شعار قسم مدونات

فيلم The Shawshank Redemption.. أن تفشل بأرقى طريقة ممكنة!

BLOGS THE SHAWSHANK REDEMPTION

"عندما شاهدت الفيلم للمرة الثانية، زاد أعجابي به أكثر، فأحياناً حبنا لفيلم ينمو ويزداد من خلال الألفة، كما هي الحال مع الموسيقى. والبعض يقولون أن الحياة عبارة عن سجن، فإن كان كذلك فنحن (ريد)، و(آندي) هو مخلصنا". روجر إيبرت.

بالكثير من الأسى، يقف المخرج فرانك داربونت أمام صالة السينما الفارغة والتي كانت تعرض فيلمه الحديث "الخلاص من شاوشانك"، فالمخرج المجري الذي جرب ويلات مخيمات اللاجئين على الحدود الفرنسية وتلبس بمعاناة النفس البشرية المسجونة وتشبتها بالأمل لم يكن يتوقع أن يفشل فيلمه الذي يحكي عن الأمل هذا الفشل الذريع لدرجة ايقافه للناس في الشارع واغواءهم باسترداد أموالهم إن لم يعجبهم الفيلم. الفيلم ذو الثلاث ساعات كان خاليا من مظاهر الحركة والآكشن التي وسمت فترة التسعينات وعُرض تزامنا مع فيلمي pulp fuction وforeest gump الناجحان جماهرياً، لذلك فقد كان محكوما عليه بالفشل ولم تحقق إيراداته مجرد ثمن التصوير!

إرهاصات الفشل لم تبدأ فقط مع عرضه، بل ضهرت منذ بدايات اختيار الممثلين، فعند عرض دور البطل على توم كروز، رفض في الحال بعد علمه أن فرانك درابونت ذو التجربة الإخراجية الصغيرة هو الذي سيقوم بإخراج الفيلم، هذا الرفض تكرر أيضا مع توم هانكس ونيكولاس كيدج. ممثل واحد فقط كان بذرة الأمل لفرانك درابونت، كان هو مورغان فريمان الذي أُغرم وتحمس للسيناريو لدرجة استعداده للعب أي دور، ويقول فريمان: "الخلاص من شاوشانك كان ممتعا  لهذا اتصلت بوكيلي وقلت له أن يوافق على أي دور معروض علي". وبالرغم من أن ريد في القصة الأصلية للفيلم -والمقتبسة من قصة بعنوان ريثا اورا والخلاص من شاوشانك للكاتب ستيفين كينغ- شخص ايرلاندي شعره أحمر، إلا أن درابونت رأى أن مورغان فريمان بصوته الذهبي يصلح لأداء هذا الدور، وفي الفيلم تظهر لقطة ساخرة بين البطلين حين يتسائل أندي عن سبب تسميته بـ red (أحمر) فيسخر ويقول "ربما لأنني ايرلاندي". وعن دور البطل أندي وبعد رفض العديد من الممثلين الدور -المؤكد أنهم نادمون الآن- فقد اقترح مورغان فريمان الممثل المغمور تيم روبنز الذي يشتغل كموسيقي، ووافق في الحال بعد حبه الشديد للسيناريو.

الأمل شيء خطير
بعد انتهاء الحفل تساءل الناس عن هذا الفيلم الذي رُشح لسبع جوائز فبدأ الناس بإقتناء شرائط الفيديو بدافع الفضول، وهنا وقعت القفزة وأُصيب الناس بعدوى الخلاص من شاوشانك، وفي غضون أشهر صار الفيلم الأعلى تأجيرا من متاجر الفيديو

يصف ريد صديقه أندي بأنه شخص حالم يتشبت بالأمل وبأن الأمل شيء خطير يطيل عذاب الأنسان، هذا التشبت بالأمل هو ما جعل المخرج فرانك يمني النفس بأن فيلمه سينجح في شباك التذاكر. فحين وافق  الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ على بيع حقوق قصته -التي لم يكن يرى فيها مقومات فيلم- لفرانك بثمن بخس يقدر بـ 5000 دولار استطاع المخرج توحيلها لسيناريو بإدخال عدة تعديلات على الحبكة والقصة، كانتحار العجوز بروك الذي صار مشهدا سينمائيا ايقونيا، وإغلاق أندي لباب المكتب وتشغيله الموسيقى بالبوق لباقي النزلاء، وعندما انتهى من كتابة السيناريو، أُعجب به ستيفن كينغ: "أنه عمل رائع وبديع ومذهل حقا".

لكن الصراع آنذاك كان في البحث عن استوديو يقبل تمويل وتصوير الفيلم نظرا لفقدان أفلام السجون لبريقها في تلك الفترة وصعود أفلام الحركة، وفي النهاية استطاع فرانك أن يجد منتجا لفيلمه وهي ليز كلوتوز إحدى منتجات استوديو "كاسل روك" المولوعة بأفلام السجون والفرار، والتي وصفت السيناريو بأنه أعظم سيناريو قرأته في حياتها. تجمعت عدة عراقيل كقلة التمويل والبحث عن مكان التصوير وكادت أن تُجهض الفيلم في رحمه، وكادت أن تحرم العالم من أيقونة سينمائية تتربع الآن على عرش أفضل الأفلام على الاطلاق في لائحة imdb وأنجحها جماهيريا. وحتى بعد خروج الفيلم  لم يحقق نجاحا يُذكر، لذلك قام كاتب الرواية بإعادة المبلغ الذي تقاضاه من مخرجه بعد أيام من عرضه مع رسالة قال فيها ممازحا: "في حال احتجت مالا للكفالة.. مع حبي". وبالعودة لفرانك الواقف أمام صالة العرض الفارغة منتظرا المشاهدين فلعله كرر مقولة ريد بأسى: "الأمل يطيل عذاب الإنسان..".

الأمل هو الشيء الوحيد الذي يُبقينا أحياء

حينما لخص ريد مفهوم الأمل لصديقه اندي، لم صمت هذا الأخير بل أجابه قائلا: "الأمل هو الشيء الوحيد الذي يُبقينا على قيد الحياة". عندما انتهى التصوير الذي استمر لثلاثة أشهر بإصلاحية مانسفيلد المهجورة بولاية أوهايو، اضطر المخرج لحذف بعض المشاهد لتقليل مدة العرض، فعلى سبيل المثال يوجد مشهد يتضمن عثور المساجين على غراب بروكس ميتا ودفنه وإعداد جنازة له، كما يوجد مشهد آخر يُصاب فيه ريد بنوبة هلع في المتجر بسبب البشر والاضاءة ويهرب للحمام الضيق الذي يُذكره بالسجن.

وبعد الفشل الذريع، تغير قدر الفيلم لينتشر انتشارا لم يكن فرانك ليتخيله حتى في أفضل أحلامه. شعاع الأمل الأول كان بعد سنة من عرض الفيلم، في فبراير 1995 حيت رُشح الفيلم لسبع جوائز أوسكار، فذهب فرانك لحفل التتويج وكله أمل في جائزة واحدة على الأقل تجبر ضرر شباك التذاكر، أُعلن عن الجوائز، ولم يُذكر الخلاص من شاوشانك في أي واحدة منها، وبذلك اعتقد فرانك أن فيلمه فشل للأبد.
جوائز الأوسكار التي دائما ما أثارت الجدل بتتويجاتها التي لا ترضي المشاهدين، كانت السبب في شهرة الفيلم جماهيريا، وربما خلقت لنفسها عدوا وهميا فكلما تُوج فيلم بالأوسكار إلا وسارع منتقدوه لمقارنته بالخلاص من شاوشانك والضرب في مصداقية الأكاديمية التي لم يُتوج أعضاءها هذا الفيلم العظيم.

وبعد انتهاء الحفل تساءل الناس عن هذا الفيلم الذي رُشح لسبع جوائز فبدأ الناس بإقتناء شرائط الفيديو بدافع الفضول، وهنا وقعت القفزة وأُصيب الناس بعدوى الخلاص من شاوشانك، وفي غضون أشهر صار الفيلم الأعلى تأجيرا من متاجر الفيديو وبدأ يُعرض على قنوات تلفزيون الكابل بشكل متكرر، ويقول مورغان فريمان: "في أي يوم تفتح فيه التلفاز ستجد الفيلم يُعرض، لم يكن انتشار الفيلم مثل نمو الأعشاب السريع، بل كشجرة السنديان.. تتفتح ببطء". وتعرف الناس عن أندي الذي يمتلنا كلنا، مهما كانت محننا أو فشلنا في العلاقات أو الوظائف ومهما كانت ظروفنا مريعة إلا أن بداخلنا حرية ستوصلنا يوما ما لذلك الشاطئ الدافئ، وكما يقول ألبير كامو: في غمرة الشتاء أدركت أن بداخلي صيفا لا ينضب".

عن واحد من أفضل الثنائيات في السينما

قد يبدو من عنوان الفقرة أن الحديث سيكون عن اندي دوفراين وصديقه ريد من الفيلم، لكن بالرغم من أنهما من أعظم الثنائيات في السينما إلا أن الحديث هنا سيكون خارج إطار العرض، إنهما فرانك داربونت وسيتيفن كينغ، فبسببها اغتنت السينما العالمية بأفلام أيقونية أبرزهما فيلم الخلاص من شاوشانك وفيلم the green mile. وبداية هذه العلاقة كانت حينما رخص ستيفن كينغ حقوق قصته "المرأة في الغرفة" للمخرج الشاب الذي يقف على هاوية الإفلاس لقاء دولار واحد فقط! وبعد عشق ستيفن للفيلم قرر بيعه قصة الخلاص من شاوشانك لتحويلها لفيلم، وبعد النجاح المنقطع النظير، عاد ليخول له ترجمة روايته الميل الأخضر لفيلم يحمل نفس العنوان يحكي عن  حياة ضباط سجن بين المسافة التي تفصل حجرة الإعدام عن السجن وقصة جون كوفي الضخم المتهم بجريمة قتل والذي ترسخ دوره هو الآخر في ذاكرة محبي السينما. أما آخر عمل جمع بين ستيفن وفرانك هو فيلم السديم the mist سنة 2007، متوجين بذلك واحدة من أعظم ثنائيات الكاتب والمخرج التي بصمت هووليود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.