شعار قسم مدونات

هل يتعارض نظام العقوبات في الإسلام مع حقوق الإنسان؟

blogs سجن

بادئ ذي بدء يتعين الإشارة إلى أن أهم حقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 تتمثل في الحق في الحياة، والحق بالمساواة أمام القانون والقضاء، والحق في التملك، والحق في التنقل، والحق في التعليم، والحق في الصحة، والحق في العمل، والحق في حرية الفكر، والحق بالتمتع بحرية الرأي والتعبير. ويثور التساؤل في كثير من الأحيان حول نظام العقوبات في الإسلام في ظل المواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كون أن السياسة العقابية في الإسلام تتتضمن عقوبات يدعي البعض أنها متعارضة مع حقوق الإنسان مثل القِصاص (تنفيذ حكم القتل بحق القاتل)، وقطع يد السارق، وجلد الزاني، إضافة إلى الرجم.

وهنا لا بد من التأكيد على أن أي نظام عقوبات في الشرائع السماوية والوضعية إنما يهدف إلى تحقيق الردع العام والردع الخاص، بمعنى ردع العامة من أجل منع إرتكاب الجرائم، والردع الخاص بحق الشخص الذي يرتكب جريمة ما حتى لا يعود لإرتكاب ذات الجريمة أو أية جريمة أخرى ما يساهم في حماية المجتمع والمحافظة عليه نظيفاً وخالياً من أية جرائم قد تشكل إعتداءً على حقوق الأفراد وحرياتهم وأرواحهم وسكينتهم وممتلكاتهم ما شأنه المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة، والأخلاق العامة.

نظام العقوبات في الإسلام كمبدأ لا يتعارض مع حقوق الانسان الأساسية لا بل إنه يحافظ عليها من خلال حماية النسيج الاجتماعي والكيان الإنساني الفردي والجماعي

ومن هذا المنطلق، يتضح لنا هدف تلك العقوبات الصارمة في الإسلام بحق مرتكبي الجرائم، كون أن فلسفة العقوبة تتمثل في حماية المجتمع وسلامته وتماسكه الاجتماعي. وفي التطبيق العملي يفترض توافر شروط معينة من أجل إيقاع العقوبات سالفة الذكر بحق مرتكبي الجرائم، فمثلاً يشترط لإيقاع العقوبة الخاصة بجريمة الزنا (الجلد) توافر أربعة شهود، وهذا أمر قد يصعب تحققه في معظم الحالات. ناهيك عن أن عقوبة الجلد تكون بواسطة آلية معينة تقتضي تقييد حركة يد من يقوم بتنفيذ العقوبة وعودتها إلى موضعها الأصلي كل مرة ما يمكن القول معه أن تطبيق العقوبة إنما يهدف إلى تحقيق مفهوم الردع كأساس. وقد تحققت من ذلك أثناء أداء مناسك العمرة ذات مرة حيث شاهدت كيف كان يترك أصحاب المحلات في المدينة المنورة أبواب محلاتهم مفتوحة ويذهبون لأداء حاجاتهم أو للصلاة دون خوف من أية سرقات قد تحدث، ما يمكن معه القول بنجاعة السياسة العقابية التي تعتمد على درء المفاسد ومنع ارتكاب الجرائم.

ومن فلسفة السياسة العقابية في الإسلام تحقيق المساواة في التطبيق بين الناس كافة كما ورد في الحديث الشريف: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ومؤدى ذلك عدم التمييز عند إيقاع العقوبة بين شخص وشخص آخر كما يحدث حالياً في الواقع العملي للأسف في بعض تلك الدول التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث يتم إيقاع الحد (العقوبة) بحق أشخاص معينين وتجنب إيقاعها بحق أشخاص آخرين لأسباب عائلية أو جهوية أو قبلية أو طائفية أو لإعتبارات أخرى، وهو ما فتح الباب لإنتقاد نظام العقوبات في الإسلام، خصوصاً من قبل بعض المؤسسات التي تعنى بحقوق الانسان في الغرب.

وفي هذا السياق، لا بد من الإِشارة إلى أن بعض القوانين الغربية تنص على عقوبات تتسم بالصرامة كعقوبة الإعدام حال ارتكاب جرائم معينة، ففي الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل حسب المراقبين (واحة) الديمقراطية (وقبلة) حقوق الإنسان ينص القانون الإتحادي ومعظم قوانين الولايات على إيقاع عقوبة الإعدام كعقوبة قانونية بحق كل شخص يرتكب جريمة تستوجب تلك العقوبة، وقد تم إيقاع تلك العقوبة في العام 2015 مثلاً بحق 28 شخص. ويبلغ عدد الدول التي تقوم بإيقاع عقوبة الإعدام كعقوبة قانونية حسب الإحصائيات ذات العلاقة 58 دولة.

خلاصة القول: إن نظام العقوبات في الإسلام كمبدأ لا يتعارض مع حقوق الانسان الأساسية لا بل إنه يحافظ عليها من خلال حماية النسيج الاجتماعي والكيان الإنساني الفردي والجماعي. وتكمن الإشكالية في التطبيق في بعض الأحيان كما أسلفنا، خصوصاً عندما يتم إيقاع العقوبات بإنتقائية تفتح المجال واسعاً لإنتقاد نظام العقوبات في الإسلام الذي يقوم أساساً على المساواة بين الناس على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.