شعار قسم مدونات

بريطانيا بعد "البريكسيت".. هل هو الحنين إلى زمن الإمبراطورية؟

blogs البريكسيت

"البريكسيت مجرد مشروع سياسي لليمين المتشدد داخل حزب المحافظين وليس داعميه الرأسماليين. وقد تمكنت تلك القوى في الواقع من أن تسيطر على الحزب". ديفيد ادغارتون.

ليلة ٣١ من يناير خرجت بريطانيا رسميا من العائلة الأوروبية بعد ٤٧ سنةً من الوحدة والمصير المشترك، هذا الخروج رأه البعض أشبه بولدٍ خرج من حضن العائلة ليبحث عن فرص جديدة تمكنه من فرض نفسه أكثر وتجعلَ له اسماً اكثر وزناً، ربما لا يستقيم هذا المثال إلى حد كبير في الحالة البريطانية لأننا نتحدث ببساطة عن دولة كانت إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس ممتدة في جميع القارات ويمكن اعتبار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مجرد خمول لمملكة كانت أقوى دولة على وجه الأرض.

انتصرت عزيمة المحافظين الذين حاولوا منذ سنوات عديدة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وخلفهم الشركات الرأسمالية التي لطالما مولت حزب المحافظين ويمكن اعتبار "البريكسيت" انتصاراً لها كقوة اقتصادية عبر ذراعها السياسي المتمثل في حزب المحافظين. يجمع المحللون الاقتصاديون في المملكة المتحدة أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ستكون له تبعات اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد لأن ٤٧ سنةً من الاندماج لا يمكن تخطيها بين عشية وضحاها دون خسائر بل هناك من يتحدث عن كارثة اقتصادية ستعرفها بريطانيا إن لم تتخذ إجراءات أنية وفعالة لتجنب أزمات اجتماعية متوقعة مع نقص معدل الدخل الفردي للمواطن البريطاني.

إن استقلت إسكتلندا ستفتح الطريق أمام الآخرين من أجل سلك نفس الطريق لتقرير المصير والبحث عن فضاءات أوسع، تبحث بريطانيا من خلال الخروج من البيت الأوروبي العودة إلى الأمجاد وستبحث دول أخرى خاضعة للتاج البريطاني للانفصال

بعيداً عن لغة الاقتصاد يطرح العديد من السياسيين والمواطنين العاديين في بريطانيا اليوم تساؤلات عن وزن دولتهم في عالم متسارع ومتغير؟ ما هو موقع بريطانيا في الخريطة الدولية؟ كانت بريطانيا تظن من خلال انضمامها للاتحاد الأوروبي أن هذا الأخير سيحكم العالم ويصبح المعادلة الأقوى اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، لكن لا شيء من هذا تحقق لا زالت الولايات المتحدة الامريكية تسيطر على العالم وبرزت قوى جديدة لم تكن إلى الأمس القريب تساوي شيئاً في المعادلة الدولية.

لم يستطع الاتحاد الأوروبي بدوله الثمان والعشرين قبل خروج بريطانيا أن يشكل القوة الأولى عالميا، حيث ظلت أحلام الإمبراطورية تراود البريطانيين الذي يرون أنفسهم داخل اتحادٍ موحد سياسيا لكن بمستقبل اقتصادي يطرح علامات استفهام وهم يرون أن دول كروسيا والصين وتركيا والهند وباقي دول التنين الآسيوي تسارع الزمن من أجل مكانة أكثر قوة في العالم، حتى في الصراعات الدولية يكاد الدور البريطاني يكون ضعيفاً بالمقارنة مع الأدوار الأمريكية والروسية والتركية وإن كان هناك دور فهو داخل المجموعة الأوروبية مع فرنسا وألمانيا دائماً وغابت لندن عن اتفاقيات السلام الدولية التي تعقد هنا وهناك.

كان آخر بروز للدور البريطاني في العالم مع غزو العراق سنة ٢٠٠٣ واستجابة رئيس الوزراء الأسبق "طوني بلير" لدعوة جورج بوش الابن للإطاحة بنظام صدام حسين، ولم نرى بعد ذلك أي قوة عسكرية وديبلوماسية بريطانية تذكر. صحيح في فترة من الفترات عزز الاتحاد الأوروبي نفسه كنموذج وحدوي إقليمي يحتذى به في العالم، لكن نماذج الدول الناجحة اقتصاديًا دون وحدة (أمريكا-الصين-تركيا-روسيا) جعل شهية البريطانيين تنفتح من أجل العودة الى أحلام القوة الأولى.. فهل ينقلب السحر على الساحر؟

ربما كان في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مغامرة حقيقية، عوض الأحلام الإمبراطورية سيعود شبح الانفصال من جديد، فمباشرة بعد إعلان الخروج الرسمي من الاتحاد الأوروبي خرجت رئيسة وزراء إسكتلندا "نيكولا ستيرجن" لتقول إن اجراء استفتاء ثان للانفصال عن بريطانيا أمرٌ مفروغ منه وهو الأمر الذي تصدر برنامجها الانتخابي قبل أن تفوز بالأغلبية.

بعد فشل استفتاء ٢٠١٤ ورفض الأسكتلنديين الانفصال عن المملكة المتحدة، تواجه الدعوة الجديدة للاستفتاء مشكلة قانونية فلندن تعتبر أن الاستفتاء لا يمكن أن يجرى سوى مرة في كل جيل، لكن نيكولا ستيرجن ترى أن السياق والوقائع تغيرت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقد أعلنتها صراحة: "نريد أن نقوم باستفتاء من أجل الانفصال عن بريطانيا والانظمام إلى الاتحاد الأوروبي". في الطريق للعودة للأمجاد ستمر بريطانيا بمطباتٍ كثيرة قد تكون بعضها فارقة في تاريخ المملكة الحديث، إن استقلت إسكتلندا ستفتح الطريق أمام الآخرين من أجل سلك نفس الطريق لتقرير المصير والبحث عن فضاءات أوسع، تبحث بريطانيا من خلال الخروج من البيت الأوروبي العودة إلى الأمجاد وستبحث دول أخرى خاضعة للتاج البريطاني للانفصال بحثاً كذلك عن مستقبل منفصل ما يجعل المعادلة هنا معقدة جداًّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.