شعار قسم مدونات

العشق نبع.. فانغمر!

blogs الحب

كيف يتحول العناق إلى مسافات من رمل، وكيف يصبح الفرح دمعة راقصة، كيف تتغير المسميات ويدخل الحب في دائرة الأسر والتأثر، فتغدو الأطباع مزيج شخصين، وتصبح الروح أسيرة عند المحبوب، تفرح لفرحه ولو كان فيها حزن يتامى هذا العالم، وتحزن لحزنه ولو كان فيها فرحة الخارج نحو الحرية بعد قيد دام سنين طوال.

 

كفرت بالعزلة بعد أن اعتنقت روح رجلٍ تذوب الهموم فوق معطفه المخملي، وتتلاشى الآلام عند كفيه، وتتبخر عطور باريس أمام رائحة فؤاده المفعم بالحب، أصبحت عروة القميص وطن بحاله، وأصبحت أحاديث المساء نقاشات تحل أزمات الشرق الأوسط، وكأني أرى في غضبه ثورة بركان كوتوباكسي، وكأن في رضاه جائزة نوبل للسلام، لا سبيل معه للتفكير، وإنما في حضرته تقيم اللامبالاة.

 

الحب يجعلننا نشرق وسط ظلمة النفق الطويل، وكأن المحبوب سماء بعيدة ننشغل عنها في متاعب الأرض لكن ما إن رفعنا رأسنا في لحظة التعب وجدناها تلتحفنا وتحمل عنا ثقل الأيام كلها

الحب يقتص من أعمارنا عمرا ويجعلنا نعود أطفالا صغارا تبكينا الكلمة وتسعدنا شقيقتها، فتغدو الأنا أسيرة بوح الطرف الآخر، ولكنها في الوقت ذاته تهبنا عمراً فوق حياتنا، فيكون اليوم الواحد برفقة المحبوب عاماً من السعادة، وتكون الخلافات الصغيرة التي لا تتجاوز اليوم دهراً بحاله، وكيف للقلب والزمان أن يقفا على أعتاب المحبوب يتأرجحان على أثر غضبه ورضاه، حزنه وسعادته، ضجره وسعة صدره.

 

تقول أيقونة الحب والأدب ولادة بنت المستكفي: أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني. هذا الحب الذي تحدثت عنه ولّادة وهذه المشاعر التي تعتلي نبض الفؤاد كلما رأى محبوبه أو التقى بنظراته الطائشة فراح يتمنى لو أن له الحق في تخبئة تلك العينين عن أعين العالمين، ليس غيرة التملك وإنما غيرة الإفراط في التعلق، وكأن الغيرة تمتد نحو المكان والزمان فنغار على المحبوب من وقته الذي يمضيه ونغار عليه من المكان الذي يعتزل فيه، ونقف نحن في نقطة الرجاء نريد منه وصلا غير منقطع، ونريد منه قربا لا متناهيا.

 

يصبح المحبوب في إحدى لحظات الحياة كطيف يلاحق المرء دون حاجة للشمس أن تشرق، فلا يكون الظل حكرا على الشمس ونورها وإنما من عرف الحب وأدرك نوره تيقن تماما أن الحب يفعل ما تفعله الطبيعة الكونية تماما، في لوعة الحب لمعان النجوم الليلية وأسطورة المجرة الفلكية، ففي ظلمة الليل تتلاقى الأرواح كما يلتقي الإزار (Mizar)، والسها (Alcor)، كعقارب الساعة يلتقون عند الدقيقة الستين، ينشغل كل منهما بين عالم الأرقام والأزمان وينتظران تمام الساعة حتى ينسحب كل منهما من رحلته الزمنية ويهرع نحو قرينه يريد عناقا دافئاً ينسيه بعدا دام ساعة كاملة وبعض الساعات قروناً من الشوق والحنين.

 

في قلبي محبوب بلغ من العمر بعدد نبضات قلبي، فأصبح مولده هو تقويمي وأصبحت أحاديثه أبجدية لغتي، أكنّ له في جوفي وئاما لا ينفد، هيم عشقه طبقة متينة حول فؤادي، أنادي الأيام باسمه، وأحادث القمر بوجهه، وأمتطي ظهر الحياة القاسية بقوة كلامه وأستمد من كفيه الواسعتين طاقة تقويني على المضي في هذه الحياة البائسة، والتي لم ينجو من بؤسها إلا الحب. هذه الحياة المليئة بالقسوة والوحشية والعنف، لا يأخذنا منها سوى جلسة المحبوب وضحكاته وأحاديثه السلمية، هذا الحب الذي كان ولا يزال حاجة من حاجات المرء النفسية، تتغذى عليه الروح كما تتغذى زهرة عصا الراعي وسط الصخور وبين أكوام الحجارة، وكما تنبت زهرة اللوتس على سطح الماء العكر، الحب يجعلننا نشرق وسط ظلمة النفق الطويل، وكأن المحبوب سماء بعيدة ننشغل عنها في متاعب الأرض لكن ما إن رفعنا رأسنا في لحظة التعب وجدناها تلتحفنا وتحمل عنا ثقل الأيام كلها، وكأن الحب سماء بعيدة نرفع أيدينا إليها فنلامسها بإحساسنا العميق وكلماتنا الصامتة، تذرف الدموع لحزن أصابنا، وتشرق مع إشراقة وجهنا الباسم، الحب يا سادة معطف كبير نرتمي بداخله وسط سقيع الشتاء الأبيض، وهو مظلمة نرتمي تحتها عندما يشتد حر الصيف، الحب كأس من الماء نهرع إليه عند اللحظة الأخيرة ما قبل الجفاف. وكما يقول مولانا جلال الدين الرومي العشق نبع، فانغمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.