شعار قسم مدونات

هكذا تخطط بكين وموسكو لكسر الهيمنة الأميركية!

blogs روسيا

منذ وصوله للمكتب البيضاوي في يناير 2017، قام ترمب بالانسحاب من عدد من المعاهدات الاقتصادية والعسكرية التي وقعتها الإدارات الأمريكية السابقة، حيث يصفها بأنها اتفاقيات مجحفة لحقوق أمريكيا، وكان أبرز تلك الإنسحابات هو الخروج من معاهدة القوى النووية متوسّطة المدى والتي وقعها الرئيس الأمريكي ريجان مع رئيس الإتحاد السوفيتي جورباتشوف عام 1987، حيث تدعي أمريكا أن روسيا غير ملتزمة بتلك المعاهدة عبر تطوير صورايخ يزيد مداها عن 500 كيلو، الأمر الذي ردت عليه موسكو بالتهديد بالإنسحاب من معاهدة ستارت 2، والمسماه بمعاهدة تخفيض الاسلحة الاستراتيجية التي ستنتهي في 2021، والتي تحد من نشر صواريخ ذات رؤوس نووية في أوروبا.

    
على الجانب الآخر امتد التصعيد مع الصين ليشمل عقوبات اقتصادية على قطاع الاتصالات الصاعد في الصين وعلى رأسه شركه هاواوي، الأمر الذي واجهته الصين بالافتتاح المبكر لخط الغاز الروسي قوة سيبريا، بالتوازي مع رفع الجمارك على واردات الغاز الأمريكي، في إشارة لاستمرار الجهود الصينية الروسية في التكامل الاقتصادي ضد أمريكا.

    

أمريكا تحاصر روسيا والصين

اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية التي أطلقها أوباما عام 2010 على محاولات إعادة التوازن في بحر الصين الجنوبي وزيادة التحالفات مع الدول المتشاطئة ضد الصين، وهو ما تمثل في زيادة قطع الأسطول الأمريكي المرابط في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي إلى ستين بالمائة عام 2012، الأمر الذي دفع الصين لإطلاق مشروعها العملاق في 2013 والمسمي بمبادرة الحزام والطريق، والتي تعتمد على إنشاء عدد من خطوط النقل البحري والبري والسكك الحديد، التي تنقل بضائع الصين إلى وسط أسيا وأوروبا، بالتوازي مع تأمين إحتياطات الطاقة عبر الغاز الروسي والتركماني والنفط الإيراني.

  

  
ومن جانب آخر فقد قامت إدارة أوباما بدعم عملية التحول السياسي في أوكرانيا عام 2014 عقب الاحتجاجات المدعومة من الغرب، والتي أطاحت بحليف موسكو وأتت بقوي سياسية محسوبة على الغرب، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي بوتين وقتها، إلى ضم القرم بسبب أهمية ميناء سباستيول العميق الذي يعتبر مركز للأسطول الروسي الجنوبي، كما قام بدعم الحركات الإنفصالية في شرق أوكرانيا سياسيا وعسكريا، ونتيجة لضم القرم قام حلف الناتو بمنع بيع حاملات هليكوبتر فرنسية لروسيا، فضلا عن تجميد مشروع غاز السيل الجنوبي لأوروبا، كما قام الناتو بنشر منصات لإطلاق الصواريخ في بولندا ورومانيا.
  

ترمب يعقد الأمور

كرد فعل على تهديدات ترمب للصين إبان حملته الانتخابية، بادرت الصين بالتوازي مع استلام ترمب لمقاليد الحكم في يناير 2017، بنشر صواريخ بالستية عابرة للقارات في أقصى شمال شرقي الصين، والتي يصل مداها إلى 14 ألف كم وقادرة على حمل رؤوس نووية، في خطوة تحمل توجيه إنذار مبكر إلى الرئيس الأمريكي، والذي قام بإطلاق حرب رسوم جمركية على الصين، في محاولة لكبح الإقتصاد الصيني وتحجيمه خوفا من منافسته للاقتصاد الأمريكي، كما دشن ترمب استراتيجية جديدة بنهاية 2017 ترتكز على اعتبار روسيا والصين منافسين رئيسيين لأمريكا على الساحة الدولية بسبب تنامي تأثيرهما الجيوستراتيجي، كما زعم ترمب أن روسيا والصين تتحدان قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة، واتهمهما بمحاولة الاضرار بأمن أمريكا ورخائها وتغيير الوضع القائم.

 
حيث حاول ترمب استخدام ورقة الرسوم الجمركية كأداة ضغط على الاقتصاد الصيني، لإرغامها على الدخول كطرف ثالث مع أمريكا وروسيا في معاهدة القوى النووية المتوسطة لكبح طموحها العسكري في مجال الصواريخ الباليستية، لأن الإتفاقية بوضعها الحالي تقيد أمريكا من تطوير الصواريخ بينما تطور الصين قدراتها الصاروخية لأنها خارج الإتفاقية.

   

تصاعد وتيرة المناورات

وعلى صعيد آخر صعدت روسيا من وتيرة مناورتها البحرية والبرية، بعد زيادة معدل المناورات الأمريكية في المحيط الحيوي الروسي، حيث أجرت روسيا عدة مناورات بحرية في المحيط الهادئ والبحر الأسود في إبريل 2018، كما قامت في سبتمبر من نفس العام بمناورة بحرية في بحري اليابان وأوخوتسوك، بالتوازي مع إطلاق أكبر مناورة للجيش الروسي منذ الحرب العالمية الثانية والتي شارك فيها 300 ألف جندي روسي وبمشاركة صينية في شرق روسيا، فضلا عن إجراء روسيا لمناورات للقوات البحرية والجوية في البحر المتوسط في سبتمر 2018 والتي تعتبر أضخم مناورة بحرية في تاريخ روسيا الحديث، الأمر الذي قابلته أمريكا بإقامة أكبر مناورة في تاريخ الناتو في النرويج في أكتوبر 2018 بمشاركة 50 ألف جندي من حلف الناتو على بعد 300 ميل من الحدود الروسية.

      

الخروج من معاهدات خفض التسليح

بعد وصول جون بولتون لمنصب مستشار الأمن القومي الأمريكي وصلت المفاوضات بين أمريكا وروسيا إلى طريق مسدود بعد تبادل الإتهامات بينهما بإختراق معاهدات القوي النووية المتوسطة، والتي تتضمن عدم صنع أو نشر أو تجريب أي صواريخ بالستية أو مجنحة في أوروبا، وتدمير كافة منظومات الصواريخ، التي يتراوح مداها المتوسط ما بين (1000-5500) كم، ومداها القصير ما بين (500-1000) كيلومتر، مما أدى في نهاية المطاف إلى إعلان أمريكا إمكانية الانسحاب من تلك المعاهدة في أكتوبر 2018، والذي تحقق في بدايات العام الحالي وتبعه انسحاب روسي وتهديد بتطوير ونشر صواريخ في أوروبا حال أقدمت أمريكا على ذلك.

   

   

ماكرون يطالب بإنشاء جيش أوروبي

تسبب الإنسحاب الأمريكي المتتالي من المعاهدات الدولية في تنامي الشعور بالغضب في القارة الأوروبية، حيث بدأ ترمب فترة حكمه بالانسحاب من إتفاقية باريس للمناخ، ثم تبعه الإنسحاب من الإتفاق النووي التي أجرته دول أوروبا مع إيران بمشاركة أوباما في 2015، والذي تسبب في خسارة شركات النفط الأوروبية للسوق الإيرانية.

   
ومع خروج أمريكا من معاهدة القوى النووية المتوسطة وإحتمال نشوب سباق تسلح بين أمريكا وروسيا، تخشي أوروبا على أمنها الحيوي من تهديد الصواريخ الروسية المزمع نشرها، لذلك دعا الرئيس الفرنسي ماكرون إلى إنشاء جيش أوروبي يكون مستعد لمواجهة روسيا والصين أو حتى أمريكا، بدلا من الاعتماد على الجيش الأمريكي، بالتوازي مع محاولات الصين مغازلة بعض الدول الإوروبية مثل إيطاليا وفرنسا، عبر صفقات تجارية وعسكرية ضخمة، في محاولة لتحييدهم وضمهم لمشروع طريق الحرير، مما تسبب في حدوث توتر سياسي ملحوظ بين طرفي الأطلنطي.

  

روسيا والصين تغزوان الكاريبي

ومع دخول أوكرانيا وجورجيا في مفاوضات الإنضمام لحلف الناتو مؤخرا، تصاعد التوتر بين روسيا وأمريكا بسبب ملاصقتهم للحدود الروسية، حيث تقع أوكرانيا على بعد 500 كم من موسكو، الأمر الذي حدا بروسيا للقيام بهجوم مضاد على الحديقة الخلفية لأمريكا عبر إنشاء قاعدة جوية في إحدي جزر الكاريبي التابعة لفنزويلا في ديسمبر 2018، وبعد أربعين عاما من سحب روسيا لصواريخها من جزيرة كوبا، الأمر الذي دفع أمريكا لتصعيد الموقف في فنزويلا ضد حكم الرئيس اليساري مادورو ودعم المعارضة للسيطرة على الحكم، حيث اعترفت أمريكا بزعيم المعارضة خوان جايدو كرئيس شرعي للبلاد، بعد رفضه لإقامة قواعد عسكرية روسية أو إستضافة طائرات روسية بصفة مؤقتة، كما حاولت الإدارة الأمريكية دعم إنقلاب عسكري في فنزويلا إلا أنه فشل، وتم تجميد 7 مليار دولار من أرصدة فنزويلا لديها.

  
وعلى الجانب الأخر شرعت روسيا والصين بإرسال فرق عسكرية ومعدات عبر طائرات للشحن العسكري إلى هناك، بالتوازي مع وصول سفن عسكرية إيرانية تشمل مدمرة بحرية وحاملة مروحيات وسفينة إمداد إلى موانئ فنزويلا، الأمر الذي أشعل الموقف بعد أن كشر التحالف الروسي الصيني الإيراني عن أنيابه.

    

أمريكا تهدد بمناورات ضخمة

على الجانب الأخر، زادت حدة ووتيرة المناورات التي يجريها الناتو على بالقرب من روسيا في كل من بولندا ورومانيا ودول بحر البلطيق والبحر الأسود، حيث قامت أمريكا بعقد مناورة بحرية في البحر الأسود شاركت فيها كل دول البحر في إبريل 2019، فضلا عن دخول أمريكا بمناورات مع حلفائها في كل من خليج البنغال وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي في مايو 2019، كما بدأت في يونيو 2019، مناورات بحرية ضخمة لحلف الناتو في بحر البلطيق والتي تخضع لمراقبة السفن الحربية الروسية، كما قام الطيران الروسي بمناورات مضادة في إطار التدريب على تدمير سفن الناتو في بحر البلطيق، وسط أجواء مشحونة بين روسيا وأمريكا.

      

متي تبدأ الحرب؟

بالرغم من إعلان بوتين مؤخرا عدم نية بلاده إقامه قواعد عسكرية في فنزويلا، إلا التحرشات العسكرية بين روسيا وأمريكا مستمرة، حيث تبادل الطرفان الروسي والأمريكي الإتهامات بشأن تحرش سفينة روسية بطراد أمريكي في بحر الصين الشرقي منذ عدة أيام، ترى هل تنجح أمريكا في فك شفرة التحالف الروسي الصيني الإيراني ضدها أم أن هناك من أستطاع أخيرا الوقوف في وجه التغول الأمريكي على ثروات العالم؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.