شعار قسم مدونات

جسد بلا سهر ولا حمى

BLOGS صلاة بالسعودية

" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" اقرأها وارددها في اليوم عديد المرات، اقرأها وارددها وأنا أقف وحيدة على سجادتي فأقول في نفسي "أنا أمة" وكل فرد منا أمة" أنا انتمي إلى مجموعة أراد الله ورسوله أن يرسخا فيها معنى الجماعة وأن يدحضا فيها معنى الفردية، حتى في دعائي أقول "اللهم أعز الإسلام والمسلمين".

 

أيعقل أن يرسخ فينا الإسلام معنى الوحدة والجسدية وروح الجماعة في صلواتنا وخلواتنا فقط لا غير! أم أنها وبلا شك تربية عملية ؟ ما الذي جعل سعدا ابن الربيع الأنصاري الثري يتقاسم ماله مع عبد الرحمان المهاجري الذي لا تربطه به لا قرابة ولا نسب ولا مصاهرة ولا دم؟ هما ليس بينهما سوى رابطة الإيمان واخوة الإسلام! هذا ماربى عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ شعار "الجسد الواحد" جسد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حفظناه منذ الصغر دون أن نتدبر معانيه "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

 

مشاركة الآخرين من أهل الإيمان في كل مايعيشونه من أفراح واتراح هو الأصل وهو القاعدة التي ربى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه، فأهل الإيمان هم أ

نطق بهذا الحديث حينما كان الجسد الإسلامي لا يزيد عن مائة وخمسين ألف مسلم، واليوم كبر هذا الجسد وضخم إلى أن صار يعد المليار والنصف ممن نطقت ألسنتهم بلا إله إلا الله محمد رسول الله وبذلك أصبح هذا الجسد كيانا إسلاميا قائما مترامي الأطراف، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين هو هذا الجسد الضخم؟ أهو في عداد الأحياء أم الأموات؟ المعلوم أن رسولنا الكريم لم يختر في هذا السياق بالذات شيئا ميتا أو غير قابل لوصف الحياة وإنما قال "كمثل الجسد الواحد" فكلمة الجسد حين اسمعها تذكرني بجسدي أنا، هذا الجسد المتكون من الأطراف والأعضاء الملتحم بعضه ببعض، فيه نبض الحياة والحركة والنشاط، فأبعاد الجسدية كالالتحام والاتحاد تعمل كقوة مهيمنة على هذا الجسد لتجبره على التداعي بالسهر والحمى إذا اشتكى منه عضو لا على أن ينفصل هذا الجسد عن هذا العضو المصاب المشتكي متخليا عنه غير مبال بوضعه. ألم ضرس واحد كفيل بجعل سائر الجسد طريح الفراش بين سهر وحمى متفاعلا ومتأثرا ومتضامنا مع الضرس المصاب.

 

هل تتخيلون أن كل هذه المعاني لخصها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرته والذي يعتبر من جوامع كلمه ومن درره وحكمه! فهو الذي قال عن نفسه " أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا" حيث أنه يضرب لنا مثلا من أنفسنا ومن أجسادنا كأن الذي يصاب من أهل الإيمان هو جزء من جسدك انت فقال "إذا اشتكى منه عضو" ولم يبين هنا المشتكى منه فربما يكون فقرا أو اجراما أو استبدادا أو هضما للحق أو مرضا أو ظلما أو خوفا أو دكتاتورية أو سجنا أو غيرها من الاقضية الالاهية.

 

رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه بتحميله المسؤولية على هذا الجسد في تفاعله مع هذا العضو المشتكي يحملك بذلك أنت أيها المسلم المسؤولية في التضامن والتناصر والتنافح والتعاون مع هذا العضو المريض المشتكي لأنك تعتبر عضوا في هذا الجسد الإسلامي الكبير، فإن أردت أن تعرف مقدار إيمانك انظر إلى نفسك إذا اشتكى اخوك في الإيمان أو إذا اشتكت مجموعة من المسلمين! هل يطيش النوم عن كل جسدك فلا تكتحل به عين؟ هل تجد حرارة عمت جسدك حرقة وتاسفا واندفاعا للذود عن اخوانك ام انه جسد بلا سهر ولا حمى؟

 

مشاركة الآخرين من أهل الإيمان في كل مايعيشونه من أفراح واتراح هو الأصل وهو القاعدة التي ربى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه، فأهل الإيمان هم أهل توادد وتعاطف وتراحم ليس بينهم فضاضة أو غلظة أو قسوة أو لا مبالاة، إيمانهم ألزمهم بذلك حتى رحم الكبير منهم الصغير والعالم منهم الجاهل والجبير منهم الكسير والبصير منهم الضرير و الواجد منهم المعدم وهكذا حتى تكون هذه الأمة المسلمة نموذجا للأمم الأخرى التي تغلب عليها الأنانية والبراغماتية والمعاملات الدنيوية المحضة المصلحية التي لا تمت للإيمان والعقيدة بصلة، هذه القيم السامية وهذه التربية العملية التي رسخها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وأرادها أن تبقى متجذرة فينا يعارضها واقع أقوى منها مع الأسف لأننا بتنا نجد معاني التوادد والتعاطف والتراحم في غير أمة الإسلام ولا نجدها في أمة الإسلام!

  

نرى في جسدنا الإسلامي مآسيا ومصائبا وحروبا ومجاعات واستبدادا وظلما وقهرا هنا وهناك وأكثر الأعضاء مسؤولية "رؤوس الجسد الاسلامي" من ذوي السلطة إما السياسية أو الروحية أو العلمية لانحس منهم من أحد ولا نسمع لهم ركزا إلا من رحم ربي، تدخل صفحاتهم الرسمية أو الشخصية فتجدهم مغيبين لا علاقة لهم بالزمان ولا بالمكان، هذه الرؤوس وهذه الأعضاء في حد ذاتها مريضة ميتة باردة لأنها انسخلت عن الجسد وغرست نفسها في التراب كالنعام وافترشت أسرة النوم بل والسبات العميق!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.