شعار قسم مدونات

تونس بعد أن ودّعت رئيسها تنتخب رئيسها

blogs السبسي

بعد وفاة الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي، انتبه التونسيون إلى ضرورة أن يكون الرئيس منتخبًا من الشعب حتى يحظى بالاحترام من جميع أطياف ومكوّنات الشعب التونسي، ويحظى بجنازة أقل ما يقال فيها إنها مهيبة، وأدرك التونسيون أيضا أن الديمقراطية ممارسة حقيقية على الواقع، وليست شعارات جوفاء هنا وهناك، لذلك فهم لا يقبلون بأن يعودوا مرة أخرى إلى الظلم والاستبداد بعد أن ذاقوا معنى الحرية، ولما انتفض الشعب التونسي في 2011م على زين العابدين بن علي الذي يرونه دكتاتوريا من الطراز الرفيع علموا أن الحرية لها ثمن، فقدم الشهداء وضحّى من أجلها وها هو اليوم ينعم بأثرها ويريد أن يحافظ عليها بما أوتي من قوة، ومستعد للتضحية مرة أخرى إن فكر السياسيون أو العسكريون تكريس الاستبداد مرة أخرى.

 

وقد نجح الشعب التونسي في تجاوز المحنة الأولى، لما وضع السياسيون خلافاتهم جانبا وانتخبوا رئيسا توافقيا بسلبياته وإيجابياته، في مرحلة حساسة جدا، يمكن تجاوزها بصعوبة وهذا ما حصل، ورغم التحديات الأمنية والاقتصادية إلا أننا رأينا شعبا يقف وراء رئيس منتخب رحل عن الدنيا وهو يحظى باحترام الجميع حتى من ألدّ أعدائه، لأنه في نظر التونسيين حافظ على النسق السياسي وتجاوز الخلافات السياسية المعهودة منذ زمن بورقيبة بين الإسلاميين واليساريين، إلى توافق كان له أثره الهادئ على الأوضاع في تونس عموما رغم المشاكل الأمنية والتشغيلية والاقتصادية والسياسية التي كانت تطفو بين الفينة والأخرى، وقد أثبت هذا التوافق النسبي نجاحه في الفترة الماضية إبان رئاسة الباجي القايد السبسي إلى حد ما، لأن الجميع واع برسالته، وواع بأن تونس وطن الجميع وواع بأن تونس لا تتحمل الخلافات التي تجلب النزاع والحرب والخصومات، وبالتالي فإن احترام الآخر من أولى الأولويات حتى تعيش تونس بسلام.

 

ستشهد تونس خلال القليلة المقبلة، حدثا تاريخيا مجيدا ينتخب خلاله التونسيون من يحكمهم خمس سنوات قادمة، مع يقيننا أن الشعب التونسي بكامل أطيافه سيُنجح العملية الانتخابية وسيتجاوزها بكل هدوء

وقد برز على السطح رجالات السياسة الذين يمكن أن يقودوا الدولة التونسية في الفترة المقبلة، لهم صيت في الداخل والخارج، قادرون بإذن الله تعالى على تخطي المرحلة المقبلة بكل تموجاتها السياسية وصعوباتها الاقتصادية، لأن تونس في المقام الأول، دولة مؤسسات، ودولة إرساء القانون، لا تُشخْصن ولا تميل إلى أحد، بل تمنح الفرصة لكل كفاءة قادرة على قيادة البلاد وخدمة الوطن بعيدا عن أي مساومات وأي نزاعات وأي حسابات، فخدمة الوطن هو شعار من يريد أن يرشح نفسه للرئاسة في الفترة المقبلة التي ستشهد فيها تونس حدثا تاريخيا يختار الشعب التونسي من خلاله رئيسا جديدا منتخبا لفترة 5 سنوات، وهو مطمئن أن هذا الرئيس سيخدم تونس وسيحافظ على نظامها الديمقراطي الجديد، ولا يفكر لحظة واحدة أن ينهج منهجا مغايرا لأن الشعب سيكون له صدا منيعا.

 

وبعد وفاة القايد السبسي، ظهرت أسماء سياسية متداولة كالأستاذ عبد الفتاح مورو، الرجل الذي صرّح بأن خدمة تونس واجب شرعي ووطني بعيدا عن أي مساومات حزبية وخلافات سياسية أو دينية، وأنه يتعامل مع كل وطني يسعى لخدمة تونس، ولا فرق عنده بين إسلامي ويساري، بل إن التونسيين عنده سواء، وقد رأيناه وهو يرأس جلسات البرلمان بكل حرفية واقتدار وروح دعابة وتطبيق للقانون، رأيناه وهو يتحدث في المحافل الدولية والإقليمية والمحلية، بلغة واضحة مفهومة وقوية، ورصينة، ورأيناه مخلصا في أداء وظيفته متقنا لها، يحب أن تكون تونس في أمن وأمان وسلم وسلام، لا تخضع إلى أي جهة أو مكون من المكونات الداخلية أو الخارجية، فهل يمكن أن يرشح نفسه للرئاسة؟ لأنه ببساطة رجل توافقي تحتاجه المرحلة المقبلة من تاريخ تونس حتى يواصل المشوار بكل إتقان.

   

وعلى كل حال ستشهد تونس خلال القليلة المقبلة، حدثا تاريخيا مجيدا ينتخب خلاله التونسيون من يحكمهم خمس سنوات قادمة، مع يقيننا أن الشعب التونسي بكامل أطيافه سيُنجح العملية الانتخابية وسيتجاوزها بكل هدوء كما فعل أثناء وفاة الباجي القايد السبسي حين انتقلت السلطة في البلاد دون ضجيج أو معاناة، ودون أن تتكبد الدولة أي مشاق، وعلى السياسيين أن يكونوا أكثر وعيا بما يحصل في البلاد، ويحاولوا أن يوجدوا المناخ المناسب للانتقال السلمي للسلطة حتى تكون التجربة التونسية مثالا يحتذى بها في المحافل الدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.