شعار قسم مدونات

أنا صحفي عاطل عن العمل

blogs إعلامذ

سألني الدكتور المسؤول في مقابلة القبول عندما تقدمت لدراسة الصحافة والإعلام، لماذا تريد أن تصبح صحفياً؟ كنت في غاية الحماس والاندفاع وقبل أن يكمل سؤاله انطلقت إجابتي التي كنت أتصور وقتها أنها مثلى فقلت في تحمس كبير لأصبح صوت من لا صوت له.
لأقف مع المظلوم ضد الظالم.
لأفضح الفساد حيثما كان.
لأساعد أمتي لتنهض.
لأصحو يوماً وقد بنيت بلادنا وأزهرت، وأشرق الصبح الجميل وامتد لينير الأفق حولها.

اليوم وبعد مضي عشرة أعوام على ذلك السؤال أقول إني كنت في غاية السطحية وكنت مغيباً تماماً عن الواقع، ولو عاد بي الزمن لسألته رداً على سؤاله وهل ستجعل مني صحفياً !؟ لماذا لم تخبرني أن الجامعة وحتى المؤسسات الإعلامية لن تصنع منك صحفياً أبدا!

بعيداً عن تعريف الصحفي وقبل أن تتعجب وتسأل أجيبك بكل بساطة ويسر، عليك أولاً أن تعرف أين أنت قبل أن تقدم على الجامعة أو المؤسسة فإذا كنت مواطناً عربياً فعليك أن تراجع مصطلح صحفي، فالذي يكتب وفق ما يُؤمر به وينتهي عما هو محظور عليه، والذي يبحث ويتحرى فقط عما يخدم الأجندة التي تتبعها المؤسسة أو الدولة التي يكتب منها، والمكبل بالأوضاع السياسية وتقلباتها والسلطة التي هو أسفلها ليس صحفياً إطلاقا، إنما هو كاتب من كتاب السلطة بشكل أو بآخر؛ فلن يكون الصحفي صحفياً ما لم يكن حراً طليقاً دون أي قيود.

بعد دخولي عالم الإعلام المؤسسي في العالم العربي، أجد نفسي أمام سؤال مُلحٍّ، متعب ومرهق، هل هذا فعلاً ما قاتلت لأجله؟!

إذا سمعت يوما عن الكفاءة والفرص المتساوية للجميع، فاعلم أن هذا لا يعدو كونه أكثر من دعاية خاوية؛ فلم تعد الكفاءات مهمة، ولم يعد المضمون هو الأهم، نعم أنت لست أكثر من رقم يقاس وفق الأرقام التي تحققها في فضاء السوشيال ميديا. ومما يدعو فعلاً للاشمئزاز أن ترى مؤسسات إعلامية عربية كبرى ذات تاريخ حافل وسمعة طيبة تلهث خلف مشاهير السوشيال ميديا وفق شهرتهم والأرقام التي يحققونها حتى وإن كان المحتوى الذي يقدمونه غير أخلاقي كالاتجار بفضائح وأسرار وخصوصيات البعض وإن كانوا أطفالاً.

هنا، وفي هذه المهنة النبيلة، يُترك كل ما هو نبيل.
هنا، لا أخلاق ولا مبادئ.
هنا، ستكتب ما يملى عليك، إما ترغيباً أو ترهيباً.
هنا، وقبل أن تنتقد المطبلين للأنظمة الفاسدة، ستمارس أنت التطبيل لمديرك أو لمن هو أعلى منك سلطة.
هنا، وقبل أن تضع مبدأ لا تسكت عن حق مسلوب نصب عينك؛ ستظلم وتظلم، وتسكت وترضى، وتهلل وتسبح بحمد المؤسسة التي تعمل فيها.

 

تُرى في أي وقتٍ ينتهي ذلك الخطأ ! فلم أعد أفهم حقاً كيف تدار مؤسساتنا الإعلامية، ولا أفهم أبداً، ما معنى أن يأتي مدير جديدٌ، فيتخلص من الصحفيين القدماء، ويأتي بعصبته الخاصة، بحجة تجديد الدماء. هل يعقل هؤلاء أن هذه المراكز ليست كسباً شخصياً، وليست كدولة ملكية فاسدة، إذا ذهب ملكها ذهبت معه حاشيته وخاصته.

مهنة من لا مهنة له

مقولة يتجسد معناها فيما يحدث داخل جسد المؤسسات الإعلامية العربية؛ العلاقات وصلات القرابة قبل كل شيء، حتى لو أن الجامعات أضافت شرطا للقبول في دراسة الصحافة والإعلام أن يكون لك قريب أو علاقات قوية في الوسط الإعلامي لما أنكرت عليها ذلك، فرغم مرارته إلا أنه سينجد الكثير من دوامة الأحلام التي يغرقون فيها، سينقذهم من الصدمة وخيبة الأمل، التي سيكتوون بنارها حتما عاجلاً أو آجلاً عند احتكاكهم بالواقع الإعلامي العربي المر.

بعد دخولي عالم الإعلام المؤسسي في العالم العربي، أجد نفسي أمام سؤال مُلحٍّ، متعب ومرهق، هل هذا فعلاً ما قاتلت لأجله؟! لذا أقولها اليوم وبصوت عال أنا لست صحفياً مؤسسياً أنا صحفيٌّ عاطل عن العمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.