شعار قسم مدونات

ما هي الآثار الإيجابية للتغيير على حياتنا؟

blogs تأمل

وجدت من الضروري تغيير السكن الذي نزلتُ فيه أول قدومي إلى اسطنبول قبل عام، ورأيت لهذا التغيير أثراً كبيراً في حياتي ونفسيتي وحتى طبيعة تعاملي مع الأشياء والأشخاص من حولي، رغم أني كنت قد غيرتُ المحافظة قبل عامين من هذا القرار، حين انتقلت من مدينة غازي عنتاب الهادئة، إلى اسطنبول الصاخبة بالحياة والحركة، كل شيء تغير ما بين هاتان المدينتان، رغم أني أكنُ لعنتاب كل الود والحب، فلي فيها مواقف جميلة على قلتها لكنها رسمت أثراً في قلبي ومسيرتي في الحياة.

بعد ستة أشهر انتقلت إلى شقة أخرى تختلف من حيث المكان والسكان، وكان يصحبني فيها زميلان في العمل، يختلفان في التوجه والاهتمامات، مكثت فيها ما يقرب ثلاثة أشهر ثم تركتها، ورجعتُ لسكني في الفاتح، ربما حبي للمنطقة ولقربها من قلبي، وكثافة أهل الشام فيها حيث اللطافة والرقة، أو كما يقول العمري: "نصف لطافة العالم في أهل الشام"، وما زلت إلى هذه اللحظة أسكن فيها، على مستوى السكن لم استقر في هذه السنوات كثيراً في مكان، فضلاً عن رحلاتي عن العراق بين الفينة والأخرى.

أنت في نهاية المطاف تستطيع أن تعيش حياة من دون تغيير، وتكون سعيداً ومستمتعا، لكن ستعيش حياة هادئة خالية من الإثارة والدهشة، هل شاهدت يوماً فيلم أكشن من دون لقطة رومانسية

في الشقةِ نفسها لا يعجبني استقرار الأشياء في مكانها، أو كما كنت أفعل في مكتب أبي في جامعة الشهيد، عندما أغير له ديكور المكتب كل شهر أو شهرين، فيرى المكان بصورة أخرى، وربما كان لسنوات بحالة واحدة، يعجبني التغيير بشكل مستمر، ويعجبني الانسجام مع المتغيرات، فمنذ بداية حياتي أسير مع عادة المجتمع بلبس الثياب فلبست ما يلبسون، رغم أن نظرتي مختلفة للأشياء، استقرار الأشياء بمكانها قد يهبك الراحة أنها ثابتة ومستقرة، لكن هذه الراحة مؤقتة ونسبية ومعرضة للزوال لا محالة، لماذا تترك التغيير لسنن الكون بدل أن تبادر أنت لتغييرها وإضافة لمستك عليها.

التغيير يؤثر حتى على نفسياتنا، قبل أقل من شهر، وجدتُ نفسي مكتئباً جداً، وحالتي يرثى لها، لا أدري من أين جاءت هذه العموم مجتمعة، وتراكمت فوق رؤوسنا، مرت الأيام على هذه الحالة إلى أن ذهبت إلى الحلاق، فرتب شعري ولحيتي وخرجتُ وكأني أسعد إنسان في الدنيا، ثم وقفتُ قليلاً أين الهم الذي كان موجوداً قبل ساعة من الآن، إلى أين ذهب يا ترى! وكيف لتغيير بسيط فيك استطاع أن يصرع شبح الهم فيرديه قتيلاً، أهكذا يكون للتغيير أثراً كبيراً في حياتنا، ومردود إيجابي على شخصيتنا.

هل جربت أن تذهب إلى دكتور لأجل مرض ألمَ بك، فتجدهُ يكتشف لك أمراض لم تسأل عنها ولَم يكن لك علم بوجودها، فتسرعُ في علاجها، تخيل أنك في التغيير قد تكتشف كثيراً من السوء في شخصيتك وأكوام من السلبيات في ذاتك، لم تكن تستطيع اكتشافها لو لا حركة بسيطة قمت بها، إلا وهي زيارتك إلى الدكتور، أو ذهاب إلى مستشفى، التغيير صعب لكنه ليس مستحيلاً، وجرب أن تقرر تغيير شيء واحد لتجد مردودات كبيرة في حياتك وحياة من معك، وسيجد أهلك ومن حولك أثر ذلك عليك.

أنت في نهاية المطاف تستطيع أن تعيش حياة من دون تغيير، وتكون سعيداً ومستمتعا، لكن ستعيش حياة هادئة خالية من الإثارة والدهشة، هل شاهدت يوماً فيلم أكشن من دون لقطة رومانسية، هل رأيتَ مسلسلاً من دون قصة حب، هل قرأت رواية من دون بطل، التغيير هو بمثابة قبلة عابرة تجد أثرها في شفتيك ولو بعد مئة سنة من ذكراها، في السكون أنت رابحٌ لا محالة، في التغيير ثمّة خسارة محتملة، لكن أثر الدهشة والإثارة سيبقى معك، كأثر القبلة في شفتيك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.