شعار قسم مدونات

كورونا وأوبك بلاس.. أرضٌ خصبةٌ للإطاحة بالبترول

blogs نفط

يترنّح المُتداول في عقود النفط الآجلة بين دفتي ملاحظة هامّة، إذ أن الخروج من الأزمة الحالية وعودة النصاب في الأوساط الاقتصادية هو حقيقة مجرّدة.. ولكن! تباعاً للمراجعة التاريخية في استراتيجية شركات النفط العالمية والفوهة الحاصلة بين أوبك وحلفائها المستقلين إضافة للواقع الاقتصادي المنهك في ظلّ انتشار وباء كورونا العالمي "covid-19" مع التمعّن في سياسات الدول الكبرى، فإنه على محللي السوق النفطي والمتداولين فيه قبل وضع النظرة الأولى لأهدافهم المستقبلية؛ الأخذُ بعين الاعتبار لمعطيات أساسية ليس من الجانب الاقتصادي فقط، بل على الجانب السياسي أيضاً من حيث إيضاحه طول المدّة المتوقعة لانتهاء فوضى السوق العالمي برمّته.

وعليه فإن الحسابات تتراوح بين دراسة حاجة السوق الوقتية لإعادة توازنه من إنتاج واستهلاك وتعافي أسواق البورصة العالمية من جهة وتوظيف ساسة الدول الكبرى للفجوة الاقتصادية الحاصلة في تحقيق مكاسب كانت لتكون بعيدة المنال في وضع عالمي أكثر استقراراً.

تأثير تباطؤ الاقتصاد على تعافي أسعار البترول
تأخذ الولايات المتّحدة في التجهيز لقطف ثمار المكسب السياسي والاستراتيجي مستغلة حرب الأسعار المستعرة بين أوبك وحلفائها المستقلين، لتبدأ بذلك عملية الضغط التلقائية على اقتصاد إيران المتاهلك جراء حظر توريد النفط والعقوبات الاقتصادية

على الجانب الاقتصادي، وعلى الرّغم من تصريحات صينية بشأن وباء كورونا وإمكانية انحساره أواخر شهر نيسان المقبل، إلّا أن تقارير التفشي الخارجية بشكل يومي توحي بالتوجه نحو الذروة في انتشار العدوى وتأزم الموقف الصحي العالمي وهو ما سيؤثر بلا شك على القطاع الصناعي والخدماتي كقطاع السفر والسياحة، ينضمّ إليهم فئة الشركات الناشئة والتي ستتكبد خسائر ستكون قاضية على الكثير منها.

الأزمة الاقتصادية فاقمها بلا شكّ فشل منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك وحلفائها من منتجين مستقلين في التوصل لاتفاق يحثّ على خفض الإنتاج، ليشكّل ذلك المسمار الأخير في نعش العقود الآجلة للبترول والتي قاومت انخفاضاً ساهم به وباء كورونا لتبقى فوق مستوى الأربعين دولاراً للبرميل، ما أدى لهبوط حاد كلّف سوق النفط خسارة في افتتاح أسواق البورصة لامس حدّ الـ 30 بالمائة ليتراجع إلى 25.

خسارة عقود النفط بدت تداعياتها واضحة على الأسواق المالية للدول المنتجة حيث هوت بورصة الخليج، تبعتها بورصة وول ستريت، امتدّ ذلك في الوقت عينه ليلحق أضراره بقيمة العملات ومنها الريال السعودي والروبل الروسي. أسواق الأسهم الأخرى تشهد في مستجداتها اليومية وافتتاحها أزمة حقيقية، إذ يثير الهبوط الحاد في قيمة الأسهم الكبرى مخاوف اقتصادية جمّة من أزمة عالمية تهدد الحركة الانتاجية والاستهلاكية، وإذا ما تململ صناع القرار السياسي في معالجة الخلل في وقت مبكر فسيكون من الصعوبة القصوى تجنب انهيار وشيك على غرار انهيار 2008.

مكاسب سياسية وترصّد

على الدفّة السياسية، تأخذ الولايات المتّحدة في التجهيز لقطف ثمار المكسب السياسي والاستراتيجي مستغلة حرب الأسعار المستعرة بين أوبك وحلفائها المستقلين، لتبدأ بذلك عملية الضغط التلقائية على اقتصاد إيران المتاهلك جراء حظر توريد النفط والعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، يتزامن ذلك مع تحول الجمهورية الإسلامية إلى بلدٍ موبوء بفيروس كورونا وانعدام القدرة لدى السلطات المحلية على التصدي للعدوى.

على الرّغم من الضرر الكبير الذي سيلحقه دنو الأسعار بشركات البترول الأمريكية المنتجة للنفط الصخري، إلا أن حجم استهلاك السوق الأمريكي سيعزز النمو الداخلي للولايات المتحدة، وهو ما سيستغله الرئيس الحالي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ليوظّف الرجل الحالة النفطية الحالية كحملة انتخابية مبكرة للظّفر بولاية رئاسية ثانية، وقد يكون هنا ترحيب ترامب بالأسعار الجديدة عامل القوّة في تعزيز النظرية أعلاه، ضمن نفوذ الأخير في الضغط على الداخل السعودي لخفض أسعار النفط، في ظلّ تحركات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإجراءاته بحقّ أمراء نافذين في العائلة الحاكمة، والتي ما كانت لتحدث لولا ضوءٍ أمريكي إيجابي.

النظرة الروسية لتداعيات سوق النفط

في الناحية الأخرى يرى لوبي النفط الروسي أنّ خضوع موسكو الدائم لإشارات أوبك التي تترأسها الرياض وقراراتها في خفض الإنتاج عامل ضعفٍ آخر، يضاف إلى ذلك القراءة الخاطئة والتي شكلت تحالف أوبك بلاس بين أوبك وروسيا، إذ أنّ الموقف المستجد على أسواق النفط يعتبره الروس عاملاً لإعادة هيكلة العلاقة بين موسكو والرياض من ناحية الإملاء والقرار وتحديد مسار الإنتاج والسعر، وهو ما يعقّد التوصل إلى اتفاق آخر قريب بين أعضاء أوبك بلاس.

إن سوق النفط الخام ونفط برنت وبناءً على ما سبق؛ متوجهٌ نحو الدنو أكثر في الأسعار لما سيترتب على إصرار العواصم الكبرى النفطية من تخمة في مخزونها المستخرج وقلّة في الطلب، إضافة إلى الموقف الأمريكي المرّحب للأسعار الراهنة، وهنا تجدر الملاحظة إلى أن إمكانية خروج أسواق النفط من نفقها المظلم شحيحة جداً في الأيام وحتى الأسابيع القليلة القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.