شعار قسم مدونات

مأساة المسلمين في الهند.. جذور البلاء والمؤامرة الكبرى

مدونات - مسلمو الهند

قبل أيام قليلة عشنا الذكرى الثانية والسبعين لتقسيم شبه القارة الهندية بين المسلمين والهندوس، ففي الخامس عشر من شهر أغسطس من عام 1947م، تم الإعلان عن تأسيس دولة باكستان بشطريها الغربي والشرقي، ثم دخلت البلاد دوامة عنف انتهت بمقتل ملايين المسلمين شمال الهند وتهجير ملايين آخرين إلى دولة باكستان الناشئة. وشكلت منطقة كشمير بؤرة توتر بين الجانبين، ومن أجلها اندلعت ثلاثة حروب كبيرة بينهما؛ الأولى كانت سنة الاستقلال المزعوم حيث رفضت باكستان ضم كشمير إلى الهند، واستطاعت انتزاع أجزاء من كشمير، ثم جرى وقف إطلاق النار.

وفي عام 1965م اندلعت حرب طاحنة بين الجانبين دون أي نتيجة وتغيير على الأرض، ثم تجددت الحرب بين البلدين سنة 1971م ولكن هذه المرة في باكستان الشرقية (بنغلاديش)، حيث ساعدت الهند حركة التمرد في بنغلاديش، واستطاعت تدمير القوات الباكستانية هناك، وانتهت الحرب بإعلان انفصال بنغلاديش عن باكستان. وفي عام 1999م، تأزم الموقف بين الطرفين، وكادت الحرب أن تندلع، ولكن هذه المرة إذا اندلعت الحرب، فالنتائج كارثية، لأن كلتا الدولتين دخلتا نادي السباق النووي، وحرب بين دولتين نوويتين، ستكون عواقبها وخيمة، فلن يدخر كل طرف ما لديه من أسلحة.

استطاع جناح وغاندي كسب محبة المسلمين والهندوس، فقد قدَّمت لهم حكومة الانتداب كافة أشكال الدعم لإبرازهما زعيمين وطنيين، الأول يعمل لصالح المسلمين، والثاني يعمل لصالح الهندوس

لم تندلع الحرب في تلك السنة، ولكن بقي الصراع قائما إلى يومنا هذا، وها نحن نشاهد تصعيدا هنديا في كشمير، وفي كل مرة تتأزم العلاقة بين البلدين يحبس العالم أنفاسه، خوفا من حرب نووية ربما تمتد لتصبح حرباً عالمية، خاصة ودول كبرى ترتبط مع طرفي الصراع بمعاهدات وتحالفات واتفاقيات عسكرية واقتصادية، فالصين لن تقف دون حراك وحرب نووية على حدودها الغربية، وكذلك الولايات المتحدة وروسيا. وحتى نفهم واقع الصراع بين الطرفين، يجب علينا أن نعود إلى جذور البلاء؛ حيث أن بداية الحكاية حدثت عندما قررت بريطانيا الخروج من الهند، وسلخها عن العالم الإسلامي، فلك أن تتخيل أن شبه القارة الهندية عدد سكانها الآن مليار وسبعمائة ألف يتوزعون على عدة دول أكبرها الهند وباكستان وبنغلاديش، ويشكل المسلمون نصف عدد السكان في شبه القارة الهندية، فتلك المنطقة من العالم تحوي أربعين بالمائة من المسلمين، فالهند وحدها عدد المسلمين فيها من 400 مليون إلى 500 مليون، وفقا لإحصائيات غير رسمية، أما الأرقام الرسمية فأقل من ذلك بكثير.

إذا نحن أمام تجمع كبير للمسلمين، وخروج بريطانيا من شبه القارة الهندية أصبح أمراً مُلحاً، خاصة مع ظهور الولايات المتحدة كقوة عالمية، لذلك لجأت بريطانيا إلى خطة شيطانية تهدف لسلخ الهند عن العالم الإسلامي، وتوزيع المسلمين الهنود وتشتيتهم في عدة دول. إن من أكثر الأمور إيلاماً هو سلخ الهند عن العالم الإسلامي، وتقسيم المسلمين في شبه القارة الهندية في عدة دول أهمها:

1- الهند: التي أصبح المسلمون فيها أقلية بعد انفصال باكستان وبنغلادش عنها، إضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي قضت على ملايين المسلمين، وهجَّرت ملايين آخرين. وعدد المسلمين فيها الآن يبلغ (255) مليون مسلم، فالهند الدولة الأولى في العالم من حيث أعداد المسلمين، وفقاً للإحصائيات الرسـمية. هذه الأرقام الرسمية، أما تقديرات الجمعيات والمؤسسات الإسلامية تترواح بين 400 – 500 مليون مسلم في الهند وحدها.

2- باكستان: دولة صغيرة المساحة مقارنة مع الـهند، عدد سكانـها (180 مليون) تحكمها منذ تأسيسها الأقلية الشيعية، وتسودها الفوضى والاضطرابات منذ تأسيسها إلى يومنا هذا. يسيطر الإسماعيلية والشيعة على المرافق الحيوية للدولة في باكستان، وأهمها الجيش، ورغم أنهم أقلية إلا أن سيطرتهم محكمة على كل شيء في البلاد، حالهم كحال العلويين في سوريا، فمحمد جناح إسماعيلي العقيدة وكذلك رئيس وزرائه ليقات علي خان كان شيعيا، ووأيضاً ذو الفقار علي بوتو الذي جرت في عهده انفصال بنغلاديش، وابنته بي نظير بوتو، وعدد كبير من السياسيين والعسكريين.

3- بنغلاديش: دولة صغيرة ومحدودة المساحة، عدد سكانـها (150 مليون)، انفصلت عن باكستان سنة 1971م، وتحكمها قوى علمانية حاقدة هـمُّها محاربة الإسلام. إنَّ الناظر في خريطة شبه القارة الهندية يدرك حجم تلك المؤامرة، فمساحة الـهند (٣٬٢٨٧٬٠٠٠ كم2) أما مساحة باكستان (٧٩٦٬٠٩٥ كم2)، وأما بنغلاديش فمساحتها (١٤٧٬٥٧٠ كم2). أي أن مجموع ما حصل عليه المسلمون من مساحة شبه القارة الهندية هو أقل من الثلث، وهم مشتـتون في ثلاث دول، وهذه خريطة لشبه القارة الهندية تظهر فيها تمدد الدولة الهندية في أراضي المسلمين الواقعة شـمال الهند بين باكستان وبنغلادش حيث الكثافة الإسلامية في تلك المناطق.

خطوات المؤامرة الكبرى

1- احتلال الهند والسيطرة عليها عن طريق شركة الهند الشرقية التي أحكمت سيطرتـها على الهند في نهاية القرن الثامن عشر.
2- القضاء على الدولة المغولية في الهند سنة 1857م.
3- قامت الحكومة البريطانية بـِحل الشركة وضم الهند إلى التاج البريطاني سنة 1858م.
4- زرع عملاء بين جميع طوائف الشعب الهندي، وكان جناح (المحسوب على المسلمين) من أبرز العملاء. ووظيفة هؤلاء العملاء هو إقناع قواعدهم الشعبية بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس، فلا مجال للتعايش بينهم في دولة واحدة. استطاع جناح وغاندي كسب محبة المسلمين والهندوس، فقد قدَّمت لهم حكومة الانتداب كافة أشكال الدعم لإبرازهما زعيمين وطنيين، الأول يعمل لصالح المسلمين، والثاني يعمل لصالح الهندوس، واستطاعت بريطانيا أن تقضي على خصومهما وإبرازهـما كقائدين وطنـيـَيـن، كلُّ منهم يعمل لصالـح أتباعه.

بعد أن أصبحت بنغلاديش دولة مستقلة، سيطر عليها العلمانيون الحاقدون على الإسلام وأهله، فهمهم الوحيد محاربة الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية، وتقديم قادتها قرابين للمشانق

استطاع جناح أن يُهمِّش جميع القيادات في العُصبة، وسعى جاهداً أن يُـقنع الـمسلمين في الـهند بالاسـتقلال وإنشاء دولة مسلمة مستقلة عن الهند. وهنا تكمن الـمصيبة؛ فبريطانيا لا تريد أن تترك وراءها دولة كبيرة، تحوي مئات الملايين من المسلمين، ويشكلون تقريباً نصف المجتمع الهندي (في شبه القارة الهندية)، فهي لا تدخل أرضاً حتى تنهبها وتجعلها خراباً يباباً، فتخطط وترسم وكأنها صاحبة السيادة الشرعية، فبعد أن نهبت تلك البلاد، اشعلتها فتنة بين المسلمين والهندوس، فما أن أعلنت الهند وباكستان عن الاستقلال في دولتين حتى تعرض المسلمون في الهند لمذابح مروعة مات فيها الملايين وهُجِّر الملايين، فكانت سنة 1947م من أشد السنوات في تاريخ الهند قساوة، فلم تشهد القارة الهندية سـنة دموية كتلك السنة.

5- نجح غاندي وجناح في تنفيذ الخطوة الأولى من المؤامرة، وهي تشتيت المسلمين في دولتين، الأولى ذات أغلبية هندوسية والثانية مشطورة إلى شطرين: الأول (باكستان الغربية)، والثاني ما يسمى باكستان الشرقية (بنغلاديش) وبين الشطرين أكثر من ألفي كيلو متر، مع أن المناطق والولايات
الهندية الشمالية ذات أغلبية مسلمة وتوجد فيها مدن إسلامية مثل: الله أباد وأحـمد أباد وغيرها، إلا أنها تبعت للهند. وبذلك انفصل مسلمو الهند (ربع مليار مسلم) عن العالـم الإسلامي.

بعد ذلك النجاح جاءت الخطوة الثانية وهي فصل بنغلاديش عن باكستان، وطبعاً تـمَّ الانفصال سـنة 1971م، أي بعد هلاك (جناح) بثلاث وعشـرين سـنة، ولكنه هو من جعل مسألة بقائهما في دولة واحدة مسألة مستحيلة، فقد رضي أن ترسم الحدود بذلك الشكل، ثم أصدر أوامره باعتماد اللغة الأوردية لغة رسـمية في شـطري باكستان، فاللغة البنغالية غير معترف فيها، والبنغال لا يـحصلون على وظائف عليا، والخدمات الـمقدمة سـيـئة للغاية، والـميزانيات الـمخصصة للشطر الشرقي لا تقارن بميزانيات الشطر الغربي، إضافة إلى قمع الـحريات وإجبار الشعب البنغالي على الـمطالبة بالاستقلال.

لقد جاء انفصال بنغلاديش عن باكستان نتيجة حتمية لسياسة صناع القرار في باكستان، نفس السياسة اتبعها جمال عبد الناصر في سورية زمن الوحدة، ولعبت الهند دورا حاسماً في انفصال بنغلاديش، حيث دخلتها القوات الهندية واحتلتها، وناصرت القوات الانفصالية وأجبرت الجيش الباكستاني على الاستسلام. فالوحدة بين شطري باكستان أمر مستحيل نظريا وعملياً، فلا الثقافة مشتركة ولا اللغة كذلك، وألف ميل بين الشطرين في أراضي دولة معادية، وسياسة استعمارية تفرضها إسلام أباد على بنغلاديش، وتدخل الهند بشكل مباشر في تقوية روح الانفصال عند البنغال.

وبعد أن أصبحت بنغلاديش دولة مستقلة، سيطر عليها العلمانيون الحاقدون على الإسلام وأهله، فهمهم الوحيد محاربة الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية، وتقديم قادتها قرابين للمشانق، فبنغلاديش دولة صغيرة المساحة فيها (150 مليون نسمة) أغلبهم مسلمون، يعيشون في ظروف صعبة في ظل دولة بوليسية يسيطر عليها العلمانيون. فلا أدري لم يفرح الناس باسـتـقلال باكستان، فالظاهر قيام دولة إسلامية، ولكن الـحقيقة أنَّ تلك الدولة يسيطر عليها الرافضة، وأنَّ الـمسلمين تشتتوا في ثلاث دول، في ثلاثة أنظمة تقمعهم. وأنَّ الهند انسلخت عن العالم الإسلامي، فأصبح المسلمون فيها أقلية. يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد، الذي نرى بعضه على شاشات التلفزة، ولكن ما خفي أعظم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.