شعار قسم مدونات

الطريقةُ القرآنيّة في الدعوةِ إلى توحيد العبادة

blogs قرآن
أولاً ـ تعريفه ومكانته خاصة:

هو إفرادُ الله عزّ وجل بجميـع أنواع العبادات، وإخلاصُهَـا لـه وحده لا شريك له، ظاهراً وباطناً، وهو توحيدُ الله تعالى بأفعال العباد، ويسمّى ايضاً توحيد الأولوهية، لأنّ العبودية والألوهية بمعنًى واحداً، إذ معنى الإله: المعبود، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. وهذا التوحيدُ أعظمُ أنواعِ التوحيدِ وأهمُّها، والمتضمِّنُ لها جميعاً، ولا يصيرُ العبدُ مؤمناً إلا بتحقيقه، وهو الذي لأجله خلقَ الله عبادَه، وأنزلَ كتبه، وبعثَ أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات :56] وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ} [النحل :36] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة :5].

 

وهذا التوحيدُ هو معنى قول: (لا إله إلا الله) والتي معناها: لا معبود بحقِّ إلا الله. ومما يدلُّ على أهمية توحيد العبادة أنّه هو التوحيدُ الذي أَرْسَلَ الله به الرُّسلَ من أولهم إلى آخرهم، واتفقتْ دعوةُ الرسلِ من أوّل رسولٍ بعثه الله إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، اتفقتْ دعوتهم إلى البَدْءِ بدعوة أقوامهم إلى إخلاص العبادةِ لله، ونبذ الشرك بكل صوره وأسبابه ووسائله المؤدية إليه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *} [الأنبياء: 25]. وقال تعالى عن نبيّه نوح عليه السلام أنّه قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الاعراف :59]. وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام أنّه قال لقومه: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [العنكبوت :16]. وقال تعالى عن كليمه موسى عليه السلام أنّه قال لقومه: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا *} [طه :98]. وقال تعالى عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام أنّه قال لقومه: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ *} [الزخرف :63 ـ 64].

 

جهادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقتالُه، إنّما كان مِنْ أجلِ دعوةِ الناسِ إلى إخلاصِ العبادةِ لله عز ودجل، والبراءةِ من الشركِ وأهلهِ، والدفاعِ عن رايةِ التوحيدِ

وأول ما بدأَ به خاتمهم محمّد صلى الله عليه وسلم دعوتَه إلى الله عز وجل دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله، ونبذ الشرك بأنواعه ووسائله وأسبابه بالقول والفعل، فحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، ودعا إليه، وأنذر الشركَ غايةَ الإنذار، واستمرّ على هذا المنهج حتى لحقَ بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم. واقتدى به أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وكلُّ مَنْ اتّبع طريقته، واستنّ بسنته، فطريقتُه في الدعوة هي: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [يوسف :108] وفي هذه الآية أمرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يخبِرَ الناسَ أنّ هذه سبيلُه أي: طريقتُه ومسلكُه وسنّته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا اله وحدَه لا شريكَ له، يدعو بها على بصيرةٍ من ذلك ويقين وبرهان، وكلُّ من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على بصيرةٍ وبرهانٍ عقلي وشرعي. وقد بيّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ توحيد العبادة أساسُ الإسلام، وأنّه أول ما يبدأ به في الدعوة إلى الله، ويدل على ذلك رسائِلُه صلى الله عليه وسلم، ومبايعته، وجهاده، ووصاياه لقواده، وغير ذلك من الأمور. ومن الأمثلة الدالة على هذا:

 

1 ـ إرساله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن لدعوة قوم من أهل الكتاب إلى توحيد الله عز وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمّا بعثَ معاذاً إلى اليمن قال له: «إنّكَ تأتي قوماً مِنْ أهلِ الكتابِ، فليكنْ أوّلُ ما تدعوهم إليه شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا الله»، وفي رواية: «إلى أن يوحِّدوا الله، فإنْ هُمْ أطاعوكَ على ذلك، فأَعْلِمُهم أنَّ الله افترضَ عليهم خمس صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ». فبيّن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أولَ ما يَبْدَأُ به في الدعوة إلى الله تعالى شهادةُ أن لا إله إلا الله، وإخلاصُ العبادةِ له جلا وعلا.

 

2 ـ وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر بدعوة اليهود إلى التوحيد أولاً: حيث أعطاه صلى الله عليه وسلم الرايةَ، وقال: «انفذْ على رِسْلِكَ، حتّى تنزلَ بساحتِهم، ثم ادعُهم إلى الإسلامِ، وأخبِرْهُم بما يجبُ عليهم مِنْ حقّ الله تعالى فيه، فواللهِ لأنْ يهدِي اللهُ بكَ رَجُلاً واحداً خيرٌ لكَ من أن يكون لك حُمْرُ النّعم». وفي رواية أخرى: فسار عليٌّ رضي الله عنه، ثم وقفَ، ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله! على ماذا أقاتل الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «قاتلهم حتّى يشهدوا أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ، فإذا فعلوا ذلك، فقد منعوا مِنْكَ دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها وحسابُهم على الله».

 

3 ـ وكذلك مبايعاته صلى الله عليه وسلم تدلُّ على أنَّ أولَ ما يُبْدَأُ به في الدعوة إلى الله إخلاصُ العبادةِ لله الذي هو التوحيدُ: ومن الأمثلة على ذلك حديثُ عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: قال لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحنُ في مجلسٍ: «تبايعوني على أَنْ لا تشركوا باللهِ شيئاً»: وحديثُ أم عطية رضي الله عنها قالت: بايعنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: {أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة :12].

 

4 ـ وكذلك جهادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقتالُه، إنّما كان مِنْ أجلِ دعوةِ الناسِ إلى إخلاصِ العبادةِ لله عز ودجل، والبراءةِ من الشركِ وأهلهِ، والدفاعِ عن رايةِ التوحيدِ: فعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ حتّى يشهدوا أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقِّ الإسلامِ، وحسابهم على الله عز وجل».

 

ثانياً: الطريقةُ القرآنيّة في الدعوةِ إلى توحيد العبادة:

تعددت الأساليب القرآنية في الدعوة إلى توحيد العبادة:

1 ـ منها بيان آيات ربوبيته سبحانه التي يراها الناس ويقرون بها، وأنّه سبحانه هو خالقها، ثم يختمها بالدعوة إلى إفراده سبحانه بالعبادة، فكما أنّه المتفرّد بهذا الخلق، فيجب أن يكونَ وحدَه سبحانه المتفرّد بالعبادة، لا شريك له، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [البقرة :21 ـ 22] وقوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ *أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ *أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *} [النمل :59 ـ 64]، يقول الله تعالى في آخر كلِّ اية أي أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهامُ {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}، يتضمَّن نفيَ ذلك، وهم كانوا مقّرين بأنّه لم يفعل ذلك غيرُ الله.

 

الحديثُ عن قصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم في دعوتهم يوضّحُ أنَّ توحيدَ الله وإفرادَه بالعبادةِ وحدَه، لا شريكَ له، هو المهمّةُ الأولى للرسل عليهم الصلاة والسلام

2 ـ ومنها شهادةُ الله سبحانه على توحيدِ العبادة: فقد شهد الله لنفسهِ بهذا التوحيدِ، وشهدتْ له به ملائكته وأنبياؤه ورسلُه، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيات اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ *} [ ال عمران: 18 ـ 19].

 

3 ـ ومنها بيانُ عجزِ الآلهة التي يدعونها من دونِ الله تعالى: وأنّها لا تملكُ لنفسِها كما لا تملك لغيرها نفعاً ولا ضراً من دون الله، وجاء ذلك في آيات كثيرة من كتابِ الله، فعلى سبيل المثال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ *} [الحج :73]. والآيات في هذا كثيرة تبيّن عجزَ هذه الالهة التي اتخذوها من دون الله تعالى، وأنها لا تملِكُ لنفسِها ولا لغيِرها نفعاً ولا ضراً.

 

4 ـ ومنها بيان ضلال عبّاد هذه الآلهة والتنديد بهم، والتشنيع عليهم، ووصفهم بالغي والعمى، والبعد عن الهدى والرشاد: قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ *} [الاحقاف :5 ـ 6] وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} [العنكبوت :41] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَِنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا *} [الفرقان :3] والآيات في هذا البابِ كثيرةٌ.

 

5 ـ ومنها بيان ما يقع يوم القيامة بين هؤلاء المشركين وآلهتهم من براءة بعضهم من بعض، وتخليهم عن عابديهم، وتنكرهم لاتباعهم، في حالٍ هُمْ أحوجُ ما يكونون إلى من يشفع لهم، ويدافع عنهم: ومن ذلك قوله تعالى {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [يونس: 28 ـ 29].

 

6 ـ ومنها ما جاء في قصص الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم في دعوتهم أممهم إلى توحيدِ اللهِ، وإفرادهِ وحدَه بالعبادة، وكان ذلك مفتاحَ دعوة كلِّ نبي ورسولِ، وما جرى بينهم وبين أقوامهم لأجله من خصومة، وما دارت بسببه من معارك عظيمة بالبيان والسنان، وما كان مِنْ ذلّةٍ وهلاكٍ لأعداء الله وأعداءِ رسلِهِ، ونصرٍ ومنعةٍ وغلبةٍ للرسل وأتباعهم، وتلك سنةُ اللهِ في خلقه: وهو الذي يقول بعد ما قصَّ دعوةَ عددٍ من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ *} [هود :83] والآيات عن قصص الأنبياء والرسل عليهم.

 

الصلاة والسلام مع أممهم كثيرةٌ جداً، نكتفي بمثالٍ واحدٍ لذلك وهو قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأَتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ *وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنِا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ *وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ *} [ابراهيم :9 ـ 14]. والحديثُ عن قصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم في دعوتهم يوضّحُ أنَّ توحيدَ الله وإفرادَه بالعبادةِ وحدَه، لا شريكَ له، هو المهمّةُ الأولى للرسل عليهم الصلاة والسلام. ومما تقدّم يتبيّن أهمية توحيد العبادة المتضمِّنَ لأنواع التوحيد جميعاً، والمطلوبِ من الناس كافة.

 ——————————————————————————————————————–

مراجع البحث:

1) علي محمّد محمّد الصّلابيّ، الإيمان بالله جلّ جلاله، دار المعرفة، بيروت. لبنان، ط 1، 1432هـ – 2011م، ص (105-111).

2) جابر إدريس علي أمير، منهج السلف والمتكلمين في موافقة العقل للنقل، سلسلة الرسائل العلمية (7)، جامعة المدينة المنورة، السعودية، 1419هـ – 1998 م، (1 / 261).

3) علي بن أبي العز الحنفي، المنحة الإلهية في تهذيب شرح الطحاوية، تحقيق، عبد الآخر حماد الغنيمي، دار ابن الجوزي، السعودية، ط2، 1416هـ، 1996، ص (55، 56).

4) محمد بن عبد الله زربان الغامدي، حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، السعودية الطبعة 1، 14232هـ/2003م، ص (249).

5) مصطفى بن العدوي، صحيح تفسير ابن كثير، دار ابن رجب للطبع والنشر والتوزيع (1 / 26).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.