شعار قسم مدونات

فشل الثوار الأفغان أحرج وأضعف التيار السلفي في حماس

blogs الشيخ عبدالله عزام

ختمت المقال السابق (حماس والدخول تحت عباءة القرضاوي) بالسؤال عن ردة فعل التيار السلفي داخل حماس على هيمنة آراء وفتاوى القرضاوي على فضاء الحركة وتحوله إلى مرجعية… والحقيقة أن ثمة أسباب عدة قوية جعلت التيار السلفي يتقهقر، بل حتى بعض رجالاته وكوادره صاروا يأخذون بلا حرج بآراء وفتاوى القرضاوي؛ وسأستعرض في هذا المقال والذي يليه بمشيئة الله أهم هذه الأسباب والعوامل، وأبدأ بسبب قذفته جبال أفغانستان ووديانها ومجاهديها.

 

تعلق وانشغال مبالغ فيه بالمجاهدين الأفغان

كان هناك ملصق للكتلة الإسلامية الذراع الطلابي للإخوان المسلمين في فلسطين (لحماس لاحقا) يجسد صورة مجاهد أفغاني يركب دراجة تحت شعار (من كابول إلى بيت المقدس) أو عبارة قريبة من هذا المعنى. حقيقة انشغل الإخوان الفلسطينيون قبل وبعد تأسيس حماس بالمسألة الأفغانية، وعملوا على ربطها بقضية فلسطين، لدرجة أن ذراع حماس العسكري في الضفة الغربية كان قد حمل اسم (كتائب الشهيد عبد الله عزام) فكون د. عبد الله عزام فلسطيني ومن الضفة الغربية، وقاتل الاحتلال الصهيوني في ستينيات القرن العشرين، قبل أن ينتقل بعد الغزو السوفييتي إلى أفغانستان، وهو من الإخوان المسلمين، جعل حماس تخلق رابطا بين القضيتين ليس فقط في البعد الإسلامي النفسي العام، بأن أرضين مسلمتين وشعبين مسلمين قد أصابهما كرب واحتلال وقتل وتهجير، بل كان هناك نوع من التنظير والأمل الممزوج بأساطير بأن المجاهدين الأفغان ومن معهم من العرب سيتوجهون إلى محاربة الكيان العبري بعد خلاصهم القريب من الاحتلال السوفياتي.

 

دور وتأثير د. عبد الله عزام
العلاقة قوية جدا؛ فمن سوّق وروّج لأفغانستان كانوا من هذا التيار السلفي في حماس، وقد أدرك بعضهم ممن انخرط في أقوى عمليات المقاومة أن ما تجنيه الحركة من (الفلسطنة) وتركيز المقاومة خير وأجدى من التعلق بالوهم الأفغاني

وقد عزز هذا التفكير خطب ومحاضرات وكتب د. عبد الله عزام بربطه بين فلسطين وأفغانستان بشتى الأبعاد الإسلامية والجهادية، وروجت حماس أن من مؤسسيها وزارعي شجرتها كان عبد الله عزام. والحقيقة أن ما نشر وصار معروفا عن كيفية وملابسات تأسيس حماس في غزة والضفة لا يشير إلى دور يذكر لعزام في التأسيس.. فهذه أسطورة جرى غرسها في عقول الجيل الحمساوي السابق! ولكن حماس لجأت إلى تصعيد ميداني مع الاحتلال في الذكرى السنوية لاغتيال عبد الله عزام، وحرص إعلامها على الإيحاء المباشر أن من اغتال عزام هو الموساد الإسرائيلي، لأن الرجل كان يريد نقل المعركة إلى فلسطين.. طبعا هنا لست في معرض تأكيد أو نفي مسئولية الموساد عن الجريمة. كما أن حماس حرصت على ترويج كتب عبد الله عزام ووصيته والحديث المكثف عنها من على منابر المساجد التي كانت إجمالا تهيمن عليها؛ بل إن الكاتب (حسني أدهم جرار) وهو من أبرز منظري إخوان الأردن وفلسطين، أصدر سلسلة تحمل عنوان (أحداث القضية الفلسطينية خلال ستين عاما) منها كتاب يحمل عنوان (الشهيد عبد الله عزام رجل دعوة ومدرسة جهاد).. لاحظ الربط بين فلسطين وأفغانستان. كما أن حماس حرصت على عرض وترويج أشرطة فيديو للمجاهدين الأفغان وعملياتهم، ومعاناة الشعب الأفغاني، ويظهر فيها د. عبد الله عزام باللباس الأفغاني المعروف وهو يحمل السلاح ويتحدث بحماسة عن أفغانستان والجهاد فيها.

 

قداسة واختلاط الحقيقة بالوهم

وطبعا كتاب عبد الله عزام (آيات الرحمن في جهاد الأفغان) متبوعا بإضفاء هالة من القداسة على المجاهدين الأفغان من قبل كوادر وقادة حماس؛ خاصة من عاشوا في الخارج، وجعلهم بمرتبة تشبه مرتبة مجاهدي الصحابة والتابعين، وأن الإسلام الحقيقي يتجسد في أهل تلك البلاد ومجاهديها، خلق نوعا من اختلاط الحقيقة بالواقع، في زمن ما قبل ثورة الاتصالات والمعلومات. وكما قلت حماس أسمت جناحها العسكري باسم عبد الله عزام في الضفة الغربية، قبل تغيير أو توحيد الاسم مع غزة إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، كما افتتحت مساجد تحمل اسم عبد الله عزام بإشراف حمساوي مباشر. أضف إلى ذلك ما تحدث به (سياف) و(حكمتيار) عن دعم فلسطين وانتفاضتها وغير ذلك.

 

ساعة الحقيقة وانهيار الحلم وانكشاف الوهم

كل هذا التعلق النفسي، والأمل بجعل أفغانستان قاعدة انطلاق للمشروع الإسلامي، والحلم الرومانسي بجحافل مجاهدي الأفغان يدخلون المسجد الأقصى، انهار تماما بعد سقوط حكومة نجيب الله في 1992 ودخول المجاهدين إلى كابول، والذين ما إن دخلوا حتى أشهروا السلاح في وجه بعضهم، وظهرت الانقسامات الحادة بينهم وأخذت طابعا دمويا عنيفا مزق البلاد وأدخلها في دوامة الحرب الأهلية. وحاول الإعلام القريب من حماس التقليل من شأن خلافات المجاهدين في البداية، وروّج إلى وجود مؤامرة ترعاها بعض الدول، ولكن الصورة كانت أفظع من أن يتم تغطيتها بمثل هذه التحليلات.

 

هنا أسقط في يد الحالمين داخل حماس بنصرة أفغانية، هي كانت وهما صدقوه وأقنعوا به قواعدهم، وسعوا إلى تصديره إلى الشارع الفلسطيني؛ هذا الشارع الذي لم يقتنع عموما بهذا التعلّق بأفغانستان الذي كان علامة وماركة مسجلة لبعض قادة وعناصر حماس؛ لأن الناس ببساطة يرون أن تلك البلاد بعيدة ولا حدود بينها وبين فلسطين، وبأن الأمر هو صراع أمريكي-سوفييتي جرى فيه توظيف الجهاد والمجاهدين.. ولأن النتيجة كانت أسوأ سيناريو يمكن تخيله.

 

ومن حسن حظ حماس أن هذا السيناريو كان قد أتى في ظل هزيمة عربية نكراء وانقسام عربي حاد بسبب أزمة احتلال صدام للكويت وما تلاه؛ ولأن حماس كانت قد بدأت توجه ضربات مركزة وموجعة لجيش الاحتلال ومستوطنيه، فرفع الحرج عنها خاصة أمام خصمها السياسي، وعامة الناس الذين نسوا أو تناسوا تسويق الجهاد الأفغاني في فلسطين كأمل بل كحل، فزاد تأييد وتعاطف الجمهور مع حماس بسبب عملياتها، وهو تعاطف لم تحصل على معشاره وهي منشغلة بمحاولة تعليق قلوب الناس بنصر قادم من جبال أفغانستان يحمله سيّاف ورباني وحكمتيار! الآن ما علاقة هذا الشرح بتراجع التيار السلفي؟

 

المرجعية الجديدة ضرورة بعدما حلّ بأفغانستان

العلاقة قوية جدا؛ فمن سوّق وروّج لأفغانستان كانوا من هذا التيار السلفي في حماس، وقد أدرك بعضهم ممن انخرط في أقوى عمليات المقاومة أن ما تجنيه الحركة من (الفلسطنة) وتركيز المقاومة خير وأجدى من التعلق بالوهم الأفغاني. أما القواعد -عموما- فمن إحباطها منهم لن تأخذ منهم ولو فتوى تتعلق بأحكام الوضوء، إلا على مضض وببالغ الحذر، وبالتالي فإن البحث عن مرجعية فقهية جديدة صار أمرا ملحا، فكان القرضاوي ليس فقط مرجعية فقهية بل فكرية-حركية لأنه كان قد أصدر في تلك الفترة كتابه (أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة).. لقد كان اقتتال وفشل فصائل الثوار الأفغان من أقوى عوامل تقهقر التيار السلفي في حماس، ولا أبالغ إن قلت إن من هذا التيار من خرج عن سلفيته.. ناهيك بالطبع عن صعود نجم د. حسن الترابي بعد تحالفه مع البشير، وهو أيضا صار مرجعية فكرية أكثر منه فقهية.. وأكمل في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.