شعار قسم مدونات

متى يسقط السيسي ونظامه؟

blogs السيسي

لقد اقتربت الذكرى التاسعة لانطلاق ثورة 25 يناير، وما زلنا نداعب أهدافها دون الاقتراب من تحقيقيها، وقد مر أكثر من ست سنوات منذ الإقلاب الدموي على النظام الشرعي الوليد من رحم ثورة 25 يناير، وما زلنا نترحم على لُحمة الميدان الذي جمع كل أطياف مصر وكل الحالمين بمستقبل أفضل لأبنائها، ما زلنا نترحم على لُحمة الميدان لأننا ضللنا طريق الوصول إليه وكأننا عدنا لننشد سويا "..عشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر.."، ننشدها ولا ندرك معانيها التي تستوجب منا وحدة الصف الذى بدونه لا يمكن أن نُكمل كلماتها ونقر بأن "… بلدنا للنهار، بتحب موّال النهار…….". فلا نحن قادرون على جلب ذلك النهار ولا نحن مفسحون الطريق لذلك النهار ليبزغ.

 

عادت تلك الخواطر تداعب قلبي وعقلي وأنا أتابع ما أُطلق عليه "وثيقة التوافق المصري" أو "وثيقة محمد على"، ولا يخفى على أحد أنها كانت متَوقعة منذ وقت غير قصير، منذ بدء ظهور محمد على وهجومه الشديد على شخص السيسي وأحيانا على النظام، ومن الواضح أنه قد شارك العديد في صياغتها، ولا خلاف أنه قد صدر مثلها أو شبيهها من أخرين على مدار السنوات الماضية ومنذ انقلاب 2013 البغيض، ولن أحاول هنا أن أتناول نصوص "وثيقة التوافق المصري" أو "وثيقة محمد على" وبنودها، ليس إقلال من شأنها ولكن لأنه من الضروري أن ننظر لها نظرة شموليه وليس تفصيليه، لنرى كيفية تحويلها لطريق يساعدنا على تخطى تلك المرحلة.

 

ألم ندرك بعد من الذي ألقى بالشباب من القطار، من الذي جعل المصري متفرج في ساحة القتل ودم أخيه المصري يسال على أرض مصر، بلا شك ذلك هو السيسي وعصابته، لأنه زرع الخوف في قلوبنا ونزع منها الحب والإنسانية

فلو نظرنا إلى كثير من بنودها وإلى فحاواها وهدفها، نجد أنها تحوى كثير من بنود ما صدر من قبل، كوثيقة بروكسل في مايو 2014 ثم وثيقة تأسيس المجلس الثوري المصري في أغسطس 2014، ثم وثيقة حماية الثورة الصادرة عن المجلس الثوري في 2015، وهى الأقرب لفكرة تلك الوثيقة، وقد صدرت وثيقة حماية الثورة في ثلاثة محاور "الحقوق والمبادئ الاساسية لمصر المستقبل"، و" ميثاق شرف للعمل بين شركاء الثورة"، و"رؤية ومبادئ المرحلة الانتقالية"، ولقد شَرفتُ بالمشاركة في إعداد وثيقتي المجلس الثوري وصياغتهما، وثيقتين لو شُملوا بالرعاية اللازمة والنية الصافية لحققا الكثير.

 

وإشارتي لوثيقة حماية الثورة الصادرة عن المجلس الثوري هدفها ليس المقارنة ولكن التوثيق والتذكير بأن النصوص في حد ذاتها ليست الهدف، لأن أى نص أياً كانت عظمته وقوته فهو في حد ذاته ليس كافيا لإنجاح الثورة وإسقاط النظام، وحين تتحقق الثورة لن تطبق تلك النصوص دون الرجوع للشعب، ولكن هذه اللحظة ستكون لحظة بداية لتشكيل مجمع أو مجلس وطني ليرسم خارطة طريق لن يُكتب لها النجاح إلا إذا كانت نابعة من وجدان مجموع الشعب، ونحن الأن لا نحتاج إلا لميثاق شرف للعمل بين شركاء الثورة، وقد أشرت كذلك لوثيقة المجلس الثوري المصرى لأذكر بأمر هام وهو أننا نتحدث عن ذات المضمون وذات الهدف ولكن في زمنين أو بالأجدى عصريين متباينين، وإن قربت بينهما السنوات.

 

فقد صدرت وثيقة المجلس الثوري وشبيهاتها في ظل اكتمال الشرعية الحقيقية في حياة الرئيس الشرعي، وكانت لغتها وأسلوبها يعبران عن نبض الشارع بلغة مثقفيه، وجاءت ظاهرة ووثيقة محمد على لتُحَدث عامة الشعب بلغة وشخصية قريبة منه وفى ظل غياب الرئيس الشهيد محمد مرسي، الذي غُيب عن المشهد عمداً، بالقتل المباشر أو الإهمال ليعاد ترتيب المشهد بصورة مختلفة، وليتحول الخلاف حول الشرعية من خلاف حول شخص الرئيس إلى خلاف حول مفهوم الشرعية، وبدأ الخلاف حول مشروعية الاستحقاقات الأخرى التي لا تقل أهمية عن شرعية الرئيس، وهل هى ملزمة أم غير ملزمة، حتى أن البعض قد قال بأن الشرعية قد رُدت للشعب بوفاة الرئيس، والحق أن الشرعية كانت ومازالت بيد الشعب، فسقوط النظام يستدعى قى جميع الأحوال العودة للشعب.

 

إن وثيقة محمد على كسابقاتها عمدت للحديث عن مبادئ قد نتفق أو نختلف حول بعض نصوصها أو حول تأويل بعض تلك النصوص، ولكنها مازال ينقصها الأدوات العملية لإسقاط ذلك النظام، والذى حتما سيسقط عندما ننظر للمستقبل مع الاستفادة من إنجازات الماضي مهما ضئل حجمها، والتراجع عن الخندقه والتمترس في الماضي والتوقف عن الانتقام منه، وحتما سيسقط عندما يتحد الليبرالي والناصري والماركسي والإخواني والسلفي مع اختلاف أيدولوجياتهم، والمسلم والمسيحي مع اختلاف مذاهبهم، عندما تخرج من المعادلة عقليات صباحي وبرهامي وأمثالهما، وعندما ندرك أن المعادلة صفرية مع النظام وليس بين أطياف الشعب، ولا بين صفوف الثورة، فالنظام لابد وأن يسقط، "والسيسي لازم يمشى عشان ميخربش مصر أكثر من كده، عشان ولادنا وأحفادنا ميعيشوش في ديون طول عمرهم، وعشان نرجع شعب واحد بيحب بعضه بعد ما قسمنا وفرق بينا".

 

ألم ندرك بعد من الذي ألقى بالشباب من القطار، من الذي جعل المصري متفرج في ساحة القتل ودم أخيه المصري يسال على أرض مصر، بلا شك ذلك هو السيسي وعصابته، لأنه زرع الخوف في قلوبنا ونزع منها الحب والإنسانية والكرامة، فكان ومازال يدمر حياتنا كل يوم بما يمثل رده شاملة عن كل ما خرج من أجله جموع الشعب في 25 يناير 2011، السيسي لا يريدنا أن نصبح أيد واحدة ليتمكن من استكمال مشروعه في بيع الأرض ومياه النهر وغاز البحر، وليستمر في تبديد ثروات مصر وبناء القصور وإغراق مصر في الديون لنبقى أسرى لعصابته.

  

عندما كنا أيد واحدة تصدينا للعدوان الثلاثي وطردنا الانجليز وبنينا السد العالي وعبرنا قناة السويس، لابد أن نعود لروح يناير 2011 عندما وقف الشعب يد واحدة بصدر مفتوح أمام رصاص الأمن وعصي البلطجية، عندما وقف المسيحي المصري يحمى أخوانه وأخواته المسلمين وهم يصلون في الميدان، ووقفوا سويا يرددون هتافهم الشهير "مش حنمشي هو يمشى"، عندما خرجت مصر كلها مسلمين ومسيحيين لتنقذ المسيحين في ماسبيرو.

 

وحتما سيسقط النظام عندما ندرك معنى التضحية ونكران الذات والتوقف عن إعادة تدوير القيادات القديمة، وتوقفنا عن التلهف لروية نتائج ملموسة، والاهتمام باستمرار العمل وعدم التوقف حتى يتحقق الهدف على أيدي جيلنا أو الأجيال القادمة، سيتحقق ذلك حتما حين نضع نصب أعيننا قول الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم "وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ"، فما بالكم لو خاطبنا نحن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.