شعار قسم مدونات

أمريكا وإيران.. حرب وصراع أم توظيف واحتواء؟

blogs بحر الصين الجنوبي

إن ما يحدد طبيعة العلاقة بين الدول على مر التاريخ هو أربعة عوامل رئيسية:
1-الاختلاف: في (الثقافة، المعتقدات، المذاهب، التصورات…). 
2- التنوع: في الاحتباجات وسعي كل دولة لتأمين احتياجاتها.
3-الندرة: في الموارد (طاقة، مياه، معرفة..).
4-الظروف المحيطة (وجود عدو مشترك، تحالفات بين دول أخرى…).

كلما ازدادت حدة المحاور الثلاثة الأولى (الاختلاف، التنوع، الندرة) وغاب المحور الرابع (العدو المشترك ..) كلما أخذت العلاقة بين الدول منحى التنافس والصراع، وكلما انخفضت درجات المحاور الثلاثة الأولى مع تواجد شيء من المحور الرابع أخذت العلاقة شكل التبادل والتعاون. في كتابه "التحالف الغادر" يقول تريتا فارسي:"اليهود والإيرانيون ليسوا غرباء عن بعضهم. فثقافة الطرفين، وديانتاهما، وتاريخهما متشابهة بشكل وثيق منذ العصور البابلية". كما لم يخفي كل من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ولا الرئيس الحالي دونالد ترامب إعجابهما بالثقافة والحضارة الفارسية.
يرجع الكثير من الكتاب سبب التعاون الإسرائيلي مع إيران، وعملها على إقناع أمريكا لفعل نفس الأمر خلال الحرب العراقية – الإيرانية إلى وجود العدو المشترك "العراق".

الشرق الأوسط الجديد
بحسب صحيفة صنداي تلغراف اللندنية فإن إسرائيل استعانت بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية في ضربها للمنشآت النووية العراقية. في ذات الوقت كان السلاح الإسرائيلي والأمريكي يتدفق إلى إيران في حربها مع العراق

في مذكرته "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات" يقول الصهيوني أوديد ينون: «إن في قوة العراق خطورة على إسرائيل في المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى». ويناءا عليه فيجب إضعاف العراق وتقسيمه في أول خطوة من خطوات مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ كما نص هو على ذلك وتابعه برنارد لويس وغيره من الساسة الأمريكيين. يعلق على هذا المشروع، "الشرق الأوسط الجديد"، أستاذ الجيوبولتيك في جامعة السوربون المسيحي اللبناني الدكتور نبيل خليفة في كتابه "استهداف أهل السنة" بقوله: «إن المخطط الموضوع للشرق الأوسط منذ الربع الأخير من القرن العشرين ويشارك فيه الغرب وإسرائيل وإيران له ثلاثة أهداف أساسية: أولها إزاحة النفوذ العربي/السني عن دول شرقي المتوسط واستبداله بالنفوذ الإيراني/الشيعي…».

الحرب الإيرانية – العراقية

يقول تريتا فارسي في كتابه: "كان صدام قد عرض عشية حرب لبنان التوصل إلى سلام مع إيران ودعا طهران إلى الانضمام إلى بغداد في قتال إسرائيل، لكن الخميني رفض هذا العرض". في تعليقه على رفض الخميني الصلح مع العراق يقول الكاتب الشيعي موسى الموسوي في كتابه "الثورة البائسة": «إن استمرار ايران في حربها مع العراق ورفضها للصلح هو مخطط صهيوني استعماري أوضح من الشمس في رابعة النهار، إن في ضعف العراق تكمن قوة اسرائيل، وضعف العراق ضعف العرب، وضعف العرب قوة إسرائيل ايضا».

بحسب صحيفة صنداي تلغراف اللندنية فإن إسرائيل استعانت بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية في ضربها للمنشآت النووية العراقية. في ذات الوقت كان السلاح الإسرائيلي والأمريكي يتدفق إلى إيران في حربها مع العراق. يقول تريتا فارسي:"بلغت نسبة العتاد الذي اشترته طهران بعد الحرب مباشرة من إسرائيل 80 بالمئة" ويقول:"اشترت إيران من إسرائيل أسلحة كانت قيمتها 500 مليون دولار في الفترة الواقعة بين 1980 و1983″. ثم جاءت فضيحة "إيران كونترا" صفقة السلاح السرية بين أمريكا وإيران؛ التي لم تكن الأولى ولا الأخيرة

العلاقات الأمريكية – الإيرانية بعد أحداث 11 سبتمبر وغزو أفغانستان

اعترف حسن نصرالله في لقاء تلفزيوني أن الأمريكيين كانوا قد عرضوا على حزب الله في أواخر 2001 صفقة للتعاون في مواجهة عدو مشترك "الإرهاب السني"؛ قال حسن نصر الله: «إن نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" أرسل إليه رسالة خطية مع مبعوث شخصي أمريكي "جورج نادر"، وكانت تحمل عرضا أمريكيا تفصيليا للتعاون بين الجانبين، صفقة، فيها "إغراءات لها أول وليس لها آخر" بحسب تعبيره!. يقول نصر الله: أن الأمريكيين قالوا أنهم يوافقون على أن يهاجمهم في الخطب والميكروفونات، وأنهم سيتفهمون ذلك». كما تفهموا من قبل مصطلحات "الشيطان الأكبر" من قبل الخمينيين، ومن بعد مصطلحات الموت لأمريكا من قبل الحوثيين؛ "الثوار" بحسب الإعلام الغربي.

ثم يقول نصرالله «أن هذا العرض تكرر عليه مرارا من قبل إدارات أمريكية متعددة»!. علق على هذه الاعترافات الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي: «بأنها دليل عمالة صريحة، وأجرى المقارنات بين نقاط الصفقة وبين ما تم على أرض الواقع ليخرج بالنتيجة: وهي أن حزب الله بقيادة حسن نصر الله تحول إلى أداة أمريكية للسيطرة في المنطقة وتوجيه الأحداث وحفظ أمن "إسرائيل"». علي تريتا فارسي على المساعدات التي قدمتها طهران للولايات المتحدة في غزو أفغانستان بقوله: "لم تكن المساعدة التي قدمتها إيران شكلية، فعرض الإيرانيون السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدهم الجوية..، وخدموا كجسر بين التحالف الشمالي والولايات المتحدة في قتال الطالبان".

التعاون الأمريكي – الإيراني في العراق
امتناع ترامب عن استعمال القوة ليس لأن ترامب يجيد "الحلب لا الحرب"؛ فلقد رأينا كيف كان الرد الأمريكي قاسيا عندما حاولت ميليشيات روسية وإيرانية العبور إلى شرق الفرات في سوريا

أكد على الانسجام والتعاون الأمريكي – الإيراني نائب الرئيس العراقي سابقا طارق الهاشمي في لقائه على قناة أورينت، كاشفا ماكان يدور خلف الأروقة، بقوله: «في الوقت الذي كنا فيه نشتكي للإدارة الأمريكية، حول ما يفعله السفير الإيراني وفيلق القدس والحرس الثوري وفرق الموت داخل العراق الذي من المفترض أنه يزعج الأمريكيين، ويشير إلى أن العراق يتجه للوقوع في دائرة النفوذ الإيراني، كان السفير الأمريكي يخرج من مكتبي ليجلس مع السفير الإيراني»، ثم يتابع الهاشمي: "الذي حصل في بلدي هو خطة واضحة المعالم لا تقبل اللبس ولا تقبل التفسير، هناك خطة دولية تستهدف العرب السنة". تنسيق وصل إلى درجة أن يصرح السفير الأمريكي السابق في العراق كروكر: «كلما كانت تواجهني معضلة لا أجد حلها إلا عندما أجلس مع السفير الإيراني في بغداد»!.

أمريكا وإيران بعد ثورات الربيع العربي

يقول الدكتور أكرم حجازي: "الحقيقة الصارخة التي لا يماري فيها أحد أن إيران سجلت فشلا ذريعا في مواجهة القوى السنية المسلحة، وأن النظامين في سوريا والعراق كانا مرشحان للسقوط لولا التحالف الدولي أو التدخل الروسي". وصدق الدكتور أكرم؛ فأمريكا والتحالف الدولي ساعدوا إيران وحلفائها بشكل مباشر في العراق، وبشكل غير مباشر في سوريا؛ وذلك عن طريق اختراق الولايات المتحدة وحلفائها لبعض الفصائل المسلحة، والتلاعب بها، ثم تحويلها لشبيحة تدافع عن النظام؛ كما حصل مع فصائل الجبهة الجنوبية.

ولم يقف التعاون بين البلدين عند هذا الحد، بل تعداه لبلدان عربية أخرى؛ نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرا يقول بأنه بعد الدعم العسكري الأمريكي للقوات الإيرانية في العراق وسوريا؛ فإن «اليمن يمكن أن يكون ساحة المعركة القادمة، وأن «الشراكة القلقة بين واشنطن وطهران تمتد الآن إلى اليمن». وختم التقرير بالقول: «إن الولايات المتحدة مستعدة للسماح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة، وهذا في جزء منه للمساعدة في تأمين صفقة نووية». بعد هذا الاستعراض الموجز للعلاقة بين البلدين هل تغيرت الظروف ووجدت الأسباب التي يمكن تؤدي إلى الحرب بين البلدين؟

فهذا فهمي هويدي، أحد أشد المتحمسين للثورة الإيرانية في السابق، والذي ألف كتابا عنها "إيران من الداخل" تراجع عن رأيه ووصل إلى النتيجة :"إن الدولة القومية فى إيران مستعدة للتفاعل مع الغرب والتقارب مع إسرائيل بأكثر من استعدادها للتفاعل مع العالم العربى"، كما في مقالته "هل تصبح إيران شيطان العرب الأكبر". فالعوامل التي أدت للتعاون في السابق موجودة، وقد انضاف لها عوامل أخرى:
أولا: ثورات الربيع العربي وما رافقها من ارتفاع نسبة الوعي عند الشعوب العربية والإسلامية، والسعي الجاد للخروج من هيمنة الغرب "عدو مشترك".
ثانيا: ازدياد قوة طالبان وقرب سيطرتها على كامل أفغانستان يجعل أمريكا في حاجة لوجود حاجز يفصل بينها وبين العرب السنة.
ثالثا: الطموح الجيوسياسي والنفوذ المتنامي لتركيا في المنطقة وسعيها للعب دور أكبر كل من سوريا، العراق، قطر، ليبيا..
رابعا: أمريكا لن تقتل الدجاجة (إيران) التي تبيض لها ذهبا؛ كما يقول مستشار الرئيس التركي ياسين اقطاي. فبشماعة إيران يحلب ترامب دول الخليج.

في النهاية إيران مسموح لها أن تلعب دورا، لكن يجب أن لا تتخطاه؛ في تصريح لإذاعة الجيش "الإسرائيلي" في 18/2/2006 قال رئيس مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي" عوزي دايان: «إيران ليست عدوا لإسرائيل، وأنه لا يجدر بنا تهديد إيران، من وجهة نظرنا إيران ليست عدوا، ولكن علينا التأكد من عدم تمكن إيران من اقتناء أسلحة دمار شامل». الأمر الآخر امتناع ترامب عن استعمال القوة ليس لأن ترامب يجيد "الحلب لا الحرب"؛ فلقد رأينا كيف كان الرد الأمريكي قاسيا عندما حاولت ميليشيات روسية وإيرانية العبور إلى شرق الفرات في سوريا في بداية العام الماضي؛ إنما لأنها تتحرك ضمن المقبول، وغالبا تحركاتها مفيدة لأمريكا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.