شعار قسم مدونات

الأبارتيد الجنوب أفريقي يظهر مجددا ضد السوريين في لبنان

blogs اللاجئين

في عام 1962 وقف الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا أمام المحكمة بعد اعتقاله من قبل الحكومة العنصرية التي كانت تحكم البلاد آنذاك وقال في خطابه الشهير إنني أكره التمييز العنصري وتؤيدني في كراهيتي تلك الغالبية الساحقة من البشرية التي تمقته أيضا. بتلك الكلمات استطاع ذلك الزعيم رفض العنصرية التي كانت تمارس ضد الملونيين في بلاده وبدأ مرحلة النضال ضد تلك العنصرية القائمة على التمييز العرقي ضد أصحاب البشرة السوداء وتحكم البيض بموارد البلاد وثرواتها
لكن ليس بالضرورة أن يكون التمييز في اللون والعرق ولكن قد يكون التمييز بين الأشقاء الذين تربطهم رابطة تاريخية كما الحال في العنصرية التي تستهدف اللاجئيين السوريين في لبنان. قد يتحدث البعض أن السوريين ليسوا سكانا أصليين ولا نستطيع مقارنتهم بحالة التمييز في جنوب أفريقيا ولكن إن نظرنا إلى أوجه التشابه التي تمتلكها التجربتان نستطيع أن نستخلص أن ما يحدث في لبنان هو تمييز عنصري بحت يطال اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية.

أنتم مختلفون

تميز النظام العنصري في جنوب أفريقيا بسمات عديدة منها التفرقة في المساكن والشوارع وحتى دور السينما والحمامات العامة فكانت هناك لافتات تشير إلى أن هذا المكان مخصص للبيض فقط ولا يسمح للسود بدخوله وإلا تعرضوا لأبشع أنواع الضرب والسجن وأحيانا إلى القتل دون ملاحقة من قبل السلطة القضائية التي يتحكم بها النظام العنصري بشكل كامل. سياسة التمييز العنصري في لبنان ضد السوريين تأخذ نفس المنحى فنحن نرى أن بعض البلديات اللبنانية منعت دخول السوريين إلى المطاعم ومنعتهم من العمل أيضا وكذلك قاموا بتعليق لافتات تمنع تجول السوريين بعد ساعات محددة من الليل وإلى الصباح وكأن حظرا للتجوال يفرض عليهم ومهددين المخالفين بأشد العقوبات والتي قد تصل أحيانا إلى القتل دون ملاحقة تذكر.

لن تسكنوا هنا
استطاع نيلسون مانديلا بعد 27 عاما من السجن انتزاع الاعتراف الدولي بحرية السود من القوانين العنصرية وتغيير الدستور لكي يتوافق مع الديمقراطية والاعتراف بحرية الإنسان وعدم التمييز بين البشر

وضع النظام العنصري في جنوب أفريقيا ديمغرافية جديدة للبلاد عن طريق فصل الأحياء التي يقطنها البيض عن تلك التي يقطنها السود واضعا سياجا وحرسا أمام الحاضرة البيضاء المزدهرة والتي تحتوي على جميع الخدمات الطبية والحدائق والمدارس بينما ألقي بالسود في أطراف تلك المدن ضمن أحياء عشوائية قذرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة ومانعا السود من دخول المدارس الفاخرة وحتى بعض المدن بشكل كامل. كذلك الحكومة اللبنانية التي يتحكم بجيشها وأجهزتها الأمنية ميليشيا حزب الله المصنفة إرهابية والمعادية للشعب السوري والمتهمة بجرائم حرب والتي تقود مع بقية التيارات العنصرية داخل الحكومة اللبنانية حملة شعواء تجاه المخيمات التي يقطنها اللاجئون السورييون على الحدود مع سوريا. ففي فجر الثاني من شباط عام 2016 اقتحم الجيش اللبناني وقوى الأمن المركزي المخيمات السورية في عرسال وقاموا بإطلاق النار عشوائيا على اللاجئين فسقط عدد كبير منهم بين قتيل وجريح وأجبروا المعتقلين على نزع ملابسهم في العراء ليتم نقلهم إلى السجون بتهمة الإرهاب والتي أصبحت التهمة الرائجة للإعلام اللبناني العنصري المعادي للاجئين وهي نفس التهمة التي حوكم بها مانديلا عام 1962 وسجن على أثرها.

الأبارتيد الجديد

صعد الحزب الوطني إلى سدة الحكم في جنوب أفريقيا عام 1948 ومهد لإقامة نظام عنصري يعرف بنطام الأبارتيد يتميز بتفوق العرق الأبيض على بقية السكان الأصليين وساد نوع من التفرقة العنصرية بعد إقرار قانون سجل السكان في عام 1950 والذي يعد أكثر القوانين عنصرية في جنوب أفريقيا والذي عمل به مدة طويلة جدا في البلاد. ومع تسلم ميشيل عون رئاسة لبنان وبدء التحضير للانتخابات البرلمانية استغل التيار الوطني الحر والموالي لميلشيا حزب الله هذه الانتخابات من أجل زيادة حالة التعبئة العنصرية ضد السوريين، جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني تحدث أمام الإعلام أكثر من مرة إلى ضرورة وقف تشغيل اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلدهم متفاخرا بعنصريته في أكثر من تصريح واصفا أن الجينات اللبنانية فوق كل البشر. هذه الأفعال التي لا نجد لها وصفا إلا بالعنصرية وأقل ما يقال عنها أنها أبارتيد لبنان الجديد الذي يغذي ويدعم العنصرية الشعبية منها أو الرسمية والتي باتت معلنة الآن في محاولة منهم لطرد السوريين بأسرع وقت والاتجاه نحو الفلسطينيين الذين بدؤوا يستشعرون الخطر العنصري الجديد لحزب التيار الوطني الحر ووقوانين العمل العنصرية.

لا مانديلا لهم

استطاع نيلسون مانديلا بعد 27 عاما من السجن انتزاع الاعتراف الدولي بحرية السود من القوانين العنصرية وتغيير الدستور لكي يتوافق مع الديمقراطية والاعتراف بحرية الإنسان وعدم التمييز بين البشر بحسب اللون والعرق والدين وهذا نفسه ما تحدث عنه وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ندد مرارا وتكرارا بالسياسات العنصرية التي تتعامل بها الحكومة اللبنانية وبعض فئات الشعب ضد اللاجئين السوريين، فهل سيسمع اللبنانيون لصوت العقل الوحيد الذي يرفض العنصرية ضد السوريين أم أن الحال سيقى كما هو حيث لا مانديلا يناضل من أجل السوريين في لبنان ولا جدران تحتويهم سوى المعتقلات التي تنتظرهم في حال عودتهم إلى سوريا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.