شعار قسم مدونات

معًا من أجل فنجان قهوة مميز!

BLOGS تأمل

تُحاول أن تصنعَ يومًا مغايرًا عن يومك الفائت، تنوي أن تستقبلَ صباحكَ بنوعٍ من التجديد، بيدَ أنَ فنجان القهوة يغلبُ أيَ كوبٍ آخر؛ تراه يتفوقُ على الشاي والنسكافيه، في حين يتربعُ ساندوتش الفلافل مع تحفظي على كلمة (ساندوتش) لأنها ليستْ من الفصحى على كل السندوتشات الأخرى، فتبقى قطعة الجبن في المؤخرة، في حين تبقى محاولاتك في تفتيتِ الكسلِ ودفنه إلى غير رجعة تراوحُ مكانها.. تبًا لحلمٍ يريدُ البعض أن يختزله في شاشة وأضواء أو في فستانٍ أبيض وطرحة أو في شهادةٍ جامعية أو في رياضة بدنية، تبًا لحلمٍ لا يجمعُ بين كل الأشياء الأربعة، تبًا لحلمٍ لا يستثمرُ صاحبه الأربع والعشرين ساعة ليوزعها على كل الأهداف الحياتية الرئيسة والفرعية، محققًا بذلك شخصية متكاملةً لا تتعاملُ مع الأحداث بانتقائية ولا مع المواقف بعشوائية بل بخططٍ مدروسةٍ مدروسةٍ مائة بالمائة، بحيث لا تدع شيئًا إلا وعالجته بحكمة ولا جرحًاٍ إلا وضمدته بحنكة..

في المقابل تتابعكَ عيونُ أقرانكَ من كثب، لأنكَ اعتزلتَ عالمكَ المفضل والمحبب إلى قلبك، فيغبطونكَ على قرار اعتزالكَ ظنًا منهم أنك اتخذتَ قرارًا جريئًا لا ولن يكون بمقدورهم أن يتخذوه، مع العلم أنهم لو وُضعوا مكانك لقضوا نحبهم -انتحارًا- لأن الأرض بما رحبتْ ضيقة دومًا أمام طاقاتِ الحالمين والمُجدين رغمًا عن أنفِ كل من يُريد أن يصنفهم بغير ذلك، ولأنَ الناجح بطبعه منبوذٌ بين أقرانه، ولا يرضونّ عنه ولا عن فلسفته في الحياة إلا إذا خلع رداء العفةِ والشجاعةِ والتميز وأصبح يجاريهم في عاداتهم، وجبّ علينا أن تُشجعَ كل ناجحٍ على التمردِ وعصيانِ كلِ من يطالبونه بالمحاكاةِ والتقليد، بتحفيزه على مخالفةِ عاداتِ أقرانه السيئة، ليكون مطبقًا لشعار"خالف تُعرف" بحيثُ يُخالفُ كل خُلقٍ سيءٍ في أقرانه؛ ليُعرفَ بكل خير، على طريقةِ "ما عهدنا عليه بسوء"..

يظن البعض أن ترتيب المنزل والقيام بالأعمال المنزلية أمرٌ يحتاج إلى وقتٍ كثير، ظنهم هذا فاشل، فلا يستغرقُ إلا القليل من الوقت، ذلك لأن البيتَ بكل ما يعنيه للمرأة من أنه مملكتها وامبراطوريتها لا يُقارن أمام النجاحات التي تُدشنها خارجه

فقد تُخرق السفينة لأن فيها ملكٌ يُحطمُ جنوده، وقد تُعطلُ حركة سيرِ الطامحين لأن سليمان لم يشعر بأناتهم وهم يتوجعونّ من ظلمِ من هم أقل منهم شأنًا ووزنًا، ذلك لأن الريادة دومًا تُعّرفُ خطأ، ودومًا تُوضعُ الإمامةُ في غير موضعها، وتُوظفُ الطاقات في أماكن دنيا لا تليقُ بسعةِ النفوسِ وعقولِ أصحابها العبقرية، وسط اتهاماتٍ دومًا تقولُ زورًا بأن الميزانيات العامة للدول لا تسمح باستثمار العقول البشرية، رغم أن لحظة تصالحٍ مع النفس الحاكمة تُثبتُ بالدليل القاطع أن العقل البشري لا يُشترى بكل مال الدنيا ولا يجب أن يُباع بثمنٍ بخس أو أن يُرمى في سوق النخاسة، فتحريرُ العقول المبدعة من بين أنياب العقول المتحجرة واجبٌ وطنيٌ ودينيٌ وأخلاقي، قد لا يستقيمُ مع بداياتِ تدوينتي هذه التي بدأتها بانتقادِ عاداتِ بعض الريادين في المأكل والمشرب وأضف إلى ذلك الملبس والمسكن..

ثمة نفوسٍ تؤمن أن الإصلاح يأتي في إصلاح بيئة العملِ أولاً كي تستقيم البيئات الأخرى، ذلك لأن كثيرًا من المميزين يدينون لأعمالهم وانتاجاتهم الفكرية والأدبية والاجتماعية والعلمية أكثر مما يدينون إلى بيئاتهم الأسرية، ويرون أن استقامةَ عالمهم الأول المتمثل في أعمالهم الخارجية خارج بيوتهم هو المؤشر الأمثل لاستقامةِ أمورهم الأسرية، فهم مميزون بدرجةِ إبداعٍ نادرة لا يضرهم في إبداعهم لمزَ من يصفونهم بالمغالاة في الإبداع، لأن شعورَ المُجد بأن شيئًا في داخله يستفزه على استنهاضِ القوى الكامنة أقوى من كلِ مطلبٍ خارجيٍ يُناديه بترتيبِ فراش نومه، فهو يؤمن أن السماحَ لنداءاته المطالبة بعالمٍ أنقى، وتطبيق نظريته الفاضلة في مجتمعٍ مبدعٍ ومجد، ستكون البداية لترتيبِ فراشه وتنظيفِ أسنانه وتصفيفِ شعره وتخليه عن إسرافه في المأكل والمشرب..

يظن البعض أن ترتيب المنزل والقيام بالأعمال المنزلية أمرٌ يحتاج إلى وقتٍ كثير، ظنهم هذا فاشل، فلا يستغرقُ إلا القليل من الوقت، ذلك لأن البيتَ بكل ما يعنيه للمرأة من أنه مملكتها وامبراطوريتها لا يُقارن أمام النجاحات التي تُدشنها خارجه، بيدّ أن استحقاقاتِ تخليها عن تلك النجاحات يجبُ أن تكون قيّمة ونادرة، بحيثُ لا تتخلى عنها إلا إذا وُجد شريك عنيد وخصم قوي أمام خصومها التقليديين ممن لا يرونّ في المرأة إلا جسدًا ولا يُشاهدونها إلا صورةً ولا يُقيمونها إلا من باب الشهوةِ فقط..! إزاء ذلك وجبّ على كلِ حواء أن تنهض، لا لترتبَ سرير نومها فقط، بل لأن تستعد ليومٍ تكونُ فيه سيدة مجتمعٍ من الطراز الأول، يومٌ تقول فيه لكل من سبقوها "لي بصمتي في الحياة وعن نجاحاتي لن أتخلى حتى لو فاز بقلبي أمير المؤمنين في زمنٍ يقولُ كل ما فيه من تناقض "طوبى للغرباء".. وأختم بالمطالبة بأهميةِ السماح لكلِ نابغة فلسطينية بل لكل نابغة حرة في العالم بتقلد أرفع المناصبِ لا من باب التشريف والمباهاة بل من بابِ التكليف، فهناك رياديات لا يُستهانُ بعطائهن، ويجب أن يأتي يوم تبزغُ فيه شمسُ الحقيقة، شمسٌ لا تُغيبَ دورَ أي ريادية، بل تُنميه وتُغذيه..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.