شعار قسم مدونات

عمرو أديب.. عرّاب الصحافة الصفراء المستحدثة

blogs عمرو أديب

في نهاية القرن التاسع عشر ومع البداية الفعلية لظهور وسائل الإعلام في العالم والتي تتقدمها الصحافة المكتوبة باعتبارها أم الصحافة ظهر ما عرف يومها بمصطلح الصحافة الصفراء وهي صحافة تميل للإثارة والتشويق ونسبة المبيعات وعدد القراء، كان التنافس يومها شديدا بين صحيفتين عريقتين هما نيويورك وورلد وذا نيويورك جورنال حول ما عرف يومها برسوم الطفل الأصفر التي كانت تجذب القارئ الأمريكي، وظل تنافس شديدا لأعوام معدودة كحال الصحافة الصفراء التي عاشتها أيامها الذهبية حتى أن السلطة الأمريكية استخدمتها في حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي واستخدمت في الحرب الكومبية وكذلك فعل خصمها السوفيتي.

وخرج أستاذة الإعلام يومها بعنصر من عناصر الخبر هو التشويق الذي يجلب القارئ على اعتبار أن تلك الصحافة الصفراء كانت تعتمد يومها في جل أخبارها على الرسومات وأخبار الجرائم والفضائح وهي اجتماعية بحتة تغيب وتعتمد في مجملها على أخبار وقعت فعلا فلك يسبق لها أن أعلنت للجمهور عن حوار مع ضيف مهم وفي توقيت حساس وأتت بشبيه له في الاسم وإلا لكانت صحيفة مثل نيويورك وورلد وهي نيويورك تايمز حاليا قد كتبت نهايتها بيدها فالمعروف والقاعدة الثابتة لدى كل طلاب الإعلام أن العقد الذي بين الصحفي والمتابع هو المصداقية فهي رأس مال أي قناة أو وسيلة إعلامية فإذا فقد الإعلامي مصداقيته انتهى للأبد ومن الصعب عليه أن يعود كما كان.

لم يخجل عمرو أديب من فعلته حتى بعد عقود من الظهور الإعلامي والسيرة الذاتية التي تحصل عليها مهنيا بل واستخدم شماعة الإخوان مؤكدا أنه نصب فخ ليقع فيها الإعلام المعارض

بالأمس القريب وفي ظل تصاعد الأوضاع في مصر وفي توقيت حساس بالنسبة للجميع في البلاد بمن الرئيس المنقلب عبد الفتاح السيسي وعائلته وعلى رأسها نجله الذي ذاع اسمه وغابت صورته محمود السيسي خرج الإعلامي المعروف المبارك أيام مبارك والإخواني مع الأخوان أيام الرئيس مرسي الثائر مع يناير والمؤيد لحركة ثلاثين من يونيو وهو أحد أنصار انقلاب الثالث من يوليو وعمود خيمة الأذرع الإعلامية السيسي عمرو أديب على الناس ببيان أذاعته صحف معروفة بولائها للسيسي منها الوطن والفجر والقصة ضيف نوعي لبرنامج حكاية المذاع على شاشة أم بي سي مصر والمالك تركي آل الشيخ.

الإعلان كان عن ظهور نجل الرئيس ونائب رئيس المخابرات محمود السيسي طبعا الحدث سيكون مهما والجميع سينتظر الظهور الأول لنجل السيسي خاصة بعدما تردد اسمه في الفترة الأخيرة والاتهامات الموجهة إليه من طرف الناشط السيناوي مسعد أبو فجر بالوقوف وراء الإرهاب في سيناء وملف قطاع غزة وحصد ملايين الدولارات من وراء ذلك. إذا الضيف مهم عنصر رئيسي في الخبر يالها من حلقة وحوار ينتظره الجمهور ومن شو إعلامي سيحظى به عمرو أديب ومن نسبة مشاهدة منتظرة لحلقة برنامج حكاية.. فالجميع ترك كل الأحداث وأصبح هو الحدث وعليه أن يفي للمشاهد بما وعده وإلا كان فاقد المصداقية والحال ينطق على أي صحفي يحترم نفسه ومهنته.

الجميع كان ينتظر نجل السيسي لأن عمرو يمكن أن يلعب مع كل شيء وفي كل شيء إلا مع نجل السيسي ديكتاتور ترامب المفضل كما أن تاريخ عمرو أديب وإن ختلفنا معه حافل بالضيوف الاستثنائيين فهو أحد أبرز نجوم التوك شو في مصر والعالم العربي غير أن أديب فاجئ الجميع وربما تفاجئ هو نفسه في آخر لحظة، فظهر محمود السيسي آخر تابع الصيدليات 190011 وهي من الصدف تابع المخابرات العامة التي يعتبر نجل السيسي ثاني رجل فيها. لم يخجل عمرو أديب من فعلته حتى بعد عقود من الظهور الإعلامي والسيرة الذاتية التي تحصل عليها مهنيا بل واستخدم شماعة الإخوان مؤكدا أنه نصب فخ ليقع فيها الإعلام المعارض.

وما أسهله من فخ.. ما أسهل أن تعلن قناة الجزيرة أو بي بي سي عن استضافة محمد علي ثم يظهر محمد علي آخر أو تفعل أي صحيفة ذلك فالتشويق هو أسهل الأشياء في تحرير أي خبر صحفي أما المصداقية والمهنية فصعبة جدا، ذات يوم أخبرني أستاذي في معهد الصحافة وعلوم الأخبار أن الصحفي هو بياع كلام للجمهور، أصابني الذهول فسألت الأستاذ ما الفرق بين التجارة والصحافة إذا؟ رد علي الأستاذ المحنك ذو الخمسين عاما نصفها في الإعلام بأن الصحفي بياع كلام ولكن ليس كل كلام يبيعه، ليس كل ما قيل يكتب ولا كل ما يكتب ينشر ولا كل حيلة تنفع رب حيلة قتلت صاحبها، رب كذبة أنهت مسيرة عقود من العمل. ولو أن أديب كان صحفيا بمؤسسات إعلام غربية أو عربية يشهد لها بالكفاءة والمهنية لكان قبل الحلقة جالسا في بيته يتابع زميله وهو يقدم مكانه، فالدقة قبل الشهرة والمهنية قبل المشاهدة والجمهور هو رأس مال أي قناة.

ومن قال إن الصحافة الصفراء أو البروباغندا الجائزان بمنطق الإعلام يستخدم فيهما الكذب والحياة فهناك فرق كبير بين الأخبار الكاذبة fake news وبين الأخبار المشوقة والمثيرة القارئ والطريفة أذكر أنني كنت أعد نشرة أخبار ذات يوم وكانت عن الشأن المصري وصادفني خبر شدني جدا كان عنوان الخبر مصرية تنقذ جنود البنتاغون تاريخ الخبر كان متزامنا مع تاريخ الحادي عشر من سبتمبر غير أن العام 2019 عنوان الخبر شدني ولم يخطر ببالي أن الخبر متعلق بالحدث، حين فتحت الخبر صدمت بأن الحادثة وقعت عام 2001 والحدث هو تقرير جديد للمخابرات الأمريكية في العام 2019 يتحدث عن فتاة مصرية أنقذت البنتاغون 2001 غير أن العنوان يدفعك لتوقع حادثة أخرى في العام الجاري.

شخصيا اعتبرت الخبر مخادعا وغير دقيق واختلفت مع زملائي المحررين حول مصداقيته منهم من رأى أن المحرر استخدم الإثارة في العنوان للقراءة ومنهم من رأى تلاعبا يوحي للكذب ثم اتفقنا في الأخير على حذف الخبر من النشرة لافتقاده لأهم عنصر من عناصر الخبر الصحفي الدقة وما أدراك ما الدقة فهي أقرب الأوصاف للموضوعية والحرفية المفقودة في معظم وسائل الإعلام خاصة ما يطلق إعلام توك شو والإعلام البديل ولا يمكن أن تقول أن عمرو أديب قد سقط مهنيا فقد سبق له السقوط فالإعلامي الذي يحرض على القتل مجرم والإعلامي الذي يزيف الحقائق يفعل كل شيء من أجل الوصول لنسب المشاهدة ولا تهمه قواعد العمل الصحفي ولا شرف المهنة فهو لا يشرف بلده خاصة عندما يكون بحجم مصر رائدة الإعلام ومعلمته. في الماضي القريب كانوا يقولون في إعلامهم اكذب ثم اكذب حتى يصدق الناس، أما اليوم فاكذب ثم اكذب لا يهم أن يصدقك الناس بقدر أن تجذبهم العيون قبل العقول سيشتمونك ويحتقرونك ولكن النقود التي تتقاضاها ورضى الكبار عنك سينسيك كل شيء. فأنت في واد والجمهور في واد وهي أمر حقيقي، فعمرو أديب ومن على شاكلته في واد والناس في واد آخر كحالهم مع والحرفية والمهنية وشرف المهنة الإعلامية، فمن ينصح أولئك أن الجمهور قد تجاوز وسائل الإعلام ولم تعد تستطيع الضحك عليه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.