شعار قسم مدونات

ترامب والقوة الذكية!

blogs ترمب

إن القوة في السياسة هي القدرة على فعل الأشياء ومن يملك القوة هو الذي يستطيع السيطرة على من هم أضعف منه ومن يملك أكبر قدر من القوة هو سيكون الشخص الذي يهابه الجميع ويستجيبون لأوامره وينفذوها هذا ما يسمى في العلاقات الدولية بِالإذلال التي هي إحدى الباثولوجيات التي كانت الدول القوية تستخدمها لتُحكم سيطرتها على من لا يطيع اوامرها اما بالتعذيب أو الاحتلال أو الانتداب!

 

لكن في الوقت الحالي بدأت تظهر انواع جديدة من القوة وخاصة مع التطور التكنولوجي وظهور العولمة التي الغت المسافات، لتُحطم الحدود، ويشرع باب التواصل بين كل الناس، حيث أصبحت الحياة الدولية عالمية اي خالية من الوساطات أكثر فأكثر لقد بات الكل مرتبط بالكل إذ أصبح الشأن الدولي اجتماعيا أو ما يسمى في العلاقات الدولية بِتكتونية المجتمعات، وأصبح في متناول الجميع للتعبير عن آرائهم وقد نالت العولمة من الأهمية ما يكفيها لتكون أداة قوة للدول.

 

عندما نتكلم عن القوة فإن الذي يخطر على بالنا هو القوة العسكرية وفي حينِ آخر نقول إن القوة الاقتصادية هي أيضاً قوة وفعلاً هما يشكلان معاً ما يسمى بالقوة الصلبة، وهناك نوع حديث من القوة هو القوة الناعمة الذي يعتمد على جذب الاخر بواسطة الثقافة والقيم وأيضاً السياسات الخارجية التابعة لدولة ما وقدرتها التفاوضية البحتة التي تجعلها قوية في نظر غيرها والقدرة الاقتصادية التي يتفق بعض الباحثين على انها تعتبر أداة لكل من القوة الصلبة والقوة الناعمة لكن لكل منهم طريقة خاصة باستخدامها.

 

أصبحت القوة في التعاون أكثر من الصراعات والحروب، وتزامنت الاستراتيجية الأمريكية مع التطور والحداثة، وخاصة مع ظهور الفاعلين من غير الدول في النظام الدولي

ليس كل من يملك القوة هو الذي يستطيع السيطرة والهيمنة والقوة الكبيرة أو الضخمة قد تدلي بصاحبها الى الهلاك، لأنها لم تضع نفسها تحت مظلة إدارية محكمة لكي تحميها وتسيطر عليها جيداً، في الحقيقة من يملك القوة بحق هو الذي يعرف ويستطيع السيطرة عليها بطريقة ذكية وفق عملية إدارية ونظام متميز واستراتيجيات محكمة تجعل من دولته مكانة مميزة ومتصدرة على قريناتها من الدول. القوة الذكية هي الإدماج الذكي بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، القوة الصلبة أداة المدرسة الواقعية والقوة الناعمة أداة للمدرسة الليبرالية حيث ستكون السياسة والاستراتيجية للدولة التي يتابع هذا النهج، واقعية ليبرالية في آنِ واحد أو حسب ما سماها عالم السياسة الامريكي جوزيف ناي الأبن بِ القوة الذكية.

 

إن سياسة الدول الكبرى مثل الصين، وروسيا ودول أوروبا فرنسا، المانيا، بريطانيا لهم مكانة مهمة في النظام الدولي وهم مثابرون حتى يصلوا إلى تناسق والعمل على أحداث توازن بين القوتين الصلبة والناعمة، لكن الولايات المتحدة هي في صدارة هذه الدول لإحداث هذا التوازن والاتساق التام بين هاتين القوتين المدموجتين، وخاصة سياسية ترمب الحديثة التي يراها اغلب الناس على انها واقعية بحتة، لكنها برأيي انها قوة ذكية فهو يدمج في شخصيته كلتا القوتين معاً ويتحكم بهما جيداً حيث تتميز استراتيجيته بالدهاء والذكاء فعندما أصبح رئيساً قام بزيارة عدد كبير من الدول لتوطيد العلاقات الأمريكية بالدول المجاورة وخاصة التفاتته الممتازة عندما زار كوريا الشمالية التي لم يزرها أي رئيس للولايات المتحدة من قبل، وقام برفع الحظر عن شركة هواوي الصينية وحتى العقوبات التي يفرضها على إيران أراه حكيماً في إدارتها إذ فضل التفاوض لتحكيم هذه المسألة رغم استطاعته من سحق إيران في أي وقت في ظل القدرة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة الأمريكية . هذا الرجل يعي جيداً ضرورة ما يفعل لحماية دولته حتى تبقى متربعة على قمة النظام الدولي بدون اي منازع.

 

تغيرت كثيراً مقايس القوة، أصبحت القوة في التعاون أكثر من الصراعات والحروب، وتزامنت الاستراتيجية الأمريكية مع التطور والحداثة، وخاصة مع ظهور الفاعلين من غير الدول في النظام الدولي حيث أحدثوا شرها كبيراً فيها وأثروا على موازين القوى مما جعل الولايات المتحدة تضع خطط واستراتيجيات وأفكار تتلاءم مع هذا التغير. إن سرد القوة الذكية بالنسبة إلى القرن الواحد والعشرين ليس تعاظم القوة أو الاحتفاظ بالهيمنة، إنه يتعلق بوجود الأساليب التي تجمع الموارد في استراتيجيات ناجحة في السياق الجديد لانتشار القوة. وهذا ما أكده جوزيف ناي الأبن في كتابه مستقبل القوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.