شعار قسم مدونات

فيلم The Artist.. حينما تنتفض السينما لنفسها

blogs the artist

الصراع ما بين القديم والجديد والعراقة والحداثة والماضي والحاضر يأخذ أبعادا أخرى في السينما، بالنظر إلى ماهية ذلك الصراع وطبيعته وارتباطه بالإنسان، ويكون له طعم آخر عندما يتناول العناصر الجوهرية للفن السينمائي نفسه والتي بتطورها تغيرت الكثير من ملامح العملية السينمائية، ويمكن أن نشير هنا إلى ثلاثة منها.

  

الحركة:

ففي بداية السينما الصامتة كان معدل سرعة الكاميرا السينمائية 16 كادر في الثانية لإيهام المشاهد باستمرارية الحركة، وبعد ذلك وفى أوائل العشرينات أصبح المعدل القياسي لسرعة الكاميرا هو 24 كادر في الثانية، وقد تم الاستقرار على هذا المعدل لأنه يزيد من جودة الرؤية وحركتها الطبيعية، وتزامن ذلك مع دخول الصوت على الفيلم السينمائي.

   

الصوت:

فقد شهد عام 1927 حق استغلال الاختراع الألماني الذي يتولى تسجيل الصوت على نفس الفيلم، وظهر نجم الغناء آل جولسون في فيلم (مغنى الجاز) وكان فيلما طويلا سجل عليه الصوت بطريقة (الفيتافون) وأحدث ظهور الصوت في الأفلام انقلابا حقيقيا في الفن السابع.

  

الألوان:

كالحركة والصوت التي صاحبت الفيلم السينمائي، لكنها لم تكن جديدة تماما على السينما، فكان كثيرا من الأفلام الفرنسية القصيرة يلون باليد كادرا كادرا، أو كانت تستخدم الألوان لإعطاء المشاهد صبغة واقعية منذ 1897، وكانت تعطى أفلام الغوطة اللون الأخضر، أو اللون الأحمر لبعض مشاهد الحريق، والأزرق لمناظر الليل، وهكذا كان يتم استخدام الألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق. ولم تكن الألوان آنذاك دقيقة ولم تكن كاملة، ولم تثر الألوان حماسا كبيرا إلا عندما بدأ المنتجون يضمنون أفلامهم مشاهد ملونة وكان أول نجاح كبير سجله الفيلم الملون هو فيلم (القرصان الأسود) عام 1926 الذي صور بكامله بالألوان تقريبا.

    

    

وفيلم (الفنان: 2011) إخراج (ميشيل هازانافيسيوس) يوضح طبيعة العلاقة والصراع بين السينما في الزمن الحالي والسينما فيما مضى، خصوصا وأنه يعتمد أدوات العمل السينمائي الحالية، وذلك عبر قصة الممثل (جورج فالنتاين/ جان دوجاردين) نجم السينما الصامتة آنذاك نراه مفعما بالحياة وساذجا ومحبوبا وذو وسامة مفرطة نراه منتشيا بنجاح أحدث أفلامه (علاقة حب روسية) حيث يؤدي دور طيار يقاتل من أجل استقلال جورجيا، إلا أن الأشرار الروس يعذبونه بالكهرباء لإرغامه على الكلام، لكنه لن يتكلم، يلتقي ذات يوم بفتاة ساذجة وسط الجموع المبتهجة بنجاح الفيلم لتطبع قبلة على خده وتكون صورتهما واجهة للصحف.

   

ثم تتقدم هذه الفتاة التي تدعى (بيبي ميللر/ بيرينس بيجو) لنيل دور مساعد في فيلم فالنتاين الجديد، وتنجح بلفت نظر المنتج (جورج آل. زمر/ جون كودمان)، بعد حين تتقدم التكنولوجيا ليدخل الصوت إلى السينما وتبدأ الأفلام بالنطق، إلا أن فالنتاين يرفضها معتقدا نفسه انه لا يستطيع الكلام، أما النجمة الصاعدة (بيبي) ترتقي أعلى سلم النجاح، وهو يقبع في شقته مع كلبه وتتركه زوجته وكل من معه إلى أن يبدأ ببيع جميع مقتنياته لتمشية أمور حياته، ثم يحرق أفلامه السابقة ويحترق معها وينجح كلبه في إنقاذه وينقل إلى المستشفى وتشرف (بيبي) على استشفاءه ويعيش في منزلها إلى أن يتمكن من الوقوف على قدميه وهناك يكتشف أنها من اشترت ممتلكاته ولا زالت تحتفظ بها جميعها، وتحاول (بيبي) أن تزرع الأمل في نفس (فالنتاين) وتستحصل موافقة المنتج على اشتراكه في دور مساعد في احد أفلامها، إلا أن (فالنتاين) يرفض ذلك في البداية لكنه يرضخ للأمر الواقع.

 

هذا الفيلم نظرة متأملة على واقع السينما وإشادة واضحة بروادها الذين بنوا صرحها على أكتافهم إلى أن أصبحت واحدة من أبرز المظاهر الثقافية والمعرفية في العالم، والممتع فيه أنه يتناول تلك السيرة بشيء من نكران الذات حفاظا على هيبة وشخصية كل المعنيين من دون تجريح حتى إننا نجد أنفسنا متعاطفين من دوافع (فالنتاين) الرافضة لدخول الصوت إلى السينما، على الرغم من وهن تلك الدوافع، مثل تلك العواطف المنغرسة في حيثيات الفيلم جعلت الجميع يتقبله بلا صوت وبلا ألوان وبحركة ممثلين تختلف عن حركتهم في باقي الأفلام، الأمر الذي يحسب للمخرج (هازانافيسيوس) الذي نجح باستثمار أدواته في رفد الفيلم بشيء من المكنون الذاتي من أجل انتشاله كيما لا يسقط بالسوقية أو التجارية الجارفة، هذا من جانب.

   

ومن جانب آخر فإنه ينجح باستخدام مفردات لغة سينمائية تنتمي إلى كلاسيكيات الزمن الماضي بأدوات حديثة تختلف كثيرا في واقعها عن التكنولوجيا الحديثة، ويبرز ذلك واضحا في طبيعة تصوير الفيلم ولقطاته وزواياها ومستويات النظر فيها، فضلا عن الدور المؤثر للموسيقى التي أوصلت ردود الأفعال بدل الحوار، ولا يمكن هنا أن نغفل الأداء الرائع للنجم الفرنسي (جان دوجاردين) بأدائه دور (جورج فالنتاين) بحركاته الكثيرة وتلميحاته السريعة والتي تستوحي كثيرا من نجوم الزمن الماضي فضلا عن تضافر ذلك مع جهود طاقم العمل الآخرين، عموما فيلم (الفنان) يحتفي بالسينما وروادها ويعيد إلى الأذهان شذا تلك الأيام الخوالي التي أرخت سدولها على السينما في الزمن الحاضر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.