شعار قسم مدونات

من يدير الأزمة السياسية في الجزائر؟

blogs الجزائر

مر اليوم ما يقرب عن ثمانية أشهر من عمر الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر، غير أن المشهد السياسي الجزائري تشوبه الضبابية، صرخات لا نهاية لها تنتقل من اللوم الدائم للنظام إلى شك كبير في نيته السياسية، وهكذا باتت مسألة حل الأزمة الجزائرية قضية أساسية سواء في أجندات السلطة الحالية أو المعارضة، أو من طرف فواعل دولية تقليدية وتنافسية في المنطقة.

 

فمن جهة، المؤسسة العسكرية التي وقفت مع الحراك تصر على عدم إطالة عمر الأزمة، بطرح خارطة طريق لابد منها، عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية، مركزة على الحل الدستوري، وعدت بأن تكون نزيهة وذات مصداقية، ومن جهة نجد الشارع الجزائري الذي تلتف حوله أحزاب المعارضة وشخصيات من المجتمع المدني والنقابات العمالية، التي طرحت بدورها الحل السياسي لعقلنة الأزمة، عن طريق مرحلة انتقالية يتم فيها تسليم السلطة سلميا للطرف المدني، ويبدو جليا تعنت هذه الأخيرة ورفضها قبول أجوبة المطالب التي يحاول النظام تقديمها بشأن بقائه.

 

والمشكل المطروح هنا، هو أنه لا أحد يدرك نية أطراف الحل الدستوري والحل السياسي الحقيقيين في الجزائر، هل هم من النظام أو المعارضة؟ هل هم فواعل إقليمية ودولية تحاول إرساء نظرية "الفوضى الخلاقة" في المنطقة؟

وإن افترضنا هنا بأننا أما طرفين يتقاسمون أدوار الصراع، سنجد أنفسنا أمام طرفين لا ثالث لهما، طرف داخلي داخل النظام نفسه، يصارع من أجل فرض نفسه على خصومه التقليدين، ويمارس جميع أنواع الضغط والتعبئة الشعبية والتضليل الإعلامي، ومن ناحية أخرى المعارضة المختلفة المشارب والأيديولوجيات، التي تحاول إفشال أي مسعى دستوري لحل الأزمة الحالية، مستخدمة وسيلة الرفض المطلق للحوار، ولاشك أن رفضها لسياسات النظام الفاشلة أمر مشروع تماما، لكن يجب أن لا يتحول هذا الرفض إلى مشروع أسبوعي لوأد أي بصيص أمل للخروج من الأزمة، بحيث يصبح هذا الرفض وسيلة للتغيير وليس غاية في حد ذاتها.

    undefined

  

تعتمد المعارضة على آلية العنف اللفظي عن طريق شعارات تكرس ثقافة الحقد والكراهية ضد رجال النظام من الوطن الواحد، وهو الأمر الذي ينبأ بتحول هذا العنف اللفظي – لا قدر الله – إلى عنف مادي يكرس للتعميق الفكري والعملي للأزمة، فلا النظام عازم على تقديم تنازلات ولا المعارضة عازمة هي أيضا على التنازل.

 

وأكثر شيء يدعوا للنظر في حالة المعارضة هي محاولة استقطابها لطبقات اجتماعية ضعيفة الانتماء، كما أنها تتعامل وفق منطق هو "من يتفاوض مع النظام فهو خائن للحراك والوطن"، ونتج عن هذا التعنت حدوث مواجهة مخطط لها قصد استفزاز النظام الحالي عن طريق تصريحات وردود أفعال وصفتها مؤسسة الجيش " بمحاولة المساس بدستورية المؤسسة "، وكون المعارضة الشعبية المختطفة تسببت في نشر نزعة عدوانية تخوينية تضعف بها الانتماء للوطن.

 

ثمة من يريد إطالة عمر الأزمة حتى تسول له نفسه تحقيق أهداف استعمارية امبريالية، أو حتى تصفية حسابات عالقة وقديمة وفق تكتيك سحب البساط من تحت أقدام الخصو

وفي المقابل نجد أنفسنا أمام تجاذبات سياسية ودستورية لا مفر منها، فالمؤسسة العسكرية تركز على الحل الدستوري ذو طابع سياسي للأزمة، وفي المقابل نجد الطرف الثاني الذي يطرح بديل الحل السياسي للأزمة ذو طابع دستوري، غير أن المعارضون للحل الدستوري يتحججون بأن الدستور يدور في حلقة مفرغة، لأنه أثبت محدوديته أمام الأزمة، وبالتالي فلابد من توظيف مخارج سياسية، وهذا يعني ترجيح كفة الحل السياسي على حساب احترام الدستور، وهذا أمر ترفضه المؤسسة العسكرية قطعيا، وفي نظرها نزع فتيل الأزمة سيكون عبر المرور بعملية دستورية تتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال.

  

وقد كان لافتا حقا أن الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر صاحبته ردود أفعال قوى إقليمية ودولية، أو لنقل الأدوار الدولية والإقليمية الفاعلة في العملية السياسية في الجزائر (الأطراف الخارجية) تلك التي لها ناقة وجمل في المنطقة، وهي تتحرك بحذر شديد وفق منطق المنافسة الاستراتيجية على مناطق النفوذ، ويأتي على رأس هذه القوى التقليدية كل من فرنسا عن طريق " سياسة الوصاية الفرنسية على الجزائر"، فالجزائر بالنسبة لفرنسا مجرد مستعمرة قديمة ومنطقة نفوذ فرانكفوني نحو إفريقيا العجوز، ولا يمكن أن تتقبل فكرة إخراج الجزائر من دائرة نفوذها التقليدية، وكذلك أمريكا " شرطي العالم "الحليف الاستراتيجي للطرف المدني السابق، والتي دعمت الرئيس المقال ضد جناح المخابرات، وبالطبع هذا الأمر مصدر لقلق قصر الإليزيه، إذ لا يمكنهم مواجهة حليف قوي كأمريكا.

  

كما لا يمكننا إهمال الدور الروسي والصيني المرتبط بحراك الجزائر، ومن مصلحتهما أن ينتصر الطرف الذي يعبر عن معسكرهما في هذا البلد الحيوي، أي المؤسسة العسكرية، فروسيا هي خزان سلاح جزائري بامتياز وحليفها العسكري ضد القوى الكبرى، إضافة إلى الحليف الصيني الذي يعتبر " جيبا شيوعيا بامتياز " عن طريق قنوات استثمارية اقتصادية وتجارية، إذ تمكنت الصين في الفترة الأخيرة من الاستحواذ على جميع الاستثمارات التنموية في السوق الجزائرية على حساب الشركات الفرنسية، فهناك روابط تجمع الجزائر بالمعسكر الشرقي، فروسيا تتمتع بنفوذ عسكري في الجزائر والصين تتمتع بالنفوذ الاقتصادي، وهذا ما يزعج فرنسا وأمريكا والدول ذات الأدوار المتباينة مثل: الإمارات، قطر، تركيا.

 

إن أحد مواضع التناقض الكبرى التي تتضمنها الأزمة السياسية في الجزائر، هو الاعتراف بالحل الأمثل والسريع للأزمة، وتبني مخرج ومنفذ آمن سواء من النظام أو المعارضة، رؤية تعبر عن الحل تحظى بالقبول الشعبي والأمني والإقليمي، وهنا لا يسعنا سوى التساؤل.. من يحرك خيوط اللعبة السياسية في الجزائر؟ هل هم أطراف من داخل النظام (الخصوم التقليدين – التجديديين) أم من المعارضة؟ هل هي فواعل دولية خارجية لها طرف من " شعرة معاوية " للفض في الأزمة؟ وإذا كانت هذه الأطراف الداخلية سواء من النظام أو المعارضة، أو من داخل النظام والمعارضة معا، متفقة على أحد الحلول (الدستورية – السياسية) فلماذا تستمر الأزمة لحد الساعة؟

  

إذن ثمة من يريد إطالة عمر الأزمة حتى تسول له نفسه تحقيق أهداف استعمارية امبريالية، أو حتى تصفية حسابات عالقة وقديمة وفق تكتيك سحب البساط من تحت أقدام الخصوم في المعارضة، وداخل النظام نفسه، وتصفية السيطرة القديمة على مفاصل الدولة وعلى دوائر النفوذ ومراكز القرار، وثمة من يحرص على تسيير وإدارة الأزمة وليس حلها، أم أنها عملية من عمليات " الفوضى الخلاقة " التي تمارسها الأطراف الخارجية، عن طريق خلق حالة سياسية من الفوضى المتعمدة بتزكية أشخاص معنيون، أم أننا سنلوم السلطة التي ترفع سقف العناد بدل من أن نلوم الشارع الذي يرفع سقف المطالب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.