شعار قسم مدونات

لم ولن يوجد من يملأ مكان الإسلام السياسي!

blogs قرآن الدولة الإسلامية، الصحوة

الحاصل اليوم أنه لا يوجد بديل عن الإسلام السياسي، لا بصيغته كقيمة ثقافية وتصور أيديولوجي، ولا بتمظهراته الحزبية التنظيمية، وقد أشرت في المقال السابق إلى أن أي انتخابات حرة ونزيهة ستأتي بحركات الإسلام السياسي، قديمة أو جديدة، إلى الصدارة أو إلى نسبة أصوات ومقاعد لا يمكن القفز عنها.

 

حالة مصر

صحيح أن مصر شهدت زلزالا هزّ حركة الإخوان المسلمين وأصبح من لم يقتل أو يعتقل من قادتها وكوادرها وعناصرها خائفا يترقب، أو لاجئا في دولة أخرى، ووصل الحال بدولة علاقتها تاريخيا بالإخوان طيبة، وهي الكويت إلى تسليم عناصر مطلوبة إلى الأمن المصري، وكأن الأرض ضاقت على الإخوان بما رحبت، ويواجه أقطاب الإخوان وآلاف من العناصر والأنصار الموت البطيء في السجون التي تزداد عددا، ويكثر الداخلون إليها، ويشح عدد الخارجين منها، ومؤخرا ظهر مصطلح (الاختفاء القسري) في زمن التكنولوجيا التي تستطيع تتبع عصفور في غابة كثيفة الأشجار، وازداد بطش العسكر بطريقة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، بل حتى أنه لم يقتصر على الإخوان بل تعداهم إلى من يختلف معهم، بل إلى من أيد الانقلاب عليهم، ووقف ضدهم بكل أدواته الإعلامية والمادية… ولكن السؤال المنطقي المطروح: وماذا بعد؟!

 

أتجرأ وأقول أنه لو لم يكن هناك إسلام سياسي فيجب إيجاده، لأنه التيار الوحيد القادر على بعث الروح في الحياة السياسية وإضفاء الحيوية على النشاط الاجتماعي… واستمرار الأوضاع على ما هي عليه في السنوات القليلة القادمة أمر محال

لا أبالغ إذا قلت بأن حالة مصر الحزبية والسياسية زمن الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي (جمال عبد الناصر وجزء من حكم السادات) والحزب الوطني (السادات إلى نهاية عهد مبارك) تبدو أكثر صحة وانتظاما من الحالة التي تعيشها مصر منذ الانقلاب العسكري صيف 2013. لقد تم تصوير الإخوان كعضو يجب بتره، أو وباء يجب التخلص منه، وماديا تم ذلك فعلا، واعترفت كل دول العالم تقريبا بالانقلاب ومخرجاته، ولكن لا شيء يقدمه الانقلاب سوى المزيد والمزيد من البطش والتسلط والقهر والسجون وأحكام الإعدام، وفق نظرية وحشية (ما لا يأتي بالقوة سيأتي بمزيد من القوة!) فهل انصلح الحال أو استقام وتم تعبئة الفراغ الناجم عن إقصاء الإسلام السياسي؟

 

الأوضاع الاقتصادية السيئة والغلاء ورفع الأسعار المتواصل خلال السنوات الماضية وحتى اللحظة إضافة إلى القبضة الفولاذية صار عنوانا بارزا لوصف الأوضاع في مصر، ولم تفلح الحملات الإعلامية المبشرة بـ(ناصرية جديدة) ونهضة حديثة لمصر في تحسين الصورة، لأن الواقع يتحدث عن نفسه، ولم تفلح الأموال التي ضخت ونثرت مثل (الرز) لتدعيم الانقلاب وتثبيته بتغير إيجابي يذكر في أحوال المواطنين، وما جرى ليس فقط وأد مكتسبات الثورة المصرية مطلع 2011 بل الانقضاض على مكتسبات أخرى حصلت بفعل السيرورة والصيرورة في عهود سابقة!

 

وعلى الصعيد الخارجي تراجع دور مصر كثيرا، وفي ملف القضية الفلسطينية تقوم بدور الوسيط بين المقاومة في غزة والكيان العبري لتثبيت تهدئة هشة، علما بأن دور مصر بحكم موقعها الجيوسياسي، ومكانتها عربيا وإسلاميا يفترض أن يتعدى دور الوسيط-على الأقل- إلى صانع أو مشارك في ترتيب الأمور. وحتى حصتها من مياه النيل التي يرتبط اسم مصر منذ وجدت به صارت مهددة بسبب سد النهضة الذي دشنته أثيوبيا، وذلك لتراجع دور مصر في أفريقيا ومسارعة إسرائيل لملئ الفراغ المصري هناك. فهل سيظل الحال كذلك؟ وحتى متى؟ فكل المليارات والماكنة الإعلامية الموجهة ودعم ترمب العلني للانقلاب لم يملأ الفراغ السياسي الناجم عن الإقصاء والبطش للإسلام السياسي، وكل البدائل على الساحة بائسة وضعيفة وعاجزة، وليس لديها شيء يذكر تقدمه. فعندما نتحدث عن مصر وإخفاقات الإخوان وأخطائهم، يجب ألا نتوقف قبل شرح ما باتت الأحوال عليه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.

 

وأتجرأ وأقول أنه لو لم يكن هناك إسلام سياسي فيجب إيجاده، لأنه التيار الوحيد القادر على بعث الروح في الحياة السياسية وإضفاء الحيوية على النشاط الاجتماعي… واستمرار الأوضاع على ما هي عليه في السنوات القليلة القادمة أمر محال، فلا البطش والاكتفاء بالحديث عن(الخلايا الإخوانية الإرهابية) كمبرر لبسط القبضة الأمنية عاموديا وأفقيا في الدولة والمجتمع، ولا الدعوة إلى الصبر والانتظار حتى تتحقق المعجزات الاقتصادية، ولا الدعم الخارجي خاصة الأمريكي، أمور مجدية لمنع التيار الإسلامي من العودة وهذه المرة بزخم وقوة و(تفويض) أكبر وأوسع من كل المراحل السابقة.

 

أوضاع عربية مزرية

حين ترى فريق كرة القدم الجزائري يسجد شكرا لله في ساحة الملعب في مصر، تدرك أن المشروع الفرنكفوني، وكل تجلياته العلمانية بات أمام حقيقة (القرآن أقوى من فرنسا وأمريكا وأزلامهما) وحين ترى الحراك في الجزائر التي يفترض بحكم طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية أن تكون في طلائع دول العالم، لولا الفساد والحكم العسكري، تدرك أن هذا حال لا يمكن أن يستمر. وإذا كان الإسلام السياسي قد مات ولم يعد يشكل بديلا؛ فلماذا رجل مثل الشيخ علي بلحاج يضيق عليه ويمنع من صلاة الجمعة أحيانا وتجري محاولات مستميتة لإسكات صوته؟ فالرجل سجن وتم حل الحزب الذي ينتمي إليه ولا مبرر لما يجري له…إذن التيار الإسلامي حاضر وقوي ومتجدد.

 undefined

وحال الجامعة العربية والدول العربية التي تفاخر باستقرارها يدعو إلى الغضب والحزن، وهي تسخر أو تحذر معارضيها من مصير يشبه العراق أو سورية أو اليمن أو ليبيا، وتستجدي الأمريكان وتقدم لهم صكوك الطاعة؛ ومؤخرا ابتكرت طريقة جديدة كي تبقى وهي التطبيع العلني مع الصهاينة، في حالة تظهر أي وضع بائس وصلته هذه الوحدات السياسية التي هرمت وشاخت ولا يوجد بديل عنها سوى التيار الإسلامي، لأن التيارات الأخرى ثبت أنها كانت تزاود فقط، وهي لا تملك مشروعا حضاريا أو رؤية للخروج من المأزق، وليس لديها من بضاعة سوى مهاجمة الإسلاميين والتعييب عليهم، وصولا إلى الطعن في الإسلام نفسه…يظل القمع والتخويف هو الأعمدة التي تحمل تلك الوحدات، وهذا مصيره إلى زوال، كما يثبت التاريخ بكل مراحله. وخليفة حفتر المدعوم بأموال عربية وأسلحة أمريكية وفرنسية، يتلقى ضربات موجعة والمعارك معه بين كرّ وفر، ولكن الرسالة التي تقرأ بين السطور: ما حدث في مصر لن يتكرر في ليبيا ولن نسمح بإقامة نظام عسكري متسلط مدعوم من القريب والبعيد ولو استمرت الحرب قرنا أو يزيد!

 

فتش عن إسرائيل

قلت في مقال سابق بأن حماس فشلت في مجال الحكم والإدارة، وتبخرت وعودها بالحكم الرشيد؛ بغض النظر عن المبررات والأسباب، ولكن ولأن كثيرا-إذا لم يكن كل شيء- من الأحداث مرتبطة بإسرائيل ووجودها، فإن هناك تطورا في قدرات حماس العسكرية، ينذر بمواجهة سيكون لها ما بعدها، وستنجم عنها تداعيات، تكون في غمرتها فرضية موت الإسلام السياسي في غاية البؤس والسخافة، وتراجع إسرائيل، وعدم قدرتها -شيء مؤكد- على حسم المواجهة التي ليست بعيدة سيحدث ارتدادا لكل ما جرى في السنوات الست الماضية، في سائر المنطقة.

 

إنها معركة دموية تقول إسرائيل علنا بأنها ستقتل خلالها أكبر عدد من الفلسطينيين، طبعا تقصد الأطفال والنساء والمدنيين، وستكون كل فلسطين المحتلة في مرمى الصواريخ، وعندها ستكون الأوضاع بعيدة عن المواقف الرمادية والحياد، وإذا كان ملايين العرب سيظلون على حالهم فلنقرأ على أرواحهم الفاتحة! فإذا نظرنا إلى الصورة بهذه الشمولية نتأكد أن الإسلام السياسي مريض وجريح وفي طريقه إلى انطلاقة جديدة وليس ميتا يلزم الإسراع في دفنه… الله غالب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.