شعار قسم مدونات

هذه هي الأسباب الحقيقية وراء انتشار ظاهرة الخلع!

BLOGS حوار

التفاهم هو مفتاح السعادة بين الزوجين، فالعلاقة بينهما تبدأ قوية دافئة مليئة بالمشاعر الطيبة، وقد تفتر هذه العلاقة لمكدرات ومشاكل، لتصبح رماداً لا دفء فيه ولا ضياء، يُحْدِث في صَرْح الحياة الزوجية تصدُّعات وشروخ تزداد مع الوقت تأزما جعل الله للخروج منها سبيلا، ورخّص في علاج يريح الطرفين، فإن كان ذلك من قبل الزوج فقد شرّع الله له الطلاق وإن كان ذلك من قِبَل الزوجة فقد أباح الله لها الخلع، بأن تعطي زوجها ما أخذت منه، أو أقل أو أكثر ليفارقها. ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه ويباح للمرأة إذا كرهت خلق زوجها، أو خافت إثماً بترك حقه، وإن كان يحبها فيسن صبرها عليه، وعدم فراقها إياه، ويستحب للزوج أن يجيب زوجته إلى الخلع إذا كانت الزوجة تتأذى ببقائها معه ويجب الخلع إذا رأى من زوجته ما يدعوه إلى فراقها.

ويؤكد علماء الاجتماع أن المجتمع العربي مخطئ في الصورة التي يضعها بشأن المرأة التي تطلب الخلع، بأنها امرأة متحررة وهدفها هو فك الرابطة الزوجية لأتفه الأسباب، لأن لجوء المرأة إلى الخلع، يحدث عادةً فيما تسميه (لحظات الانفجار) فقد يحدث أن تلجأ امرأة ما إلى قرار الخلع، لأسباب حساسة أو مخجلة، ولما تُسأل عن الأسباب، تضطر لفبركة حجج قد تبدو غير منطقية.. والحق إن المرأة حينما تتذرع بمبررات واهية، فإنها تخفي على الأرجح ما لا تحب البوح به، أو أن الكيل قد فاض بها، وأن ثمة قشة كالتي تقصم ظهر البعير، لم تعد قادرة على حملها.

الكثير من الأزواج يرغمون زوجاتهن على كفالة القروض البنكية لشراء العقارات والسيارات بأسمائهم، حيث تضطر الزوجات إلى تسديد القروض من رواتبهن، وإذا ما وقفت الزوجات في وجه هذه التصرفات تبدأ الخلافات الزوجية

ولعل أعمق الأسباب الحساسة التي تحتم على المرأة خلع نفسها هي الطابوهات التي كانت تتكتم سابقا عن ذكرها بحكم الإنغلاق الذي كان يسود المجتمع، وفي مقدمة هذه الأسباب الفراش الزوجية، ففي الماضي كان موضوعا مسكوتا عنه، بينما المرأة في العشرة الزوجية تعنف وتسلب حقوقها، وهناك من يجدن أزواجا مرضى بطلب المحرمات، هناك مرضى نفسانيون، وهناك شواذ، ناهيك عن الهجر في المضاجع وعدم إعطاء الزوجة حقها الشرعي في المعاشرة الزوجية، كما أن عدم التوافق الجنسي بين الزوجين ينتج عنه مكبوتات جنسية وعدم إشباع عاطفي بينهما، فتكبر الهوة وتزيد الخلافات وتنشأ الكراهية، عندها تُصد كل أبواب الحلول ولا تجد المرأة سوى النفاذ من ذلك الواقع المرير إلا بالخلع كحق من حقوقها.

ومن أهم الأسباب أيضا العنف الأسري فمشكلة المرأة لا تكمن في وجود نص شرعي يبيح للرجل ضرب زوجته‏،‏ وإنما في الاعتداء الذي يتجاوز به الزوج حدوده، فيظلم زوجته‏ ويستعرض قوته عليها‏،‏ ولم تكن الشريعة يوماً ما أزمةً للناس‏،‏ لكن التطبيق دائماً هو مشكلتنا الأساسية‏،‏ في عصر أصبحنا نرى فيه الآثار النفسية على الزوجة والأطفال، خاصة وأن الضرب يحدُث خلف الأبواب المغلقة والأسوار العالية في مجتمع يميل إلى التكتم ويخاف الشائعات والقلاقل، ولا ننسى ما يتبعه من إيذاء نفسي مثل الاستهانة بمشاعر الزوجة، وتبخيس قيمتها وأفكارها وآرائها، إضافة إلى التهديد بالزواج من أخرى دون وجه عدل، فتسقط في أحاسيس مريرة من الشعور بالعجز وقلة الحيلة وعدم الأمان لمستقبل بيتها وأطفالها.

وهذا العنف اللفظي والمعنوي اتجاه الزوجة قد يتعداه أحيانا إلى عنف اقتصادي، ومن الملاحظ أن عمل النساء والذي يهدف بشكل أساسي إلى دفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام، وإلى تمكين النساء اقتصاديا ومشاركتهن أعباء أسرهن المالية، قد انحرف عن مساره في الكثير من الحالات وأصبح العديد من الأزواج يعتمدون على دخل زوجاتهم ورواتبهن، ويعزفون عن العمل بأنفسهم، وإن فعلوا فإنهم ما زالوا يعرضون عن المساهمة في النهوض بأعباء المصاريف المنزلية، ويتعدى ذلك إلى الاستيلاء على رواتب زوجاتهم، وبطرق مختلفة كالابتزاز والخداع وحتى بالإكراه، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى استلام بطاقات الصرف الآلي لسحب رواتب الزوجات فور تحويل الرواتب إلى حساباتهن.

والكثير من الأزواج يرغمون زوجاتهن على كفالة القروض البنكية لشراء العقارات والسيارات بأسمائهم، حيث تضطر الزوجات إلى تسديد القروض من رواتبهن، وإذا ما وقفت الزوجات في وجه هذه التصرفات تبدأ الخلافات الزوجية بالتهديد بمنعهن من العمل وممارسة العنف ضدهن، وقد تنتهي العلاقة بالإنفصال إذا أصرت الزوجة على موقفها. ومن الأسباب أيضا عدم نضج الشباب المقبلين على الزواج، وتبنيهم لأفكار خاطئة عن الأسرة والزواج وتقليدهم للأفلام المدبلجة التي تُسلسل عقول المتتبِّعين بحكايات قيس وليلى في القرن الحادي والعشرين، تمهيدًا للتحرُّر تدريجيًا من قيم المجتمع الإسلامية، فيسقطون عند أول مشكل في مقدمة زواجهم بسبب غياب المسؤولية لدى الزوجين.

وهذا يقودنا أيضا إلى دافع أخر وهو الانتشار غير المسبوق للخيانات الزوجية، عن طريق موضة مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد الزوج يكوّن علاقات افتراضية مع نساء من مختلف الشرائح والأعمار والتي تتطور إلى خيانات واقعية، تثير حفيظة المرأة المتزوجة فتخرج عن صمتها تنادي بحقوقها المشروعة حفاظاً على كرامتها وكرامة أسرتها. ثم إن المنظمات الدولية والدول عمدت إلى وضع ميكانيزمات تقلل من ضرر فك الارتباط، وبالخصوص الضرر الذي قد يلحق بالمرأة، بل توسعت رخصة الخلع التي أقرها الإسلام نفسه وأضحت مقننة، وهذا ما نلحظه في واقع جلسات الصلح في المحاكم، والتي باتت عبارة عن جلسات شكلية لتسريع الخلع -أو الطلاق- من دون أن يكلف القضاة أنفسهم عناء البحث عن أسباب الخلاف بتريثهم في الأحكام واستدعائهم عائلة الزوجين من باب الصلح وتوسيع المشاورات، فباتت المحاكم عبارة عن مؤسسات لتوزيع شهادات الطلاق.
 
undefined

وفي الحقيقة وعن دراسة ميدانية عميقة نقر أن كل تلك الأسباب تبدو واهية بجانب أعمق سبب وهو غياب الوازع الديني، فالمرأة في زمن مضى كانت راضية عن نفسها وعيشها، ترى كل السعادة في بيتها وشرفها في خضوعها وطاعتها لزوجها، وكانت تعرف الحب وتجهل الغرام، فتحب زوجها وتبدل جهدها لراحته، وقد مرّت بنل عدة حالات مستعصية من العلاقات الزوجية التي يكون فيها الزوج غير صالح وبصلاح زوجته ودعائها وصبرها رُزق الهدى والتقوى. لكن بسبب الحياة العصرية وغياب الجانب الديني أصبحت المرأة أكثر انفتاحا على ثقافات العالم التي تناصر قضاياها وتنادي بحريتها، وأكثر دراية بكل ما يتناوله الإعلام من تمكين المرأة من أمورها، بفضل آليات العولمة من إنترنت وتلفزيون وخلافه، حيث تحفل هذه الآليات بتقديم نماذج متعددة للمرأة العالمية المستقلة والتي أخذت أماكن مرموقة في المجتمع العالمي، وكثرت المنظمات المحلية والإقليمية والعالمية المنادية بحقوق المرأة، للدرجة التي شجعتها على التفكير في الخلع ثم الإستقلال في حياتها حتى عن أهلها والعيش بمفردها دون اللّجوء إليهم، والخطير في هذه التغيرات الاجتماعية أنها تستهدف الأسرة العربية المسلمة في ركائزها وتُشتّتها.

ولتعلم المرأة أنها الطرف الأكثر تضرراً بسبب الانفصال، وأن المجتمع كثيراً ما يلقي عليها باللائمة في حال انفصلت عن الزوج، حتى وإن كان هذا الانفصال رغما عنها، لذلك فالأجدر بكل امرأة وقبيل أن تتخذ قراراً برفع دعوى خلع، أن تفكر عشرات المرات، وتبدأ عملية تقييم لحياتها الزوجية، بحيث تضع نصب عينيها عيوب زوجها وحسناته ثم توازن بين الكفتين، لمعرفة ما إذا كان الانفصال قراراً سليماً أو خاطئاً، ففي الخلافات الأسرية، يجب علينا أن نعي بأنه لا يوجد منتصر ومهزوم، وهناك دائماً حلول تقريبية ومنطقة اِلتقاء وتنازلات من الطرفين، إذا كانا يريدان لحياتهما أن تستمر، ولابد للمرأة أن تؤمن بأن "معظم النار من مستصغر الشرر" فتكف عن املاء إرادتها على الزوج، في أمور وقضايا بسيطة، كما يستحب منها الإسهام إذا كانت عاملة بجزء من مرتبها في نفقات البيت -ان كان دخل زوجها ضعيف- وكلما كان هذا الإسهام فيه نوع من الرضا والسماحة كان التفاهم والاستقرار أكثر.

ثمة سلوكيات وأخلاقيات يجب على الزوجين أن يتحليا بها، حتى تسير سفينة الحياة، وتتجنب العواصف العاتية التي قد تحطمها، فالاعتذار والكلمات الرقيقة والثناء وتبادل الهدايا حتى لو كانت رمزية من الممكن أن تذيب الكثير من الجليد، ثم إن الخلع ليس قراراً عشوائياً يتم اتخاذه من دون تفكير عميق، وإنما هو قرار مصيري ولابد من دراسته دراسة مستفيضة، قبل أن يقع المحظور، وإن كان لا بد من فض الشراكة فليكن ذلك ولكن من دون أذى للطرف الآخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.