شعار قسم مدونات

ماذا لو كانت قمة مكة حول الإبادة في إدلب؟

blogs القمة الإسلامية

عشرات الوزراء والرؤساء والمترجمين من دول عربية وإسلامية يتحلقون حول بعضهم في جلسة دائرية في منطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، والتي تعد قبلة المسلمين والتي من المفترض أن يتم مناقشة أحوالهم والخروج بقرارات في صالحهم أو إدانة الانتهاكات الحاصلة بحق المسلمين في هذا العالم. لقد دعت المملكة العربية السعودية عشرات الدول للحضور إلى منطقة مكة من أجل حضور ثلاث قمم متتالية لإدانة الدور الإيراني وتدخلاته في المنطقة، بالإضافة إلى دعمه الحوثيين الذين يقومون باستهداف مواقع سعودية بطائرات مسيرة مما أدى إلى تضرر القطاع النفطي بالسعودية بعد الهجوم الحوثي الأخير.

ثمة تسريبات لما يدور في الاجتماع تجعلك تشعر بالغثيان بسبب ضيق الأهداف المطلوبة منه وهي إدانة تصرفات دولة محاصرة اقتصادياً وربما متهالكة بفعل العقوبات، حيث أن كل هذه القمم وطلبات للحماية في الخليج من السعودية للولايات المتحدة تجعل الوهم الإيراني يصبح وحشاً يستهدف بقائهم. الشيء المبكي أنه خلال القمة التي تقوم بها البلدان العربية والإسلامية تشن القوات الروسية بدعم بري إيراني أعنف هجوم لها على منطقة إدلب التي تحوي 4.5 مليون إنسان، القسم الأكبر منهم نساء وأطفال وسط قتل مئات المدنيين ودمار هائل في الأبنية السكنبة والمحاصيل الزراعية والحيوانية.

ماذا لو بقيت السعودية تدعم فصائل الثوار في سوريا بسخاء كما تدعم المقاومة الشعبية في اليمن بالإضافة إلى مواصلتها الضغط على روسيا لتحجيم الدور الإيراني في سوريا أو منعها في التدخل

بدأ مئات الآلاف من السكان هجرتهم الأخرى باتجاه الحدود التركية، تركوا منازلهم وأحلام طفولتهم هناك بعد أن دفنوا أقسام من عائلاتهم تحت الأنقاض في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وسهل الغاب، باتجاه أراض زراعية تحت أشجار الزيتون في الهجير وسط انعدام كافة مقومات الحياة في هذه المنطقة. تدافع الفصائل الثورية بكافة قوتها هذا الهجوم الوحشي على أخر قلاع الثورة السورية وسط انقطاع الدعم عنها من قبل الحلفاء العرب ومن خلفهم الغربيبين منذ سنوات، ولكن الإرادة في الانتصار جعلتهم يصدون الروس والإيرانيين بأسلحتهم الخفيفة رغم الاستهداف المكثف بالطائرات الروسية الحديثة والهجوم البري الإيراني.

ماذا كان سيضر هؤلاء الرؤساء في مكة لو قالوا هناك مدنيون في إدلب يواجهون حرب إبادة يجب أن تتوقف؟.. هل من يهاجم إدلب هم مخلوقات الآفاتار من كوكب بندورة، أم القردة التي آتت من الأدغال وبلاء ما وراء النهر، أم من طيور كانت تحلق في السماء وفجأة باتت ترمي حممها على هؤلاء العزل. الشيء الذي لم نعد نستطيع فهمه كيف يستطيعون تجزئة إيران، لماذا يتم إدانة إيران في اليمن ومحاولة طلب مساعدة الحلفاء لاستهدافها، وعندما يكون الأمر متعلق في الملف السوري والتدخلات الإيرانية لا نسمع لهم صوتاً؟.. هل ممنوع عليها القتال في اليمن ومسموح قتلها للأطفال في سوريا يا أهلنا في الخليج؟!.

استطاعت الثورة السورية خلال 8 سنوات من الحرب إيقاف الوحش الإيراني الذي كان يتمدد بسرعة هائلة في الشرق الأوسط لقد تم استنزافه على كافة الجبهات، وقتل الآلاف من المليشيات التابعة لها بالإضافة إلى تبديد الأموال الإيرانية التي يتم صرفها على الأسد من أجل بقاءه صامداً أمام ضربات الثوار في المحافظات السورية. ماذا لو بقيت السعودية تدعم فصائل الثوار في سوريا بسخاء كما تدعم المقاومة الشعبية في اليمن بالإضافة إلى مواصلتها الضغط على روسيا لتحجيم الدور الإيراني في سوريا أو منعها في التدخل، أكاد أجزم بأنه سيتم القضاء مبرم على هذه المليشيات التي تكبدت خسائر ضخمة خلال سنوات الحرب بوقت قياسي.

وقد كشف تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي تقوده السعودية، الجمعة، عن مفاجأة بشأن علاقة بشار الأسد بالميليشيات الحوثية وقال المتحدث باسم التحالف أن بعض أسلحة ميليشيات الحوثي "تحمل صور رئيس النظام السوري بشار الأسد وتُهرَّب من مقر (حزب الله) في جنوب لبنان. وعرض "المالكي" صورًا لمحاولة الميليشيات الحوثية تمويه منصات الصواريخ الباليستية، وصورًا لأسلحة للحوثيين التي تشكّل انتهاكًا للقرار الأممي (2216)، وذكّر "المالكي" بأن "الصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيون صُنعت في معامل الحرس الثوري" وتصل ميناء الحديدة ثم تُنقل مجزأة إلى صنعاء.

ثمة تفاصيل كثيرة تجعل المشاهد العادي يعلم أن الحرب في اليمن لا يمكن فصلها عن سوريا، ولكن ربما لا يعلم أن الحليف الإيراني للحوثيين وحزب الله اللبناني يواصل دعمهم بسخاء رغم حصاره الاقتصادي، بينما أن حلفائنا العرب تركوننا نواجه روسيا وإيران وحيدون برغبة أمريكية، لم تصل حتى إلى الإدانة في قمة إسلامية وعربية في مكة تستهدف مجازر الأسد وحلفائه في إدلب. وبدلاً من مواصلة ضغطها على الأسد بدأت الأصوات تتعالى في السعودية من أجل عودة العلاقات مع الأسد من أجل إبعاده عن إيران وربما لا يعلمون بأن جميع المؤسسات السورية أصبح بيد المليشيات الإيرانية، وحتى الأسد لم يعد يستطيع بأن يتحكم بأي قرار فهو بات ضائع بين الانصياع لقرارات إيران أو روسيا التي تتصارعان على النفوذ في مناطق سيطرة الأسد.

لا أدري كيف يستطيع من يملك أوراقا للضغط أن يحرقها دون الاستفادة منها، لماذا خرج العرب في أهم نقطة ومحور في الشرق الأوسط لصالح إيران دون مقاومة تذكر، وتركوا الثوار السوريين في أصعب الظروف يقاتلون لوحدهم بالإضافة إلى محاولات لاستعطاف قاتلهم، هل هناك خذلان أكثر من ذلك؟ ثمة متسع قليل من الوقت أمام الدول العربية وعلى رأسهم السعودية لقلب الطاولة على إيران ووقف الابتزاز الأمريكي والتهديدات الإيرانية من خلال دعم الثوار السوريين من جديد في إدلب بأسلحة نوعية، تمكنهم من استعادة الأراضي التي سيطرت عليها المليشيات الإيرانية والضغط على الأسد مما سيكسبهم أوراقاً جديدة في سوريا. لم نفقد الأمل ونحن بانتظار دور عربي أقوى في إدلب من أسلحة ودعم، ونعدكم أن نمرغ أنوف الإيرانيين في التراب كما فعلناها في خان العسل ورتيان بريف حلب وريف دمشق الجنوبي ودرعا وإدلب والتي قتل فيها الآلاف من المليشيات الإيرانية على أقدام ثوار سوريا.. لا تخذلونا مرة أخرى.. أرجوكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.