شعار قسم مدونات

ما هو هدفك في الحياة؟

BLOGS تأمل

من الوهلة الأولى تبرز علامات الإندهاش والتعجب حين تخبر أحدهم ألا هدف لك في الحياة تسعى لتحقيقه وأن دراستك الجامعية وحتى ما بعد الجامعية روتينا يفعله كل البشر، ويضل متعارفا على أن ذهابك للجامعة طريق موصل لهدفك الحقيقي ولهذا يتحتم عليك ان تكون طالبا جامعيا صاحب هدف ولا أعلم حقا ما هو الهدف.

 

يتخبط معظم الشباب الطافح بالطاقة والحيوية في مرحلة ما من العمر بحثا عن بوتقة لصب واحراق طاقاتهم أو دخول الجامعة بأي طريقة كانت، حتى يثبتون للواقع ولمن يعيشون فيه أن هناك شيء ما هم يسعون لأجله وهي الدراسة الجامعية والتي في الحقيقة تأخذ أكثر مما تعطي ولا فائدة مرجوة منها الا مجموعة مراجع وكتب جامدة لا صلة لها بالحاضر بتاتا.

 

حين أُخبر أحدهم عن حجم التيه الذي أعاني منه -وهو مشترك مع أغلب الشباب من حولي- يقف مشدوها ومتسائلا كيف لكم أن تستيقظوا فجرا دون دافع يحرككم لشيء تعملون معا ل أجله وأنتم المثقفون والمتعلمون والكثير من المصطلحات الفضفاضة التي لا تسمن من دمار ولا تغني من مأساة، وهذا لسه جوابه فقط وإن كل المجتمع يرد بهذا المنطق وهو في الحقيقة حقيقة أخرى مريرة، الأحلام التي بنيناها ونحن أطفالا تدمرت بفعل الحروب وشقاوة الحياة التي لم نكن نتخيلها حين إذ.

 

ندرس ونتخرج ثم نذهب إلى الجامعة ثم إلى سوق العمل ثم إلى الزواج ثم إلى بناء الأسرة ثم تربية الأولاد ثم التقاعد ثم الموت !ما هذا ؟! نحن في سباق مع الزمن، نتصارع مع الحياة تارة ومع الشقاء كل يوم وليس فقط تارة أخرى

الشغف الذي كان يلهب الصدور يوما ما مات مع أول طلقة رصاصة تقيأتها بندقية ملكها جاهل لا يفرق بين أمه وأبيه، اللهيب الذي حافظ على الشعلة حتى كبرنا قارب على الإنطفاء بفعل صدمات الواقع المتكررة، المآساي والحروب وأشلاء الأطفال المتناثرة مسحت من على أذهاننا كل معاني العمل والاجتهاد، طول فترة الانتظار حتى ينفرج الوضع أمات الأمل المتبقي لدينا، الحديث عن كل هذا ليس جزعا أو يأسا وانما تشخيص لحالة يعاني منها الغالبية ولا يفصحون عنها بسبب ردات الفعل المتوقعة مسبقا من المجتمع بل وحتى الشماتة منهم، نحن تائهون مشتتون عشوائيون لا نعي جيدا ماذا سنعمل غدا أو إلى أي نهاية نحن واصلون.

 

الروتين المتكرر فينا لا يكفي لنعيش، الجامعة والقراءة والاطلاع والرياضة والكتابة والنوم حبات مسبحة نحن نتعامل معها يوميا لتمضية الوقت والمرور مع الزمن، الحاجة كل الحاجة لهدف أسمى وأرقى من التخرج أو الحصول على درجة معينة في التعليم، الحاجة لهدف يجعل منك ثورة مشتعلة للأبد، لهدف لا يخبت بريقه حين يتحقق بل يزداد اشتعالا لأنه صنع لك أهدافا أخرى أسمى وأعمق، الغباء أن تكون شهادتك الجامعية وعملك بها هدف كرست حياتك من أجله، وأمضيت أكثر من عشرين عاما تنتقل من مرحلة دراسية ل أخرى حتى تحصل عليها وبعدها تضل حبيس عمل قاتل يقتات بقية عمرك وانت موهم نفسك والآخرين أن هذه هي ثمرة حصدتها أخيرا وهي جزاء من جد واجتهد.

 

للحياة اشكال أخرى غير الجامعة والوظيفة والعمل أجمل بكثير، الآن ندرس ونتخرج ثم نذهب إلى الجامعة ثم إلى سوق العمل ثم إلى الزواج ثم إلى بناء الأسرة ثم تربية الأولاد ثم التقاعد ثم الموت !ما هذا ؟! نحن في سباق مع الزمن، نتصارع مع الحياة تارة ومع الشقاء كل يوم وليس فقط تارة أخرى، أتعلمون شيئ..؟ مسكرات العصر الحديث ليست المخدرات ولا مواقع التواصل ولا أجهزة الإعلام. المسكرات الحقيقة هي، كن سعيدا، كن ناجحا، لابد أن تكون في القمة، الزمن لا ينتظر أحد، اجتهد أكثر، ابذل جهدا مضاعف.. وكذا دواليك، نحن سجناء هذه الشعارات نضل نركض خلفها من لحظة خروجنا إلى الحياة إلى وقت الوفاة، حتى ونحن على فراش الموت لن نتوقف عن الركض، نوصي الآخرين بالاجتهاد والبذل.

 

حسناً متى سنتوقف حقا ونقول لأنفسنا أخيرا نجحنا ويتوجب الاحتفال؟ المخيف حقا أننا في خضم هذه الشعارات الزائفة ننسى ان نعيش، ننسى أننا أحياء، نركل الحياة بقدم ونركض بحثا عنها بقدم أخرى ثم نوصي الآخرين بارتكاب الحماقة نفسها وتضل الجريمة على كل البشر، ينقلها جيل أحمق ل جيل أكثر حمقا، الحقيقة التي لابد أن نقف أمامها جميعا هي ان نتوقف عن اللهث وراء الخيال.

كن سعيدا!..

حقاً؟

أهذه نصيحة أم سؤال أم حكاية قبل النوم

لمَ أكون سعيدا؟

هل أنا لستُ سعيدا الان؟

  

المعيار الحقيقي للسعادة هي الاقتناع بالواقع كان جيدا أم سيئ والعيش على أساس هذا الواقع هو فعلا النجاح والطموح والسعادة وكل الشعارات التي نبحث عنها، من الجنون ان شخصا ما بحث يوما عن السعادة وحصل عليها على طبق من بيتزا، ومن الجنون أيضا ان شخصا بذل جهدا أكثر وركض أسرع ثم حظي بالنجاح على وجبة افطار ذات مساء، وجبة إفطار ذات مساء !حقا ! "افطار، مساء "القناعة هي السعادة والنجاح مع محاولة التحسين لا خلق الأفضلية .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.