شعار قسم مدونات

هودان نلاية.. محاولة اغتيال الأمل

blogs هودان نلاية

قُتلت الشابة هودان نلاية البالغة من العمر 43 عاماً، وهي حامل، في هجوم تبنته حركة الشباب الصومالية على فندق بمدينة كيسمايو، مع 25 شخصاً من بينهم زوجها فريد. اغتيال هودان جاء بعد عام من قرارها الاستقرار بشكل نهائي في الصومال، والانتقال من كندا التي تحمل جنسيتها، وعاشت فيها منذ طفولتها.

 

الخطاب المتفائل، والابتسامة الدائمة، والسعي إلى نقل صورة إيجابية للصومال، كلها أمور لم تشفع لنلاية عند قتلتها، الذين حاصروا الفندق -الذي يرتاده الصحفيون- أكثر من 14 ساعة، ضمن خطة إجرامية محكمة هدفها زعزعة الانطباع بأن البلاد بدأت تستعيد عافيتها، وتنهض من تحت الركام.

 

بعد عقود من الهجرة، زارت هودان مسقط رأسها في الصومال، لتتخذ بعد ذلك قراراً فاجأ رفاقها وأسرتها، لقد عزمت أن تستقر بشكل نهائي في مقديشو، وتترك رخاء كندا ومدنها الجميلة

كان للمحتوى الإعلامي الذي تنتجه هودان نلاية بإمكانياتها البسيطة، دور لافت في إثارة انتباه وسائل الإعلام الغربية لجوانب إيجابية في الصومال، وتشجيع صحفيين ومراسلين مشهورين على السفر إلى هناك لتسليط الضوء على ما يقوم به شباب الصومال وفتياته من عمل دؤوب لإطلاق مشاريع ومبادرات طموحة تنهض بالبلاد من كبوة الانقسام والدمار الذي خلفته حرب استمرت لعقود.

 

عندما تشاهد المقاطع المصورة التي نشرتها هودان على قناتها في يوتيوب يخيل إليك أنها تتحدث عن بلد آخر ليس الصومال، الذي تصر وسائل إعلامنا وقنواتنا العربية على إبقائه في الركن المهمل من خريطة اهتماماتها، ولا يتذكره مثقفونا وكتابنا إلا عندما يضربون مثلاً على انهيار الدول، أو يسوقونه نموذجا للمصير المشؤوم الذي تخلفه الثورات والمظاهرات الداعية للخروج عن طاعة ولي الأمر.

 

ولدت هودان نلاية بمقديشو عام 1976، وهاجرت مع عائلاتها إلى مقاطعة ألبرتا الكندية، وهي في السابعة من عمرها. اضطرت هودان للعمل في سن مبكرة، للمساهمة في مصاريف الأسرة التي كان عائلها يعمل حارساً في موقف للسيارات. وفي الجامعة تخصصت في الصحافة، لتحقق حلم طفولتها بأن تصبح مذيعة ذات يوم.

 

وبعد عقود من الهجرة، زارت هودان مسقط رأسها في الصومال، لتتخذ بعد ذلك قراراً فاجأ رفاقها وأسرتها، لقد عزمت أن تستقر بشكل نهائي في مقديشو، وتترك رخاء كندا ومدنها الجميلة، وفي أحد اللقاءات عندما سئلت عن سبب اتخاذ هذا القرار، قالت:" لقد رأيت أن البلد بحاجة إلي، لقد رأيت هنا جمالاً لا يراه الناس، مقديشو المدمرة هي أنا، نحن المهاجرون نشعر أننا مدمرون نفسيا وبلا هوية، هنا تلمس هويتك، لا ينظر إليك كغريب، لا يرمقك المارة بعيون الريبة، ولا يقيمونك بناء على لون بشرتك أو ملابسك، الكل يرحب بي هنا ويحتضنني".

 

في يوم الاثنين، الأول من يوليو الجاري، نشرت هودان في صفحتها بتويتر صورة لغروب الشمس في مدينة كيسمايو، مع تعليق يقول: "ينفق بعض الناس أموالا طائلة للوصول إلى مكان مثل هذا، ويحلمون بقضاء بقية حياتهم في بيت على شاطئ هادئ مثل هذا الشاطئ، علينا أن نقدر الجمال الذي نعيش فيه". ولم تكن تعلم حينها أن أعداء الأمل سيغتالونها في نفس المكان بعد أيام قليلة.

 

نُصبت سرادق عزاء، ونظمت لقاءات تأبين لهودان نلاية في أهم مدن العالم وعواصمه، ونعاها مسؤولون ومشاهير، وتطرقت لحادثة اغتيالها قنوات تلفزيونية في كندا وأميركا وأوروبا، وأعدت تقارير وتغطيات خاصة عنها نشرت في أهم المواقع الإخبارية الدولية، ورغم هذا كله لم نسمع أو نقرأ عنها شيئاً في إعلامنا العربي، ولم أجد بعد بحث طويل أي مادة صحفية للتعريف بها أو تسليط الضوء على مبادرتها الفريدة في نقل صورة جميلة للصومال، البلد العربي الذي أنجب شخصيات وصلت إلى المراتب الأولى في بلدان المهجر رغم الصعوبات والعقبات، وما إلهان عمر وأحمد حسين منا ببعيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.