شعار قسم مدونات

الإبداع.. الملكة النادرة عندنا التي تُحَارَبْ!ّ

blogs إبداع

يعد الإبداع أنجع آليات التغيير والإصلاح التي تفيد في جميع مناحي الحياة، وهذا ما أكدته التجارب التاريخية منذ قرون، حيث أسهمت أفكار الفلاسفة اليونانيين في إرساء منظومة فلسفية فكرية تهم مجمل القضايا والتي كان التأمل مبتدأها والإبداع مكملها ومؤطرها، كذلك رسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي جاءت من أجل إحداث قطيعة مع التخلف والعبثية اللذان كانا أهم مميزات عرب الجاهلية نهلت من الإبداع والابتكار في التعامل وكيفية إخراج مجتمع يقبع في غياهب الظلام إلى النور التام.

  

لا شك في أن الإبداع والحكمة كانا أيضاً أهم آليات الرسالة الإسلامية العظيمة التي حملها الخلفاء الراشدون والعلماء المسلمون في مرحلة ما بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأسست نماذج سياسية واقتصادية واجتماعية عظيمة كما تم إحداثه في الأندلس حيث كان الإبداع الفكري والثقافي المحدد الأساسي فيما تم تحقيقه.  نفس الأمر يعيد نفسه مع مرحلة عصر الأنوار الإبداع يحضر مع أفكار مونتيسكيو وديدرو، ولوحات دافينشي وأبحاث نيوتن والعديد من الأعلام لكي يتم تخليص المجتمع من الظلمات التي كانت تميز أوروبا ما قبل عصر الأنوار.

 

لا يمكننا الاختلاف على أهمية الإبداع في حياتنا سواء تعلق الأمر بالفن، المعرفة، الدين، العلوم، ذلك أنه أي الإبداع يسمح بمواكبة التطور الذي يشكل أساس الحياة بل يعد مبدأه

يبدو أن الإبداع يظهر دائماً عندما يتعلق الأمر بمرحلة تاريخية يعيش فيها المجتمع تدهور وتقهقر كبير، تختلف الرقع الجغرافية وحدة الأزمة لكن المخلص هو الإبداع يأتي بالجديد الذي ينهل من العقل المنير، يرفض ما يسود ويعمل على إيجاد شيء ما يقطع مع ما لم يقبله العقل ويأتي بمظاهر الحق والعدالة والجمال، وهذا ما تم تحقيقه بالفعل في مختلف النماذج التي سبق ذكرها. لكن هل يتاح للإبداع وللمبدعين هامش مريح للتعبير عن إبداعاتهم؟

  

إن الإبداع في مراحله الأولى غالباً ما يواجه بالرفض وهذا ما أكدته التجارب التاريخية، تم تضيق الخناق على محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بأبشع الصفات ورجمه فيما بعد كذلك تم تكفير ابن خلدون وابن رشد من طرف الكثير وأعدمت الكنيسة غاليليو، يتضح أن الإبداع يقتضي إقامة قطيعة مع السائد هذ العملية التي تعد غاية في الصعوبة سواء للمبدع أو للعامة من الناس بعدما تتجدر ثقافة ما في العقل الجمعي وإن كانت لا معقولة وتجلب التعاسة لهم فإنهم مع ذلك يجابهون ويرفضون الإبداع الذي يرمي إلى تخليصهم مما هم فيه.

 

انطلاقا من النماذج (الأعلام) التي سبق ذكرها وإسهاماتها العظيمة في مختلف المشارب العلمية والمعرفية لا يمكننا الاختلاف على أهمية الإبداع في حياتنا سواء تعلق الأمر بالفن، المعرفة، الدين، العلوم، ذلك أنه أي الإبداع يسمح بمواكبة التطور الذي يشكل أساس الحياة بل يعد مبدأه، كما أنه يبقى سبب مهم من أسباب تخلف مجتمعاتنا وتأخرها يعزى لندرة الحضور الإبداعي والإبداع بصفة عامة الذي لم تنمى ملكته فينا، ولم نحظى في الكثير من الأوقات بفرصة إبراز إبداعاتنا ولو كانت في أشكالها البسيطة بل تم قمعها وتبخيسها! وهناك مؤشرين مهمين يدلان على أنك شخص مبدع وتحمل رؤية مغايرة رصينة قد تفيد المجتمع أو الأمة جمعاء.

 

المؤشر الأول: طرح التساؤلات والإلحاح في الوصول إلى أجوبة شافية لها وهذا الأمر ليس لأي أحد قليلون هم من لا يقبلون بالبسيط والسائد وهذا ما يؤشر على روح إبداعية لديك بحيث تصبح عملية الإجابة عن الأسئلة التي تراودك هاجس يدفعك للبحث عما هو خفي مما يجعلك تسعى إلى إظهاره وبصيغة مغايرة لما هو سائد وهنا يبرز الإبداع، هذه السيرورة هي التي مر منها معظم المبدعين العظام عبر التاريخ في العلوم والفنون والآدب والفكر.

 

عدم إيلاء الأهمية والاعتناء الكافيين للإبداع يعكس نية بعض أنظمتنا العربية التي تنفذ إملاءات الأخر المختلف الذي لا يريد عالم عربي إسلامي ديموقراطي مواكب للتقدم والتطور

المؤشر الثاني: العزلة وعدم التوافق إلى حد كبير مع ما يحيط بك بالإضافة إلى عدم تقبل العامة لما تقوم به أو تفكر به لأنه يمثل لهم خروج عن المألوف هذه المسألة تأخذ حدة أكبر في مجتمعاتنا الثالثية خصوصاً حيث ترتفع نسبة الأمية والتخلف الفكري وكذا الرقابة الشديدة على الإبداع والمبدعين كما لو أن الأمر يتعلق بمجرمين لا مبدعين! الأمر الذي يستدعي منك الصمود والتنبؤ بسلوك الآخرين تجاهك والعمل والبحث المستمر لأنك في الطريق الصحيح آخذا العبرة بالسابقين.

 

هناك تساؤل يفرض نفسه بقوة الآن لماذا يمارس التضييق على المبدعين في بعض الدول ويصل الأمر إلى اعتقالهم! قد يجيب أحد لعلها ضريبة الإبداع أو التميز التي دفعها كل المبدعين عبر التاريخ كما أوردنا في الأمثلة السابقة، لكن الظروف التاريخية والاجتماعية مغايرة لما كان في الماضي؟ ومن ثم وجب الاستفادة من التجارب والمعاناة التي مر بها المبدعون الأمر الذي يدفعنا للتساؤل مرة أخرى لماذا يعاد إنتاج نفس الأمر خصوصاً في مجتمعاتنا العربية وبالمقابل نرى مدى دعم واهتمام الغرب ودول شرق آسيا بالإبداع؟

  

إن عدم إيلاء الأهمية والاعتناء الكافيين للإبداع يعكس نية بعض أنظمتنا العربية التي تنفذ إملاءات الأخر المختلف الذي لا يريد عالم عربي إسلامي ديموقراطي مواكب للتقدم والتطور العلمي، خوفاً من رشادة النموذج الإسلامي الحق، وما يؤكد هذا حالات التهميش بل والاعتقال التي تعرض لها بعض الشباب المبدعين المبتكرين في بعض الدول العربية كالمغرب ومصر في حالات عديدة، وبتالي وجب معرفة أن الإبداع يتولد من رحم المعاناة والتضييق كما حدث مع خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم عدم انتظار مد يد العون أو الدعم في وقتنا الراهن من طرف الدولة أو حتى المجتمع فالصمود والبحث الدائم هما سلاحك أيها المبدع اللذان لن يتخلوا عنك أبداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.