شعار قسم مدونات

بعد التظاهرات.. هل ينقلب الجيش المصري على النظام؟

BLOGS مظاهرات مصر

يتسأل البعض حول من يقف خلف محمد علي من داخل الجيش المصري، ومن يقدم له العون والدعم، مؤكدين أن الرجل لا يعمل منفردا، بل يتحرك بناءا على خطوات مدروسة بعناية، وذلك بالاتفاق مع رجال نافذين يخططون للإطاحة بالنظام، مدافعين عن نظريتهم بأن هناك ضباط غير راضين عن آداء السيسي ومن حوله، ويسعون إلى فضح ممارساته أمام الجماهير، ليشكلوا بهم غطاءا شعبيا يسمح لهم بالتحرك لاحقا. ذهب أنصار ذلك التساؤل إلى أن رجال سامي عنان من الضباط الشرفاء، في طريقهم إلى الانقلاب على السيسي، بعد أن ضيع مقدرات البلاد، وأفقر الشعب، وأنفق إيرادات الدولة على مشروعات وهمية، لا تصب في مصلحة المواطنين، بخلاف نفقات أسرته التي فاقت الملايين.

وبعد أن سمح الجيش للمعارضين بالتظاهر، وبعد تداول العديد من الأخبار التي تؤكد الإفراج عن كافة من اعتقلتهم الداخلية خلال التظاهرات، يتسائل البعض هل يتآمر الجيش على النظام الحاكم، وهل يسعى أحد القيادات النافذة إلى التخلص من السيسي، ليعيد لمصر مكانتها الدولية والمحلية، وينقذ المصريين من براثين الفقر التي تلتهم كرامتهم وإنسانيتهم، بعض المؤشرات قد تأخذنا إلى هذا الاتجاه ورغما عن ضعف أدلتها إلا أنها مطروحة بقوة بين كافة الأطراف المؤيدة والمعارضة. ووسط كل هذه التساؤلات يستمر رجل الأعمال والفنان المصري محمد علي في ضرب مصداقية السيسي أمام أتباعه، وتقطيع شباك الوهم التي نسجها النظام حولهم، محدثا حالة من التخبط بين صفوف رجال الحكم، وهذا ما أكدته الاستجابة الواسعة من آلاف المصريين لدعواته إلى التظاهر، والمطالبة بإسقاط النظام.

خرج محمد علي معقبا على خطاب السيسي، متهما إياه بأنه ورجاله السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب، ومؤكدا أن نظامه يستغل هذه القضية لتخويف المصريين، واتخاذها ذريعة لقمع من يطالب بالإصلاح، أو محاسبة الفسادين

خرجت جموع الشعب المصري الغفيرة إلى الشوارع في مختلف المحافظات، تطالب برحيل السيسي، غير ملتفتة لمن يدعم من، أو من يخطط إلى ماذا، فهي تطالب بما طالبت به ثورة يناير المجيدة "عيش حرية عدالة اجتماعية"، ومثل هتاف الشباب صفعة على وجوه الجنرالات، فصوتهم الهادر خرج ليزلزل المعتقدات بأن الأمر استتب والشعب خنع لقبضتهم. لم يكن شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، مجرد هتاف صدحت به جموع المصريين، بل مثل أيقونة بدأت منذ 2011 ولم تنتهي حتى الآن، وسطر الشعب مشاهد ملحمية جمعتهم على قلب رجل واحد، لم يرفعوا شعار حزب أو جماعة، ليثبتوا للعالم أجمع أن ممارسات النظام طوال سنوات مضت لن تستمر طويلا، ففي لحظة تنهار أحلامهم بأيادي البسطاء، وبمساعدة الطغاة أنفسهم.

جاء حديث السيسي في مؤتمر الشباب، ليعزز ما بدأه محمد علي في "فيديوهاته" التي لاقت صدى كبير بين أوساط المصريين، واهتمام عالمي من كبريات المؤسسات الصحفية، فبعد أن نشرت صحف غربية عالمية مقتطفات من الاتهامات الموجه للنظام، لم يعد السيسي مطالبا بالرد على المصريين وفقط، بل أيضا من الضروري أن يواجه الغرب، الذي يرى فيه حاكما فاسدا مستبدا، ضيع مقدرات بلاده وأهدر كرامة شعبه. وأكد التفاعل غير المسبوق مع وسم (كفاية بقي يا سيسي) الذي جمع أكثر من مليون مشاركة في ساعات معدودة، واستخدم النظام طرقه الملتوية لإزالته، أن الشعب ضاق ذرعا بما يفعله النظام، فلاحقت التغريدات والتعليقات والدعوات الرافضة، أحلام رجال الحكم، وحرمتهم من فكرة الاستقرار على عرش مصر للأبد، مما دفعهم إلى إعلان حالة الطوارئ والتعامل بقسوة مع كل من يضبط وهو يعبر عن رأييه ولو بكلمة على فيس بوك أو تويتر، وبالرغم من ذلك خرجت الجموع لتعلن تمردها عليهم.

وقدمت تصريحات السيسي في مؤتمر الشباب فصلا جديدا من الإثارة، لا سيما بعد اعترافه أمام الجماهير، بكثير من الإتهامات التي روجها محمد علي، فقد أقر الرئيس علنا ببناء قصور رئاسية واستراحات تكلفت ملايين الجنيهات، وأكد أن الجيش يتعامل مع آلاف المقاوليين في البناء والتشييد، متغافلا الحالة الاقتصادية المعدمة التي يعيشها غالبية أبناء الشعب، متحججا أنه يبني دولة جديدة ستبهر العالم. ولم يمتلك القدرة على نفي بناء مقبرة لوالدته كلفت ميزانية الدولة الملايين، دون أن يتطرق إلى الجهة التي تحملت نفقاتها، وبعد كل ذلك أقسم مرارا متكرارا أنه شريف وطاهر اليد، مذكرا المصريين بالإرهاب المحتمل الذي قد يحول حياتهم إلى جحيم، ومؤكدا أنه حائط الصد لذلك الخطر، وعليهم عدم الخوض في سمعة الجيش ورجاله من أجل مصر وأمنها.

خرج محمد علي معقبا على خطاب السيسي، متهما إياه بأنه ورجاله السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب، ومؤكدا أن نظامه يستغل هذه القضية لتخويف المصريين، واتخاذها ذريعة لقمع من يطالب بالإصلاح، أو محاسبة الفسادين، معلقا دماء هؤلاء الذين يستشهدون في سيناء ورفح والعريش من رجال الجيش والشرطة والمواطنين في رقبة النظام، الذي أهمل قيمة المصريين وألقى بهم إلى التهلكة. لم يكن يعلم الرئيس أن كلماته ستمنح فيديوهات محمد علي قبلة الحياة، وستدفع المصريين ممن كانوا يؤيدونه سابقا إلى الخروج ضده، فبعد أن بدأت تفقد بريقها لعدم تقديمه معلومات جديدة، منحه السيسي فرصة ذهبية بخطاب خلى من المصداقية، واتسم بالآداء التمثيلي الباهت الذي كشفه المصرييون سريعا، دافعا إياهم دفعا إلى انتظار رد الفنان المصري، وتهيأ الجميع لسماع كلماته، واستجاب لدعوات التظاهر.

وبعيدا عن فيديوهات محمد علي خرجت علينا الفيديوهات تباعا من داخل مصر وخارجها، تندد بالأحوال المعيشية للمواطنين، وتشجب حالة البذخ الذي يعيشها رجال النظام، مما أحدث حالة استنفار داخل أنظمة الدولة، لما حصده هؤلاء من متابعين ومؤيدين، حيث أعلنت وزارة الداخلية حالة الطوارئ، ومنعت إجازات الضباط، وطالبت آخرين بقطع إجازاتهم والعودة إلى العمل فورا، تحسبا لتداعيات الأمور التي تقلق النظام، لاسيما بعد ما شهدته الشوارع من تظاهرات غاضبة. وفي تعاملها المعتاد اعتقلت الشرطة بعض ممن طالبوا بالتحقيق في اتهامات محمد علي لرجال الجيش، بل اختطفت محامي مصري يدعى محمد حمدي يونس، لأنه دون على صفحته على موقع التواصل أنه ينوي تقديم بلاغ إلى النائب العام لفتح تحقيق ضد قيادات الجيش، فداهمت السلطات منزله وألقت القبض عليه، واختفى حتى كتابة المقال، وبعدها بأيام قليلة خرج ضابط شرطة سابق يدعى أحمد سرحان يسأل عن مصير يونس، ليلحق به بعد ساعات ويختفي بعد مداهمة منزله.

التحرك الشعبي هو التخوف الأول الذي قد يقلب الموازين، ويطيح برؤوس الفساد، وسواء كان محمد علي مدعوما من أحد كبار رجال الجيش أو يتحرك فرديا كما يدعي، فذلك لا يغير من الأمر شىء، لا سيما وأن الحراك الشعبي، وحالة الغضب بين صغار الضباط هما الخطر الأكبر على أمن واستمرار السيسي في الحكم، فهل يكمل الشعب مهمته الخطرة ويستمر في زلزلة عروش الطغاة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.