شعار قسم مدونات

طريق الكاشان

blogs العراق

كل ما تريد نقله إيران ذهابا وإيابا يمر من هنا، ما عليك إلا التنسيق مع الحرس الثوري الإيراني أو من يمثله في مناطق نفوذه. من كان يتصور أن أشد المناطق العراقية عداوة للمشروع الإيراني تصبح ممرا للبضائع والأفراد والسلاح القادم من إيران والذاهب إليها!؟ لكن ذلك تحقق بالفعل، وصار الحلم الإيراني واقعاً بعد أن بسطت طهران نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة. حيث وسَّعت طهران دائرة تأثيرها من مركز العراق ومنطقته الخضراء حيث المطبخ السياسي والعسكري إلى المحافظات، لا سيما أنها الراعي الرسمي لعدد من الأحزاب والكتل السياسية وخصوصاً المتنفذة منها.

  

من ديالى إلى نينوى مروراً بصلاح الدين يمتد الطريق البري، الذي لم يكن موجوداً من قبل على الخريطة في البلاد ليصبحَ أهم الطرق الاستراتيجية "غير الرسمية" الرابطة بين إيران وسوريا عبر العراق. ابتدعت اسماً لهذا الطريق فسمَّيته "طريق الكاشان"، نسبة لما تعرف به إيران من صناعة سجاد الكاشان الأجود في العالم، والذي ينتج في رابع أهم مدنها "كاشان". كل البضائع والسلاح والأفراد والجماعات المسلحة تعبر براً على مدار ٢٤ ساعة، ولا حاجة إلى جمرك أو تدقيق، فمن يجرؤ أصلاً على ذلك !؟

 

يعد طريق الكاشان أحد ممرات إيران لخرق العقوبات الأمريكية، وخصوصا في نقل النفط ومشتقاته، وهو مؤمَّن بالكامل من قبل فصائل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الأخرى، إضافة إلى تعاون الإدارات أو الحكومات المحلية للمناطق التي يمر عبرها وخصوصاً صلاح الدين ونينوى وأطراف كركوك أحيانا، كل ذلك حصل بعد سيطرة داعش ثم هزيمته أي بعد عام 2014، على اعتبار أن ديالى سبق أن هيمنت عليها إيران قبل 2014 بعد انقلاب على الحكومة المحلية وتعيين محافظ مقرَّب منها ينتمي إلى منظمة بدر، إضافة إلى ارتكاب عدة مجازر فرغت مناطق عدة من سكانها، قبل أن يعود بعضهم وهم متيقنون أن الصمت على كل شيء سيُبقيهم يتنفسون على هذه الأرض التي كانت تسمى يوما مدينة البرتقال.

 

تسعى إيران إلى ربط خطوط سكك حديد وتوسيع خطوط النقل البري لتربط بين معظم محافظات العراق، لاسيما بعد السيطرة الكاملة على قضاء النخيب في محافظة الأنبار وضمِّه إلى محافظة كربلاء

 كما أن المعابر البرية بين ديالى وإيران على طول الشريط الحدودي بيد فصائل مسلحة مدعومة من طهران، بحسب أعضاء في مجلس محافظة ديالى، والذين اتهموا تلك الفصائل بتهريب البضائع وإدخال المخدرات من إيران عبر المنافذ الرسمية وغير الرسمية، هذا بالإضافة إلى السيطرة على إيرادات الجمارك هناك بشكل شبه كامل.

 

خطة إنشاء هذا الطريق لا تقتصرعلى نقل ما يخرج من الأراضي الإيرانية أو السورية فحسب، حيث تعمل الجهات المرتبطة بإيران في العراق، على نقل ما في هذه المناطق من نفط وموارد إلى إيران وبيعها بأسعار زهيدة جدا، ومعظم الحقول والآبار النفطية يباع ما يُستخرَج منها من نفط خام بطريقة مباشرة، من خلال نقله براً كما يحدث في حقول محافظتي صلاح الدين ونينوى، حيث لا يعدو ثمن نفطها إلا مكافأة للمجهود الذي بذلته الجهات الموالية لطهران خلال عملية النقل والتوصيل. وكان تدمير مصفاة بيجي النفطية وسرقة معداتها وتفكيك مصانعها، الهدف منه منع دخول النفط الخام وتكريره داخل محافظة صلاح الدين، بحسب نواب ومتخصصين بهذا الشأن، حيث أكدوا أن النفط الخام صار يُنقل إلى إيران لإعادة تكريره، كما أن العراق صار يشتري كميات كبيرة من الوَقود عبر عقود مالية ضخمة مع الجانب الإيراني، بعد أن كانت مصفاة بيجي الأكبر في البلاد تقوم بتوفير ما يتم شراؤه حاليا، ما دفع فصائل مسلحة مدعومة إيرانياً إلى تفكيك وسرقة معدات ومصانع المصفاة أثناء العمليات العسكرية، بتوجيه من الجهات الإيرانية المشرفة عليها.

 

عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية على المحافظين السابقين لنينوى وصلاح الدين، وقيادات فصائل مسلحة تتبع للأقليات في سهل نينوى من "المسيح والشبك"، لفتت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تركيز جهدها على تلك المناطق لقطع الطريق على إيران، ولأن قاعدة طهران في تلك المناطق ما زالت رخوة ومجتمع تلك المناطق "السنيَّة"، لا يتقبل الوجود الإيراني على أرضه، على الرغم من تأييد عشائر متنفذة في حُكم صلاح الدين ونينوى لوجود الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران. لكن بلا شك، واشنطن تدرك أن هذا تقارب مصلحة، وأنَّ السياسيين الموالين لإيران بشكل أو بآخر هدفهم مادي وليس عقائدياً، لذا فهم انشغلوا بسرقة موازنات محافظاتهم السنوية، وغضَّت بغداد الطَرْف عنهم سواء بإرادتها أو بتوجيهات مقابل تعاونهم مع المشروع الإيراني. لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لديها معلومات كافية حول كل ما يجري من تحركات ومخططات، ولديها دِراية كافية بطبيعة الأدوات الإيرانية في المنطقة.

 

طريق الكاشان دفعت ضريبته عدد من المناطق التي يمرُّ عبرها، ومنع سكانها من العودة إليها بعد تدمير البنى التحتية لمناطقهم. مثل "بيجي وعزيز بلد ويثرب وسليمان بيك والجزيرة" بمحافظة صلاح الدين، و"العظيم" في ديالى، ومناطق حمرين كذلك، كما حصل الأمر ذاته في مناطق بمحافظة نينوى. ويجب هنا الإشارة إلى أن مناطق ديالى "التي لم أذكرها" سبق لها إن شهدت تغييرات كبيرة وأحداث ترهيب ومجازر، أجبرت عدداً كبيراً من السكان إلى ترك مناطقهم، كما يحدث الآن في "المخيسة" وقرى أخرى، تعمل فصائل مسلحة مرتبطة بإيران على تهجيرهم قسرياً، للسيطرة على أراضي السكان هناك. 

 

وتسعى إيران إلى ربط خطوط سكك حديد وتوسيع خطوط النقل البري لتربط بين معظم محافظات العراق، لاسيما بعد السيطرة الكاملة على قضاء النخيب في محافظة الأنبار وضمِّه إلى محافظة كربلاء، لموقعه الجغرافي المهم حيث يقع على الشريط الحدودي مع السعودية، وتم إنشاء مقارَّ لفصائل مسلحة مرتبطة بها هناك. ولربط الأنبار بنطقة استراتيجية مع الفرات الأوسط تمت السيطرة على منطقة "العويسات" بأطراف عامرية الفلوجة بعد تهجير سكانها بالكامل، للربط بين الأنبار وبابل ومناطق جنوب العاصمة. ولعزل المنطقة بالكامل تم الاستيلاء على ناحية جرف الصخر في بابل وتهجير جميع سكانها. وبحسب مسؤولين حكوميين ونواب فإن المناطق التي مُنع سكانها من العودة إليها أنشئتْ فيها سجونٌ سرية ومعسكرات تدريب ومصانع سلاح، إضافة إلى زرع حشائش مخدِرة لتسويقها في العراق وخارجه، حيث تعد تلك المناطق أراضيَ خصبة للزراعة ومحاذية لنهر دجلة.

 

هل واشنطن جادة في قطع طريق الكاشان ووقف مخطط طهران، لإنشاء شبكة طرق وسكك حديد في العراق لتسهيل تحركاتها؟ أم أن الإيرانيين ووكلاءهم يعملون بعلم الولايات المتحدة وبيقين عدم الجِدِّيَّة أو غضِّ الطرف عن مشاريعهم طويلة الأمد في العراق، لا سيما أن المشتركات كثيرة ليس آخرها التعاون العسكري المشترك ضد داعش، والاعتراف بانتخابات يعلم الجميع أنها زُوِّرَت وتم التلاعبُ بها لصالح جهات سياسية موالية لطهران.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.