شعار قسم مدونات

وتبقى خيرة الله دوما أجمل من أمانينا

blogs دعاء

لكل منا أهداف وأماني وأحلام ورغبات في هذه الحياة ندعو الله ليحققها لنا ونعمل جاهدين لتحقيقها كي نشعر بالنجاح والانجاز والرضا، لكن الكثير من هذه الأهداف والأمنيات لا تتحقق فنصاب بالإحباط ونقوم بجلد أنفسنا بدون رحمة وفي كثير من الأحيان نسيء الظن بالله الذي دعوناه صادقين خاشعين فنسخط على أنفسنا وقدرنا وكل حياتنا الدنيا، لكن هل حقا جلد أنفسنا على ما فقدناه أو لم نحصل عليه هو الحل؟ هل حقا فعلا الله تعالى لم يستجب لكل أدعيتنا الصادقة؟

  

نحن لم نخلق عبثا بل خلقنا لمهمة معينة وهي عبادة الله تعالى في هذه الأرض، أعطانا من النعم ما لا يعد ولا يحصى كما أرسل الرسل لإبلاغ رسالته ومنحنا العقل لنختار بحرية الطريق الذي نريد أن نسلكه شريطة أن نتحمل مسؤولية اختياراتنا يوم الحساب مع وعده لنا أنه لن يظلمنا مثقال ذرة.

  

رغم عدم تحقيق هدفنا فقد صرنا أشخاصا أفضل وأكثر نضجا وهذا أيضا أعتبره فوزا عظيما يجب أن نقدره ونرضى به

طوال حياتنا وفي سبيل أهداف معينة ندعو الله ونرجوه ونسلك كل السبل والأسباب الممكنة لتحقيق هذه الأهداف فنجد أنفسنا في نهاية المطاف محبطين من خسارتنا وساخطين على عدم استجابة الله لأدعيتنا، فنفسنا الأمارة بالسوء تمنعنا من اليقين أن الله يحبنا أكثر من أمهاتنا وأنه يسمع إلحاحنا في الدعاء وأنه حريص علينا أكثر من أنفسنا لذا استجابته لدعائنا إن لم تكن كما نريد نحن فهي كما يريد لنا عز وجل إما درء خطر قد يدمرنا أو ادخار ليوم الحساب لأنه أعلم بالغيب ويرى ما لا نراه، هوى أنفسنا ينسينا دائما سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي عاش أطيب حياة لكنها لم تخل من ابتلاءات لا نقو نحن اليوم على تحملها، عقولنا القاصرة لا تتقبل أن الدنيا لم تكن يوما دارا لتحقيق الأهداف والأمنيات كما لم تكن دارا لاستيفاء الجزاء بل هي دار عمل وامتحان من أجل رضا الله والجنة.

 

أتذكر جيدا خلال سنوات دراستي الإعدادية والثانوية حلمي أن أصبح طبيبة وكم عملت لأجله وكم دعوت الله أن يعينني على تحقيقه لكنني رغم ذلك لم أستطع حتى ولوج كلية الطب والشروع في تحقيق الحلم المنتظر، فقد كانت ضربة قوية بالنسبة لي حينها كادت تعصف بمستقبلي في إحدى لحظات الضعف التي مررت بها، لكن بعد دراستي في المجال الذي لم أختره ولم أفكر فيه يوما أيقنت أنني رغم شغفي وإرادتي وعملي لأصبح طبيبة كان اختيار الله لي أجمل من أمنيتي تلك وأنني لو عادت بي السنوات للوراء كنت سأختار ما اختاره الله لي.

  

لكن لماذا لا ندرك حسن اختيار الله لنا إلا بعد أن تثبت لنا الأيام والسنوات صحته؟ لماذا لا نشعر بهذا اليقين لحظة وقوع البلاء بنا؟ الصبر والاحتساب عند الله تعالى لحظة وقوع البلاء أو الفقد ليس بالأمر الهين لكنه أيضا ليس بالأمر المستحيل، الأمر يحتاج الاستعانة بالله تعالى والإيمان التام أن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها وأن الصبر والتدريب المستمر ومجاهدة النفس في مختلف مواقف حياتنا حتى البسيطة منها هو الحل للوصول لمرتبة الرضا باختيار الله لنا، والتسليم التام أنه بعد الدعاء والأخذ بالأسباب لا يبقى لنا إلا الرضا بما قدره الله لنا والعمل الدائم على طاعته ورضاه عنا.

 

كما أننا دائما ما نغفل أنه رغم عدم وصولنا إلى الهدف المنشود فإننا في طريقنا إليه ومحاولاتنا لتحقيقية تعلمنا الكثير، واكتسبنا خبرات قد تنفعنا في حياتنا، دعونا الله كثيرا ومارسنا عبادة الدعاء بكل صدق، باختصار رغم عدم تحقيق هدفنا فقد صرنا أشخاصا أفضل وأكثر نضجا وهذا أيضا أعتبره فوزا عظيما يجب أن نقدره ونرضى به، فمهما حدث في حياتنا ومهما فقدنا من أمنيات فلنتذكر دائما أن خيرة الله تبقى دوما أجمل من أمانينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.