شعار قسم مدونات

ماذا بعد مقتل قاسم سليماني؟

BLOGS تشييع قاسم سليماني

ربما يحتاج الحديث عن الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس إلى الكثير من المقالات فحجم هذا الرجل لا يمكن اختصاره في مقال واحد، فسليماني ليس مجرد قائد لفيلق القدس وحسب، بل هو إن لم أبالغ رجل إيران الأول الذي يفوق في أهميته أي شخصية يمكن أن تخطر في بال أحد في إيران! كيف لا يكون بهذه الأهمية وهذه المكانه الرفيعة وهو مهندس التمدد الطائفي ومدير مشروع تصدير الثورة!

نعم، فهذا الرجل سليماني هو من يشرف بنفسه على خطط التمدد الطائفي ومشروع تصدير الثورة من إيران إلى دول الجوار، فهو الرجل القوي الذي يتجول في الدول العربية ذات النفوذ الشيعي كما يتجول في بيته! فتارةً تجده في العراق وتارةً أخرى في سوريا ومرةً في لبنان واليمن وأن نفت الحكومة الإيرانية ذلك! فهو يشرف على كل صغيرة وكبيرة وعلى كل شاردة وواردة، على تدريب المليشيات، على توزيع الأسلحة، على الإتصالات، على الدعم اللوجستي وعلى كل شيء.

كان على إيران أن تدرك أن لتمددها غير المسؤول حد، وأن الأمور لن تجري كما تريد دائماً فجرائمها التي ارتكبتها في المنطقة جعل الجميع يغضب منها ويترصد لها، وكان على أمريكا أن تدرك أن إيران اتخذتها وسيلة لتحقيق أهدافها

فهو الجنرال القوي الذي يسطر على العراق وعلى خيراتها وجميع تفاصيل حياتها السياسة والاجتماعية والثقافية وحتى الدينية! وهو الرجل المتواجد بكل ثقل في سوريا الذي منع سقوط النظام هناك فلولاه لسقط النظام منذ زمن طويل، وهو المتهم بإرتكاب أبشع الجرائم في سوريا وتغير ديموغرافيتها، فقط ساهم بشكل كبير بتهجير سكان المدن السنية وتفريغها من سكانها خدمةً لمشروع دولته الطائفي بتصدير الثورة والتمدد الطائفي، وهو الرجل الموجود في لبنان ويدعم حليفه حزب الله بكل قوة، وفي اليمن داعماً للحوثيين بشتى أشكال الدعم من أجل خدمة مشروعه التوسعي.

إيران التي ساهمت بشكل كبير في تفتيت دول الجوار كالعراق وأفغانستان واليمن وغيرها من خلال التعاون الكبير مع أميركا ومساعدتها بقلب نظام الحكم وتبديله بأنظمة أخرى صديقة هذا من وجهة نظر أمريكية وإيرانية، لكن ربما إيران كانت أذكى من نظيرتها الأمريكية فكانت ذات تفكير استراتيجي مركب ونجحت بتنصيب أنظمة بل إن صح التعبير بتفصيل أنظمة على مقاسها لخدمة أهدافها ومشاريعها المستقبلية، عدا على أنها نجحت بتحويل العراق إلى سجن كبير للجنود الأمريكان وتحويل الجنود الأمريكان إلى رهائن مع وقف التنفيذ فهم بلا شك بقواعدهم الموجودة هناك تحت مرمى النيران الإيرانية وعملائها ووكلائها.

فمسألة الوصول إليهم أمرٌ سهل، وهذا ما حدث قبيل اغتيال سليماني الجنرال القوي المدلل الذي كان يتنقل من دولة (ذات النفوذ الشيعي) إلى أخرى بكل سلاسة وسهولة تحت أعين الأمريكان الذين لا تخفى عليهم خافية في المنطقة، فمحاولة إقتحام السفارة الأمريكية من قبل محتجين عراقيين قبيل عملية الاغتيال بفترة قصيرة الأمر الذي فسره الأمريكان على أنه تجاوز لكل الخطوط الحمراء وأنه لعب في النار ويجب الرد عليه بكل حزم وجزم حتى تعرف إيران ووكلاؤها أن اللعب مع الأمريكان ليس بالأمر الهين وأنه لعبٌ في النار وهذا ماحدث فكان الرد من العيار الثقيل باغتيال الجنرال سليماني رجل إيران القوي ومهندس مشروعها المقدس!

كان على إيران أن تدرك أن لتمددها غير المسؤول حد، وأن الأمور لن تجري كما تريد دائماً فجرائمها التي ارتكبتها في المنطقة جعل الجميع يغضب منها ويترصد لها، وكان على أمريكا أن تدرك أن إيران اتخذتها وسيلة لتحقيق أهدافها في المنطقة وخدمة مشروعها التوسعي، وما حصل بينهما من توتر أمرٌ متوقع كان لابد منه منذ فترةٍ طويلة! وما بين إيران وأمريكا (والتقديم هنا ليس للتفضيل) دولٌ عربية لا حول لها ولا قوة للأسف الشديد، دول بلا مشروع ولا هدف سوى أنها مجبرةٌ أن لا تقف على الحياد وأن تنخرط كل منها في تحالف معين يتبادلون القنابل والصواريخ، الشتائم و الاتهامات، أمرٌ محزن مخجل ما وصلت إلية أمتنا!

أما إيران كيف سترد على اغتيال الجنرال، فجميع الخيارات متاحة بالنسبة لها فهي الدولة الذكية التي تملكُ أذرعاً ووكلاءً وخلايا نائمة في جميع أنحاء العالم، فإن لم يكن الرد على الأرض فبكل تأكيد أنها ستخوض مفاوضات ذكية لتحصل على مكاسب جديدة تنسيها مقتل سليماني أو ستردُ سياسياً عن طرقها مباشرةً أو عن طريق أذرعها، والخاسر الوحيد من هذا التوتر بلا شك سيكون الدول العربية وهذا مالا نتمناه، هذا إن لم تحصل حرباً شاملة لا تبقي ولا تذر وهذا أيضا مالا نتمناه لأن الدول العربية ستكون الخاسر الأكبر في هذه الأرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.