شعار قسم مدونات

عفوًا أستاذ مكرم.. الكذب حرام

BLOGS مكرم محمد أحمد

طالعنا الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ونقيب الصحفيين الأسبق، بتصريح صادم خلال لقاءه بعدد من كبار الصحفيين الأفارقة في مصر، أكد خلاله أنه لا يوجد أي صحفيين في السجن في مصر على ذمة قضايا تخص الرأي أو التعبير أو المهنة، مشيرًا إلى دور المرأة المميز في المهنة وتوليها عدد كبير من المواقع القيادية لدرجة أن مصر فيها ٧ سيدات يشغلن موقع رئيس التحرير حاليا في إصدارات عامة وأخرى خاصة بالمرأة.

 

وهو ما يجب أن نتوقف معه كثيرًا، فالأستاذ مكرم محمد أحمد، يتعمد تغيير الحقائق الدامغة، متبعًا أساليب إعلامية قد عفى عليها الزمن لمحاولة تحسين الصورة الذهنية عن نظام السيسي والعسكر، فالأستاذ مكرم يعتمد أسلوب "التكرار والملاحقة"، في محاولة الترويج لصورة ذهنية محددة عن السلطة في مصر، وكأنها سلطة ديمقراطية دستورية، تحترم الإعلام وتقدر المرأة، وتطلق الحريات، ولكن الأستاذ مكرم قد غاب عنه أن أسلوب التكرار والملاحقة يجب ألا يكون في معلومات يمكن تكذيبها بشكل سهل وبأكثر من طريقة، فيؤدي في هذه الحالة أسلوب "التكرار والملاحقة" إلى نتيجة عكسية وهي "التكذيب الجماهيري المستمر"، فتقع إشكاليتان له ولمن يريد تبييض وجوههم، أولًا فإن الجمهور إذا استطاع بشكل سهل تكذيب ما تردده بشكل متكرر فإنه من اليسير تأطيرك في قالب الكذب الدائم، وهو ما يترتب عليه الإشكالية الأخرى وهي أن تفقد أنت ومنصاتك الإعلامية المصداقية نظرًا لفقدانك الصدقية أمام الجمهور.

 

تصريحات الأستاذ مكرم لم تكن مفاجئة لي، فلطالما كان الأستاذ مكرم هو صوت الحزب الوطني داخل بلاط صاحبة الجلالة، وكان رمز من رموز الصحافة في عهد المخلوع مبارك، ولقد قام الصحفيون بطرده من النقابة خلال ثورة يناير ٢٠١١

الأستاذ مكرم قد أطلق تصريحه وهو يعلم تمامًا أن السجون مليئة بالصحفيين والإعلاميين، من المقيدين بنقابة الصحفيين والغير مقيدين، ولعل أبرزهم الزميل محمود حسين الصحفي بشبكة قنوات الجزيرة، والأستاذ عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية، والأستاذ مجدي حسين، وغيرهم المئات من الصحفيين والمصورين والمراسلين الذين غيبتهم السلطة العسكرية المصرية خلف القضبان وهم يمارسون عملهم المهني الطبيعي، وكنت أنا من ضمنهم عام ٢٠١٨. إن تعمد الأستاذ مكرم الكذب بشأن الحريات الصحفية لا يصنف فقط بأنه كذب أو تدليس لصالح السلطة، بل إنه يصنف كخيانة للمهنة، فالمهنة في مصر تعاني من قوانين مكبلة وظالمة ضد الحريات الإعلامية أشرف على صياغتها الأستاذ مكرم بنفسه، ودافع عنها وسوقها.

 

الأستاذ مكرم اندفع ليتفاخر بمكانة المرأة في المهنة في مصر، وهو يعلم يقينا أن ما لا يقل عن ١٠ زميلات صحفيات تعرضوا للاعتقال في مصر، كان آخرهن الزميلة آية علاء، وهي صحفية مقيدة بجداول نقابة الصحفيين، قامت أجهزه الأمن باختطافها وإخفاؤها قسريًا لعدة أيام قبل أن تعرضها على نيابة أمن الدولة لتواجه تهم واهية أبرزها الدفاع عن زوجها الزميل الصحفي حسن قباني إبان اعتقاله في سجون السلطة عقابا له أيضًا على ممارسة عمله الصحفي، وهو أيضًا صحفي نقابي!!

 

تصريحات الأستاذ مكرم لم تكن مفاجئة لي، فلطالما كان الأستاذ مكرم هو صوت الحزب الوطني داخل بلاط صاحبة الجلالة، وكان رمز من رموز الصحافة في عهد المخلوع مبارك، ولقد قام الصحفيون بطرده من النقابة خلال ثورة يناير ٢٠١١، ولم يكمل مدته كنقيب للصحفيين وتم الدعوة لانتخابات جديدة. ولم يكن هناك مفر أمام الأستاذ مكرم إلا أن يسابق إلى حظيرة العسكر ليستعيد مكانته التي ضاعت مع ثورة يناير، لذا فهو يسعى بكل قوة أن يكون "هيكل" نظام "السيسي" ولكن شتان بين الأستاذ الداهية "هيكل" وبين الأستاذ مكرم الذي تجاوزه الزمن والمهنة.

 

نصيحتي إليك أستاذ مكرم، إذا أردت أن تبيض وجه العسكر في قضية يمكن كشف كذبك فيها بسهولة، فعليك أن تبتعد عن أسلوب "التكرار والملاحقة" طالما أنك تستخدم الأكاذيب، وعليك أن تستخدم أسلوب "الكذبة الكبرى" لتستطيع تضليل الرأي العام، وهو أسلوب يعتمد على دمج كذبة واحدة هامة ضمن مجموعة من الحقائق لتتمكن من تمرير رواية أو صورة ذهنية محددة حول شخص أو مؤسسة أو سلطة، وعليك أن تدمج كذبتك جيدًا ضمن مجموعة الحقائق بحيث لا يمكن لأي شخص أن يفصل بينهما ويعجز خصمك عن الدفاع عن نفسه، ولكني أيضًا أنصحك وأنت في منتصف العقد الثامن من عمرك، بألا تلجأ إلى الكذب فالكذب حرام، وسينفضح أيضًا بسهولة في ظل سيولة المعلومات في عالمنا الحالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.