شعار قسم مدونات

لماذا سَخِر شيعة العراق من الثأر الإيراني لسليماني؟

BLOGS تشييع قاسم سليماني

يَعتقد محللون سياسيون الآن بأن العراق وقع في حَيص بَيْص، فهو متحالف من جهة مع إيران ويخضع لها تماما، ومن جهة أخرى متحالف مع أمريكا وكل مقدراته تحت تصرفها، ظل كذلك إلى ما قبل اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كانت الأمور في العراق على هذا النحو السئ. ربما أن الأوضاع في العراق ستؤول إلى ما هو أسوأ الآن، لأن الأخير سيجد نفسه عبارة عن ساحة معركة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إيران تسعى من خلال هذه المعركة لتسويق نفسها كبطل أمام شعبها وأمام حلفائها السياسيين والمليشيات في العراق، وأمريكا ستُشبع رغتبها المستمرة في فرض عضلاتها على العالم وضمان المزيد من الفوضى في العراق لنهب ما تبقى من ثرواته دون إزعاج.

كانت الحكومة العراقية تقف متفرجة بأمر من إدارة ترامب بينما تنفذ المليشيات الموالية لإيران مظاهرات وحرق للعلم الأمريكي في محيط السفارة الأمريكية ببغداد، وهي السفارة الأمريكية الأكبر على مستوى العالم، التي كانت أمريكا تروج لها على أنها رمز أمريكي لتحقيق طموحات وأحلام وآمال الشعب العراقي. في الحقيقة شكلت تلك السفارة أكبر حجر عثرة في طريق تحقيق آمال وطموحات الشعب العراقي حينما اتفقت مع إيران على رأي واحد لإعطاء، نوري المالكي، وقتها ولاية ثانية في أعقاب انتخابات 2010، لقد كان كلا من إيران والسفارة على يقين بأن الأخير سيعزز الطائفية الذي بدأها منذ اليوم الأول لولايته الأولى، وسيستمر في ذلك خلال ولايته الثانية، علاوة على نهب المليارات وتبديد ثروات العراق الكثيرة، وقتل وسجن ونفي العقول والعلماء والمفكرين وذوي الأيدي النظيفة، ويُجمع محللون اليوم على أن سياسة نوري المالكي هذا، هي من خلقت، تنظيم داعش، في العراق وخاصة في المناطق السنية التي فتك بها التنظيم قتلا وتدميرا وتشريدا، خاصة بعد خروج القوات الأمريكية من العراق.

رغم تفاني المليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران في خدمة المشروع، الإيرأمريكي في العراق، إلا أنه تم الإعلان عن الإستغناء عنها في نهاية المطاف حين اغتالت القوات الأمريكية، قاسم سليماني، والمهندس، بغارة نفذتها طائرة مسيرة

لقد استفاد تنظيم داعش من هذا الوضع الذي هيأته له سياسة المالكي الطائفية، حيث سيطر التنظيم في نهاية 2013 على أكثر من ثلث الأراضي العراقية، وبعد أن تفشت الطائفية بأبشع صورها المقيتة، وحصل المالكي وأتباعه الفاسدين على مئات المليارات من الدولارات حين استحوذوا على كامل ثروات العراق، وأصبح المشهد العراقي يسيطر عليه تنظيم داعش، عندها فقط أدركت إدارة أوباما أن المالكي أتم المهمة التي وُضِع من أجلها، فتم سحب دعمها له ثم أعادت القوات الأمريكية إلى العراق مجددا بطلب من رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، من أجل قتال تنظيم داعش الذي أسسته بالأصل أمريكا فكبدت العراق مرة أخرى فاتورة أمنية ضخمة تحملها الشعب العراقي من جيبه.

هنا كان لا بد من تقاسم المصالح بين الولايات المتحدة وإيران من جديد، فكانت الخطة إنشاء كتائب حزب الله العراقي من المليشيات التي حاربت تنظيم داعش إلى جانب الجيش الأمريكي، وكتائب حزب الله هي من ضمن المليشيات التي تدعمها إيران والتي تم دمجها في النهاية بشكل رسمي مع قوات الأمن العراقية، والتي أصبحت تعرف فيما بعد، بقوات الحشد الشعبي، التي عُرِف عنها التنكيل بالأسرى من منتسبي تنظيم داعش وبكل سني كان يقطن ضمن المناطق التي سيطر عليها داعش يوما، مما خلق فيما بعد مشاعر حقد وكراهية من كل أطياف الشعب العراقي تجاه قوات الحشد الشعبي طالت فيما بعد حتى كل المليشيات والأحزاب التي تدعمها إيران.

لكن بعد خروج تنظيم داعش من العراق أخيرا إلى وجهات غير معلومة، أصبح يُروج أن تلك المليشيات وَجّهت حربها ضد الوجود الأمريكي في العراق، لكن الحقيقة أن الحشد الشعبي وكل المليشيات والأحزاب التي تدعمها إيران وجهت كل جام غضبها وكراهيتها نحو سنة العراق ككل، وخاصة السنة الذين يقطنون في تلك المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، وتمادت المليشيات بالتنكيل بكل عراقي أثبت أنه ضد الطائفية ويحب العراق ويمقت الفساد والفاسدين، فخُطف مَن خُطف، واغتيل مَن اغتيل، وشُرِّد مَن شُرد. هل يعقل أن المليشيات التي تقوم بقتل المتظاهرين السلميين العراقيين بكل وحشية تقوم أمريكا بغارات على معسكراتها لإضعافها؟ الحقيقة هي قامت بتلك الغارات من أجل تأجيج مشاعر الشعب العرابي تجاه المليشيات وجعلها مقبولة ومؤيدة من جديد من الشعب الذي سعت أمريكا بكل وسائلها لتشرذمه وتضعفه.

لاحظ عزيزي القارئ كيف تم حياكة الموضوع، فبعد الهجمات على السفارة الأمريكية من قِبل بعض المليشيات الشيعية إنضم إلى كتائب حزب الله العراقي ثلاثة من أقوى قادة الكتائب الشيعية الموالية لإيران في العراق، كان من ضمنهم نائب قائد كتائب الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، حيث أمر هؤلاء القادة أنصارهم بعد الإحتجاجات التي عمت البلاد بالعودة إلى منازلهم وديارهم والكف عن التظاهر، مدعين وقتها أنهم حصلوا على وعد من رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، لإجلاء القوات الأمريكية عن الأراضي العراقية.

ورغم تفاني المليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران في خدمة المشروع، الإيرأمريكي في العراق، إلا أنه تم الإعلان عن الإستغناء عنها في نهاية المطاف حين اغتالت القوات الأمريكية، قاسم سليماني، والمهندس، بغارة نفذتها طائرة مسيرة، ومباشرة نفذت تلك القوات غارات جوية أخرى على مقرات للحشد الشعبي، ربما أن إدارة ترامب وقتها كانت تغازل الشعب العراقي المحبط الثائر على الفقر والتهميش، وسوء الخدمات العامة والبطالة، وفساد الحكومة والتدخل الإيراني، وإجرام المليشيات الشيعية، بعد أن أجبرت الإحتجاجات عبد المهدي على الإستقالة، لكن لم يحدث ذلك إلا بعد أن قُتِل أكثر من 500 متظاهر عراقي وجرح 21 ألف آخرين.

لكن يبدو أن الذي يحدث الآن من تصعيد بين إيران وأمريكا الهدف منه في النهاية القضاء على تطلعات الثائرين العراقيين المطالبين بالإصلاح واجتثاث الفساد وإنهاء التدخل الإيراني، مما سيفتح الطريق أمام الأحزاب الحاكمة الموالية لإيران لإنهاء التظاهرات بأي ثمن، لأنه ليس من مصلحتها إجراء أي إصلاحات أو القضاء على الفساد، ولا حتى إنهاء التدخل الإيراني. لكن لماذا تستميت إيران من أجل إبقاء وضع العراق كما هو عليه قبل الإحتجاجات وربما أسوأ؟ الإجابة تكمن في أن إيران تَعتَبر العراق ساحة أو ميدان خلفي لها، فهو متنفسها الإقتصادي الوحيد في حال استمرت العقوبات الأمريكية عليها، علاوة على الضغينة المبيتة تجاه كل الشعب العراقي بكل أطيافه والذي كان يحكمه يوما عدوها اللدود التاريخي، صدام حسين.

لكن السؤال الوحيد المتبقي الآن بلا إجابة هو، هل بالفعل اكتفت أمريكا من نهب نفط العراق وخيراته ولم تعد بحاجة إليها كما قال ترامب مؤخرا، وكان اغتيال سُليماني هو المشهد الأخير في العلاقات الأمريكية العراقية التي استمرت منذ احتلال العراق وحتى الآن والتي كان ثمنها عشرات آلاف الأرواح من العراقيين الأبرياء وعدة تريليونات من الدولارات العراقية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.