شعار قسم مدونات

الإعلام المصري.. إلى هذه الدرجة يسخرون منا؟

blogs مصر

كعادة المصريين يعشقون المزاح وإطلاق النكات حتى في أحلك الظروف، لا يحب المصريون الحزن، وسرعان ما يحولون الألم إلى مادة للضحك، لكن هذا لا ينطبق بالضرورة على ما قام به الإعلام المصري من تحويل أزمة فيروس كورونا العالمية إلى مادة للفكاهة، لقد استخف بالكارثة لدرجة جعلت المصريين يتعاملون مع الفيروس وكأنه زائر خفيف الظل لا وحش يحصد الأرواح.

 

يحدثني زميل سوري يعيش في مصر أنه ذهب إلى منطقة خان الخليلي والذي يعد أحد أحياء القاهرة القديمة المزدحمة، وكان يرتدي الكمامة تحسباً لوجود أحد يحمل الفيروس. لم يسلم ذلك الزميل من سخرية المارة وأصحاب المحال التجارية فقط لأنه حاول حماية نفسه من عدوى الفيروس، فالبعض قال له: ينقصك البالطو فقط لتصبح طبيباً، وآخر يقول له "أنت فاكر نفسك في الصين يا أستاذ"، طوال وجوده في الخان لم تتوقف التعليقات.

 

أتحدث مع أم صديقتي وأدعوها لأخذ الحيطة والحذر، فقالت لي "يا بنتي العمر واحد، احنا مصريين مفيش حاجة بتحوء (تؤثر) فينا". حاول الإعلام المصري وممثليه من المذيعين من التغطية على فشل حكومتهم في التعامل مع الأزمة، إذ ظهر الإعلامي جابر القرموطي على قناة الحياة وهو يجري لقاءً ساخراً مع شخص يجسد فيروس كورونا، وهو يقول "أنا مظلوم، المصريين يهولون الموضوع"، مضيفاً "الولد مصاب بالزكام وارتفاع درجة الحرارة ليه تلبسوهاني أنا". بينما يقول الإعلامي عمرو أديب في برنامجه الحكاية "احنا بنجلد نفسنا.. ويوم ما تيجي الكورونا يبقى أهلاً بالمعارك، احنا المصريين يا كرونا، احنا عو يا كرونا ومش بنخاف".

 

البعض من هؤلاء "الإعلاميين" قد يرى تعاطى بعض الإعلاميين مع كارثة كورونا مضحكاً، والبعض الآخر يبسط الأمور وكأنها هينة كالإعلامية "لميس الحديدي" التي دعت الناس إلى الهدوء، وعدم الحديث في هذا الأمر لترك مؤسسات الدولة تعمل، بينما يقوم البعض كأمثال المذيعة بسمة وهبه بتشتيت عقول المشاهدين، وشدهم إلى نقطة أخرى وهي أن مصر بخير، وأن لجان جماعة الإخوان المسلمين -كما تدعي وهبه- هي من تقوم بنشر الشائعات وكأن كورونا حرب سياسية.

 

المغزى من أحاديث الإعلاميين ليس بريئاً، فهم عبارة عن صورة لمؤسسات الدولة ولا يفعلون إلا ما يؤمرون به، وما يقومون به ما هو إلا خطة محكمة لبرمجة عقول المشاهدين المصريين، خاصة من الطبقة الفقيرة التي تتلقى فقط الأخبار من هؤلاء، وبالنسبة لهم ما يتفوه به الإعلاميون حقيقة وصحيح ولا يقبل النقاش. فبدلاً من أن يقوم الإعلام بدوره الأخلاقي في توعية المواطنين، وحثهم على اتباع العادات الصحية السليمة لتفادي الإصابة بالفيروس القاتل، إضافة إلى توعيتهم بكيفية التعامل في حال وجود شخص مصاب، يقومون بالعكس تماماً وكأن الأمر بسيط، حفاظاً على الأدوار التي يلعبونها، وما دام أنهم في مأمن فلماذا يأبهون بسلامة الغير؟

 

اتبع الإعلاميون المصريون سياسة التعتيم على الأرقام الحقيقية، ومدى خطورة الفيروس، حيث تنشر المواقع الإلكترونية والقنوات التابعة للسلطات المصرية الحالية أخباراً تفيد باستقرار البلاد والسياحة، وكأن شيئاً لم يكن رغم التحذيرات العالمية بتحول الفيروس إلى وباء. إن الطريقة التي يتعاطى بها الإعلام المصري مع انتشار الفيروس، ما هي إلا استخفاف بعقول المواطنين، واستهتار واضح بسلامتهم وصحتهم، ويجب محاسبة هؤلاء الإعلاميين بتهمة تضليل الرأي العام، وتعريض حياة المواطنين للخطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.