلاء وهم مستعدون من أجل الحفاظ على عروشهم أن يتحالفوا مع الشيطان. فالدول العربية الراعية تسعى سعيا محموما للإعلان عبر صفقة القرن عن موت فلسطين ونهاية المعضلة الفلسطينية عبر تسليم ما لا يملكون لمن لا يستحق. إن الحل لإسقاط هذه الصفقة/الخدعة في يد الفلسطينيين وليس في يد غيرهم وذلك أولا عبر تجاوز الخلافات الآنية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة اليوم قبل الغد وثانيا بإعلان حل السلطة الوطنية الفلسطينية تزامنا مع إعلان الصفقة/الخدعة والعودة للكفاح المسلح لأن تجارب التاريخ بينت أن لا حرية إلا بالكفاح والمقاومة ولأن المقاومة السلمية فشلت فلم يعد هناك من حل للحصول على الحقوق إلا بالكفاح المسلح والاعتماد على الذات في ذلك وعدم انتظار دعم عربي وإسلامي قد لا يأتي فالمنطقة من غربها لشرقها متفرغة لصراعاتها الداخلية التي نجحت الغرف المغلقة شرقا وغربا في تأجيجها أما الشعوب فهمها الوحيد الآن مقاومة الفقر والجوع.

 

إن الأمل الوحيد والأخير للفلسطينيين هو نجاح مشروع التحرر من الاستبداد وبناء دول وطنية مدنية تستمد سيادتها من الشعوب لا الحكام الذي بشرت به ثورات الربيع العربي غربا وشرقا. فهذا الحلم متى تحقق وانتصر على الثورة المضادة بكل غرفها شرقا وغربا سيكون هو بداية التحرر الفعلي لفلسطين وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرف ولأنه كذلك يجتمع اليوم كل العالم على إجهاضه بكل الطرق وبكل الوسائل الممكنة. ولعل ما حدث هذه الأيام في غزة من عدوان دمويّ غاشم إلا أحد هذه الطرق لفرض خدعة القرن. لا يزال الطريق نحو الحرية طويلا وشاقا ولكنه سبيل واضح لمن يريد أن يكون لهذه الأمة حضورا فاعلا في حاضر العالم ومستقبله ولمن يحلم أن تكون الأمة جزء من التاريخ البشري بفعلها فيه لا بخضوعها للفاعلين. ولعل بداية الدخول الحقيقي للتاريخ تكون عبر بوابة إسقاط صفقة/خدعة القرن وعبر نجاح مسار التحرر من كل أشكال الهيمنة الداخلية والخارجية واستقلال قرار الأمة وعودة السيادة للشعوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.