شعار قسم مدونات

هل تحب قول شيء قبل أن تغادر؟!

blogs تفكير

جال بذهني هذا السؤال، ماذا لو علمت أني سأموت غدا، أنني سأرحل وينتهي وجودي في هذه الدنيا، ما الذي سأود قوله لمن حولي؟ بماذا سأخبرهم في تلك اللحظات الأخيرة التي ستجمعنا؟ كيف سيكون وقع كلماتهم علي ذلك اليوم؟ كيف سأعاملهم وأنا على شفير مغادرتهم؟ كيف سأرى العالم وأنا على بُعد لحظات من وداعه؟ هل سأخبرهم أن الحياة الدنيا لا تستحق من أجلها كل هذا العناء؟ كان تخيل الأمر مرعبا ولا أخفيكم أن العَبْرَة خنقتني تارة وغلبتني أخرى وأنا أكتب هذه الكلمات.. فكرة مخيفة جدا، نعم هي كابوس مرعب، لكن يؤسفني أن أخبركم كطبيبة أنها واقعية جدا بل واقعية أكثر مما قد تتخيلون، أضحى موت الفجأة جزءا من حياتنا اليومية لكن يا حسرة على الإنسان فهو عظيم النسيان..

وأنت جالس تلك الجلسة المريحة بين أهلك، أصدقائك أو زملائك، تخيل أنهم جميعا يحملون تأشيرة رحلة في الغد إلى العالم الآخر، وأن هذا لقاؤكم الأخير، ما الذي تحب أن يعرفوه قبل أن تفقدهم؟ ما الذي تحب أن تفعلوه سوية قبل أن يغادروا؟ أو دعنا من هذا المشهد الصعب المتعدد الخيارات، ما رأيك أن تكون المفقود بدل الفاقد؟ لا أدري أيهما أهون لكن لتكن أنت بطل فيلم الرعب هذا، عزيزي أنت من سيغادر يؤسفني أن أخبرك أنك فعلا ستموت غدا، ما الذي تحب قوله لوالديك؟ ولإخوتك؟ ولزوجك؟ ولأبنائك؟ ولا ننسى عائلتك؟ ما الذي ستهمس به لأصدقائك وما الذي ستعترف به لزملائك؟

كل يوم ربما يكون فعلا الفصل الأخير ونحن لا ندري، كل يوم هو منحة عظيمة جدا لا يستشعرها كثير من البشر، بل قَلَّّ من يُقدرها، كل يوم هو عمر يستخلفنا الله فيه لينظر ماذا نفعل

كيف ستنظر لذلك الماضي الذي يجمعكم، هل كان يستحق كل ذلك الحقد أو كل ذلك الكره أو تلك القطيعة؟ في اللحظات الأخيرة كم هو مؤلم مرور الثانية والدقيقة؟ كم هي قيمة ساعة من العمر وكيف هي حسرة مُضِيِّها؟ كم فضلا نسيته وتريد تسديد دينه ولو بكلمة: "شكرا"؟ كم حُبا كتمته وستصرح به؟ كم ندما سيَعْتَرِيك وتُفْصِح عنه؟ كم اعتذار ستبوح به؟ كم جرحا ستود لو أنك لم تُسَببه؟ في هذه اللحظات ستنسى حقوقك جميعها، لن تفكر في العتاب ولا الانتقام سيكون شغلك الوحيد أن تغادر وليس في قلب ولا نفس أحدهم عليك شيء!

والسؤال الأكثر رعبا واعذرني على وقاحتي: هل أنت مستعد للمغادرة؟ هل لديك كلمات لرفيقيك اللذين لم يَبْرحا يمينك ولا شِمالك؟ هل ستسألهما بخوف: أي الدواوين أثقل؟ هل تملك أدنى فكرة أين ستحط رحالك بعد أن تغادر من أحببت؟ الأمر مرعب، لكن سأقولها مجددا: الموت قريب جدا أكثر مما قد تستطيع أن تتخيل، أتفه الأسباب يا عزيزي قادرة على جلب الآجال ما دام سبق وأن كُتِبَت في الأقدار؛ لذا لا تعجب ولا تمني نفسك فملك الموت ليس في قاموسه كلمة الاستئذان.

ما رأيك يا عزيزي أن تموت وتحيا من جديد، تخيل أن اليوم هو فعلا اليوم الأخير، يومٌ ستقول فيه وداعا للمرة الأخيرة، واسأل نفسك ما الذي يجب فعله في يوم مرعب كهذا؟ كيف سترى الدنيا من حولك؟ كيف ستعامل الناس وما الذي ستنتظره منهم في المقابل؟ بعد هذا اليوم الشاق، وأسألُ اللهَ لك ولوالدي -أيها القارئ الطيب- طول العمرمع صلاح العمل ودوام الصحة، ستستيقظ في الغد، نعم لقد مُنِحت يوما آخر ،الأمس لم يعد آخر أيامك، لازلت تتنفس ولازال قلبك ينبض، لم تغادرنا بل لا زلت تنتمي لهذا العالم، اعذرني على فظاظتي لكن ما الذي تحب أن تستدركه مما فاتك انجازه من يوم أمس؟

كل يوم ربما يكون فعلا الفصل الأخير ونحن لا ندري، كل يوم هو منحة عظيمة جدا لا يستشعرها كثير من البشر، بل قَلَّّ من يُقدرها، كل يوم هو عمر يستخلفنا الله فيه لينظر ماذا نفعل: أَنُحْسِن أم نُسِيء، وبيدنا أن نجعله يوما ثقيلا بالانجازات وسنفخر به يوم تنشر الكتب، وبيدنا أن نجعله خفيفا خليا من كل أثر وسنتحسر عليه، والمحظوظ في هذه الدنيا من علم يقينا أنه مرتحل لا محالة فاجتهد ليجمع الزاد فيكون مستعدا للمغادرة متى حانت ساعته، وكذلك أحسن العبور من جسر الحياة فترك طيب الأثر وما تُسْتَمْطَر به الرحمات بعد الممات..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.