شعار قسم مدونات

المرأة العربية بين التحرر الفكري والأخلاقي

blogs تأمل

صار التحرر اليوم في مجتمعاتنا العربية مرتبطا بالجسد أكثر من ارتباطه بالأفكار. فقد غدا هذا المفهوم ملونا بألوان المحدودية والسطحية.. ألوان باهتة لا توقظ في النفس الحياة ولا تدفع شمس الأفكار لتطلع من بين رماد الركود الذي كان ولازال سببا في تخلف المجتمعات. ركود لا يجيد إلا الإلقاء بالإنسان بقاع بئر الجهل ومنعه من تحقيق وظيفته في تعمير الكون بصفته خليفة الله في الأرض، وإننا اليوم أمام مشكلة عصية تزعزع النفس زعزعة بسبب التفكير في عواقبها. وتتمثل هذه المشكلة في الفهم الخاطئ لمسألة التحرر.

 

الكثير من الناس وبصفة خاصة النساء يفهمن التحرر على أنه ارتداء لما تريد وإن كان حتى ملابس فاضحة جاذبة للانتباه، على أنه خروج من بيتها متى أرادت والعودة إليه متى شاءت.. يفهمنه على أنه شرب الخمر والتدخين وممارسة سلوكيات غير أخلاقية ظانة أن ذلك ضرب من التحرر. هي تحاول أن تتمرد بسبب ما ذاقته من ظلم كان ولازال التاريخ يشهد به. تتمرد على العادات والتقاليد التي لطالما كانت حاجزا لتنافس الرجال في التمتع بنفس الحريات. وكانت سببا في إخماد صوتها منذ عصور.

   

إن انتشار هذا النمط من التفكير لدى فئة كبيرة يهدد المنظومة الأخلاقية التي أصبحت تحيطها الكثير من الضبابية وعدم الوضوح. إن المرأة العربية اليوم تحاول أن تكون مثل المرأة الغربية في قيامها بكل الممارسات التي ذكرتها سابقا تحت راية التحرر. وإن ما يتم تصديره إعلاميا وثقافيا باستخدام أسلحة مثل الميديا والألعاب الالكترونية وغيرها تحاول زرع هذا النوع من التفكير والذي لا زلنا نجهل حقا نوع بذوره المزروعة ورودا كانت تلك البذور أو شوكا.

 

التحرر الفكري هو المحرك الأساسي لديناميكية تغيير المجتمعات نحو الأفضل، ولابد لكل امرأة أن تحرر نفسها من التعصب بجميع أنواعه ومن أفكار المجتمع العقيمة التي لا تخدم تطورها الذاتي

حقا إن علاقات الأفراد والشعوب تشابكت فقد هيمنت عليها مستجدات وتطورات جعلت العالم يفكر في اعادة صياغة المنظومة الأخلاقية. فهل يمثل ذلك الحل الأنسب لنا كشعوب عربية محافظة ؟هل من الصواب الانقياد كرعية مسلوبة الارادة تقلد المرأة العربية المرأة الغربية في قيامها بهذه الممارسات التي ستكون سببا في تدمير عائلات ، دون التفكير الجاد في خطورة الأمر؟

 

إن المرأة عمود المجتمعات، عامل من عوامل نشأة جيل صالح، متوازن قادر على العطاء. ومثلما نرى فهمها الضيق للتحرر قد يتسبب في كوارث بمجتمعاتنا المسلمة المحافظة التي جاء نبيها لإرساء جملة من القيم الأخلاقية تكون لنا فضلا في بناء مجتمعات متوازنة قادرة على الارتقاء وتحقيق نهضة فعلية، إنما التحرر يا سادة لا يعني التحرر من الأخلاق.. التحرر أخ للأفكار.

 

إن التحرر الفكري هو المحرك الأساسي لديناميكية تغيير المجتمعات نحو الأفضل، ولابد لكل امرأة أن تحرر نفسها من التعصب بجميع أنواعه ومن أفكار المجتمع العقيمة التي لا تخدم تطورها الذاتي والمجتمعي مثل الزواج المبكر قبل نيل استقلالها المادي، كما لا بد من التحرر من فكرة أن وظيفتها الأساسية تتمثل في القيام بأعمال البيت وإنجاب الأطفال.. لا بد أيضا أن تتحرر من فكرة عيش روتين قاتل بين عملها وعائلتها فقط.. فالمرأة اليوم قادرة أن تخدم وطنها بالمشاركة في المشهد السياسي والمجتمع المدني.. المرأة اليوم لا بد أن تملأ وقتها بالقراءة وجعلها عادة يومية وذلك لتتسع رقعة تفكيرها وتكسبه عمقا ومهارات تحليلية عجيبة. امرأة الواحد والعشرين لم تخلق لمشاهدة المسلسلات التركية وبرامج الطبخ والحديث عن جاراتها.. مرأة الواحد والعشرين لابد أن تكون أسمى من ذلك وأكثر فاعلية أكثر من ذلك. لابد أن تعمل عقلها وتستغل ظاهرة العولمة لصالحها فتطور من مواهبها وقدراتها بفضل التكنولوجيا الموجودة. وهذا كله في سبيل اكسابها قدرة للابتكار والابداع يجعلها صاحبة مشاريع تحرك اقتصاد البلاد.

 

عزيزتي لا تجعلي هدفك في الحياة وضع الزينة واصطياد فارس أحلامك.. تجملي لنفسك وجملي عقلك بالقراءة، إلى كل فتاة مراهقة، إذا لازلت تذهبين كل يوم للدراسة وكان لك البعض من الحرية المقيدة، أنقذي نفسك. افتحي الانترنت وأحسني توظيف مواقع التواصل الاجتماعي.. كفاك خوضا لمحادثات تافهة.. اقرئي عن عوامل النجاح وطب. النفس وعن شخصيتك، شاهدي الأفلام وتعلمي الروسية والاسبانية وحتى اليابانية.. تعلمي حتى الايتيكيت الملوك.

 

اعتزي بنفسك ودليليها وثقفيها ولا تشاهدي مسلسل تركي طوله أربعمائة حلقة.. أرجوك لا تحلمي بمراسيم زفافك وأمير على حصان.. إن فكرت بتلك الطريقة ستكون حياتك مملة تحكمها فلسفة اليومي.. حياة خالية من الانتاجية والنجاح والسعادة. فكلما ارتقيت بعملك وبنفسك زادت فرصك في معرفة ناس مبدعين قادرين على الخلق وبالتالي ستشعرين بمتعة الحياة معهم لأنها لا تخلو من التجديد.

 

عزيزتي لا ينحصر مفهوم التحرر في القيام بتلك الممارسات.. الأمر أعمق وأسمى من كل ذلك.. إن أردت أن تتمردي وظفي علمك وثقافتك.. وظفي عقلك وانشري حولك عبق الأفكار الفواح وغيري من عقلية من يحيطون بك.. اضربي في الأرض يا حواء لتكسري كل قيود المستحيل، فلترفرف روحك إلى اللامحدود وتشمع كميسان ساطع بالسماء

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.