شعار قسم مدونات

الخليج بين أجواء الحرب ودعوات السلام

blogs حاملة طائرات

مازال الخلاف حول كثير من القضايا والملفات العالقة بين الولايات المتحدة وإيران يلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط والخليج، مؤثرا بذلك على الأمن الإقليمي للمنطقة ككل وعلى معادلات عديدة، كتدفق النفط إلى الأسواق العالمية وضبط أسعار الطاقة وأمن القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة وأمن مضيق هرمز وتأثير ذلك على الملاحة الدولية عبر الخليج وأمن الدول الحليفة للولايات المتحدة ومستقبل النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط.

   

ولعل ملف القدرات الصاروخية وملف النووي الإيراني والرغبة الجامحة للولايات المتحدة في عدم السماح لإيران بالحصول على قنبلة نووية أو المضي قدما في تطوير قدراتها العسكرية، وهو ما عبر عنه الرئيس ترامب في أكثر من مناسبة، بل ما شكل دافعا للإعلان عن الانسحاب أحادي الجانب من اتفاق لوزان النووي الموقع سنة 2015 بين إيران من جهة والدول الست (ألمانيا، روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا والصين) من جهة أخرى.

  

هذه التطورات المتسارعة تجعل من المشهد الخليجي أقرب إلى أجواء الحرب والتوتر والضبابية بالتوازي مع تصريحات متضاربة بين الطرفين تتأرجح في عمومها بين التصعيد والتهديد المتبادل والتهدئة

الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي ومن تم الإعلان عن حزمة من العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران في مقابل ذلك، والتهديد بفرض مزيد من العزلة عليها بغية إرغامها على التوقيع على اتفاق جديد يكون أكثر مقبولية لدى إدارة ترمب، ورفض إيران القوي لهذه العقوبات في مقابل ذلك، وسط حرب كلامية بين الطرفين وسيل من الاتهامات المتبادلة والتهديدات المعلنة والمبطنة، شكلت كلها عوامل لتوتر غير مسبوق في منطقة الخليج.

 

ومن أبرز علامات التوتر تلك والأجواء المشحونة التي تشوب المنطقة، ارتفاع حدة الهجمات الصاروخية للحوثيين على الأراضي السعودية فيما يشبه حربا بالوكالة، وإسقاط طائرة مسيرة أمريكية بصاروخ أرض جو قالت إيران إنها اخترقت مجالها الجوي، والهجوم على ناقلتي نفط يابانية وأخرى نرويجية في بحر عمان، وتهديد الولايات المتحدة بتعزيز حضورها العسكري بالمنطقة بغية ما اعتبرته دفاعا عن مصالحها ومصالح حلفاءها بالمنطقة ضد أي هجوم أو تصعيد محتمل، وأمن إمدادات الطاقة وعدم السماح بحصول ارتباك في أسواق النفط العالمية فضلا عن التهديد الإيراني المقابل باستئناف تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع.

 

كل هذه التطورات المتسارعة تجعل من المشهد الخليجي وأكثر من أي وقت مضى، أقرب إلى أجواء الحرب والتوتر والضبابية بالتوازي مع تصريحات متضاربة بين الطرفين تتأرجح في عمومها بين التصعيد والتهديد المتبادل والتهدئة وعدم الرغبة في الحرب، وهو ذات المشهد الذي سبق وأن عرفته شبه الجزيرة الكورية قبل ذلك وأفضى في نهاية المطاف إلى عقد تسوية سياسية اعتبرت في نظر الكثيرين مفاجئة.

 

غير أن استقراءً للوضع في نظر كثير من المتتبعين قد لا يوحي بإمكانية حدوث حرب حقيقية مباشرة بين الطرفين الأمريكي والإيراني على الأقل في المدى المنظور، وذلك بالنظر للتعقيدات الكثيرة التي تطبع الملف، ليس فقط بسبب الإمكانيات العسكرية الإيرانية أو النفوذ الإيراني في المنطقة، بل يتعداه إلى الموقع الجغرافي الإيراني الحيوي المطل على مضيق هرمز الذي يعتبر شريانا هاما للملاحة الدولية وأحد أهم الممرات التجارية العالمية، حيث يمر عبره خمس استهلاك النفط العالمي من منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط إلى الأسواق الاستهلاكية في أوروبا، آسيا وأمريكا الشمالية وغيرها من البلدان، وما يعنيه ذلك من ضرورة التفكير في بدائل استراتيجية عن المضيق حفاظا على انسيابية تدفق النفط إلى الأسواق العالمية وما يعنيه ذلك أيضا من ضرورة إيجاد مسالك جديدة لتصدير النفط بالنسبة للدول المنتجة للنفط والحليفة للولايات المتحدة.

  

غير أن ذلك كله قد لا يعني بالضرورة عدم إمكانية دخول المنطقة في أجواء من عدم الاستقرار أو اللاحرب واللاسلم أو ربما صراعا بالوكالة في حال استمر انسداد الأفق السياسي واستمر معه غياب الحوار والحلول السياسية بين الطرفين، هذ الواقع المتمثل أساسا في سياسة العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب والتي تعتبر بحسب إيران غير قانونية وتضييقا للخناق على الشعب الإيراني، وما يوازي ذلك من أجواء التوتر في منطقة شديدة الأهمية كمنطقة الشرق الأوسط والخليج، ولعبة شد الحبل بين الطرفين الأمريكي والإيراني، تضع الآلة الدبلوماسية للطرفين ولباقي الأطراف الموقعة على اتفاق لوزان النووي أمام محك حقيقي بغية تجنيب المنطقة مخاطر أي انزلاق غير محسوب قد يقود لا قدر الله إلى كارثة، وقد يكون من الصعب التكهن بمآلاته ليس فقط على دول المنطقة بل على الأمن والاستقرار العالمي ككل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.