شعار قسم مدونات

عندما أتى العيد وأنا في الغربة

blogs تفكير، تأمل

"إنها ليلة العيد يا عبد الرحمن، ماذا سنعمل غدًا من أجل العيد؟".. كنت حينها أحاول تجاهل سؤاله بالانشغال بالهاتف. أتاني مرةً أخرى وصفعني على رأسي قائلًا: "بكرة عيد، وأنا وأنت في الغربة ولازم نفرح مثل خلق الله".. يا له من مسكين، لقد كان أول عيدٍ يعيشه خارج الوطن وبعيدًا عن العائلة، لذا ما أردت أن أصدمه بحالنا في الأعياد. تركت الهاتف واقتربت منه وقلت: "حتمًا سنفرح يا صديقي".

قلت تلك الجملة وأنا أعرف أننا لن نفرح، فقط من أجل أن لا يشعر بالغربة حتى ليلة العيد. بدأ يحدثني: "يا أخي أين فرحة العيد في الغربة! عندما تكون بصحبة أهلك، ليلة العيد تكون مختلفة تمامًا. تشعر أن الناس تغني والأطفال يمرحون ويقفزون من الفرح ويلعبون بالألعاب والمفرقعات والجميع يقدم الحلوى والعصائر". نسيت أن أخبرك أننا كنا في سكن جامعي، لا أطفال ولا عائلات وحتى لا يوجد من يهتم بما نسميه العيد. قمنا وبدأنا نقيم مراسيم عيدنا المزيف. فتحنا أغنية يمنية لعلي الآنسي "أنستنا يا عيد" حاولنا خداع أنفسنا بأننا فرحون باللحظة. قليلًا قليلًا بدأ الملل يفترسنا. فتحنا أغنية أخرى للقيصر كاظم الساهر "عيد وحب" حاولنا أن نشعر بالعيد لكن العيد ليس أغانِ نستمعها لقد كان وطنًا نريده، أهلًا نحتاج لقربهم وأصدقاء نحتاج أن نكون معهم.

العيد في الغربة ليس عيدًا، فالعيد هم الأهل، العيد في الغربة ليس فرحة فقط فالفرحة الحقيقية هو تواجدك داخل المجتمع الذي كبرت وترعرعت فيه. الفرحة الحقيقية أن تزور الأرحام

انبلج الصباح وبدأ الجميع يذهب لصلاة العيد. لم نسمع تلك الجلبة التي يحدثها الأطفال في المنزل وهم يجرِّبون لبس ملابسهم الجديدة التي سيلبسونها ذلك اليوم. لم أسمع صوت أمي وهي تيقظني من أجل صلاة الفجر وتقول لي أن الماء الساخن جاهزة حتى نستحم قبل الذهاب لصلاة العيد. لم أسمع بكاء طفل لأن أحدهم أخذ لعبته أو الحلوى التي كانت في يده. لم أسمع سوى صوت منبه الهاتف وهو يصرخ من أجل أن لا أعود للنوم فتذهب علي الصلاة. لبست ما رأته عيني أمامها وخرجت على عجالة؛ لأن صلاة العيد على قرب الانتهاء. صلينا وبدأت أنتظر أصدقائي، في مخيلتي انتظرت "عبد الاله" عندما يأتي وهو يضحك ويقول لي "حج ولا عروس" وأرد عليه عروس فنضحك ويبدأ حديثنا حول الزواج وروعة الحياة الزوجية، لم أرّ "محمد" وهو يأتي ليجاملني ويقول لي أنني وسيم بملابس العيد، لم أرَ جاري وهو يدس يده في جيبه فيخرج مائة ريال ويعطيها لطفل، لم أرَ سوى صديقي الذي خرج وعينه نصف مغلقه من كثرة النوم. سلم علي وقال بتململ "عيدك مبارك وكل عام وأنت بخير" رجعنا ونحن نفكر كيف نشعر بالعيد في الغربة!

جعنا في الصباح لأن عمَّال السكن لم يأتوا مبكرين ذلك اليوم. ها هي ذي خيبة أخرى. يوم العيد ينذر بالانتهاء ولم نعمل شيء، سوى أكل بعض الشوكولاتة أخذناهم من الماركت بعد الظهيرة بمناسبة العيد. كان صديقي تعيسًا، فقد خاب أمله لأنه لم يجد العيد الذي كان يعيشه بين أهله. فكّرت قليلًا وهو يتذمر ورأيت أن لا أحرمه من فرحة العيد، فأخذته وخرجنا نحو إحدى الحدائق العامة. أخذنا بعض الحلوى وبعض العصائر ثم ذهبنا. كانت الشوارع فارغة، الجميع هنا ذهب إلى أهله. لم يبقَ سوانا نحن الأجانب. مكثنا قليلًا ثم مللنا وعدنا وهذا هو عيدنا وها هو قد انتهى.

العيد في الغربة ليس عيدًا، فالعيد هم الأهل، العيد في الغربة ليس فرحة فقط فالفرحة الحقيقية هو تواجدك داخل المجتمع الذي كبرت وترعرعت فيه. الفرحة الحقيقية أن تزور الأرحام فتجد أختك وأمك وأخوتك وأقربائك وهم حولك. العيد أن تزور فقيرًا فتراه سعيدًا يضحك مع أولاده. العيد أن ترى الأهل يجتمعون كلهم على مائدة واحدة والأيادي تتسابق لأخذ لقمة. العيد الحقيقي ليس أن تأكل الحلوى وتلبس الجديد، بل العيد أن تجد كل من تحبهم فرحين وبصحة جيدة. يا صديقي ليكن في حد علمك أن كل شيء يمكن أن تجده في الغربة عدى الوطن والأهل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.