شعار قسم مدونات

الإسراء والمعراج.. دروس للإنسانية في إعجاز الله وقدرته

blogs القدس
قبة الصخرة (رويترز)

يصادف 8 فبراير 2024، ذكرى الإسراء والمعراج، والتي نستفيد من سردها والحديث عنها، الكثير من الدروس والعبر لنا وللإنسانية جمعاء.

كان وجود أبي طالب بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سياجا واقيا له يمنع عنه أذى قريش؛ لأن قريشا ما كانت تريد أن تخسر أبا طالب، ولـما توفي أبو طالب؛ انهار هذا الحاجز، ونال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضرر الجسدي الشيء الكثير، وكانت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم البلسم الشافي لما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجراح النفسية التي يلحقها به المشركون، ولـما توفيت فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البلسم.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى الطائف بعدما اشتد عليه أذى قريش وأمعنوا في التضييق عليه، يطلب من زعمائها نصرة الحق الذي يدعو إليه، وحمايته، حتى يبلغ دين الله، فما كان جوابهم إلا أن ردوه أقبح رد، ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرسلوا إلى قريش رسولا يخبرهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فتجهمت له قريش، وأضمرت له الشر، فلم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم  دخول مكة إلا في جوار رجل كافر، لقد تجهمت له قريش، وأحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزادت حزنه، وهمه؛ حتى سمي ذلك العام بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بـ(عام الحزن)، وبعد هذا كله حصلت معجزة الله لرسوله، ألا وهي: الإسراء والمعراج.

في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى، توطئة للهجرة، ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر، والضلال، والفسوق.

أما هدف هذه المعجزة، فيتمثل في أمور؛ من أهمها:

الله -عز وجل- أراد أن يتيح لرسوله صلى الله عليه وسلم  فرصة الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتى يملأ قلبه ثقة فيه، واستنادا إليه؛ حتى يزداد قوة في مهاجمة سلطان الكفار القائم في الأرض، كما حدث لموسى عليه السلام، فقد شاء أن يريه عجائب قدرته. قال تعالى: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى ۝ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ۝ قال ألقها يا موسى ۝ فألقاها فإذا هي حية تسعى ۝ قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ۝ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ﴾ [طه: 17 – 22] فلـما ملأ قلبه بمشاهدة هذه الآيات الكبرى، قال له بعد ذلك: ﴿لنريك من آياتنا الكبرى﴾ [طه: 23].

في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى، توطئة للهجرة، ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر، والضلال، والفسوق. والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة؛ منها: الذهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسموات، والجنة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب… إلخ، كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: ﴿لنريه من آياتنا﴾ [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: ﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علوم، وأسرار، ودقائق ودروس، وعبر.

يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: «لم يكن الإسراء مجرد حادث فردي بسيط رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم  الآيات الكبرى، وتجلى له ملكوت السموات، والأرض مشاهدة، عيانا؛ بل – زيادة إلى ذلك – اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على معان دقيقة كثيرة، وشارات حكيمة بعيدة المدى فقد ضمت قصة الإسراء، وأعلنت السورتان الكريمتان اللتان نزلتا في شأنه «الإسراء» و«النجم»: أن محمدا صلى الله عليه وسلم  هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه، وفي إسرائه مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانا بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزمان، وأفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، ووصف إمامته، وقيادته، وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها، وامنت به، وبيان رسالتها ودورها الذي ستمثله في العالم، ومن بين الشعوب، والأمم».

في الحديث: صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح

أولا: قصة الإسراء والمعراج كما جاءت في بعض الأحاديث

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت بالبراق -وهو دابـة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه- قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة؛ التي يربط به الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة».. فذكر الحديث [مسلم (162)].

وفي حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم  حدثه عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم -وربما قال في الحجر- مضطجعا؛ إذ أتاني ات، فقد -قال: وسمعته يقول: فشق- ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره [إلى شعرته وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته -فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل، وفوق الحمار أبيض- فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟! قال: أنس: نعم -يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت؛ فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح، والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـما خلصت؛ إذا يحيى، وعيسى – وهما ابنا خالة – قال: هذا يحيى، وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـما خلصت؛ إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـما خلصت؛ فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـما خلصت؛ فإذا هارون، قال: هذا هارون، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلـما خلصت؛ فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح؛ فلـما تجاوزت؛ بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي؛ لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي.

ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فلـما خلصت؛ فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك، فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح، والنبي الصالح، ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل اذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟! قال: أما الباطنان؛ فنهران في الجنة، وأما الظاهران؛ فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة؛ التي أنت عليها، وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، قال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله! قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى، وأسلم، قال: فلـما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي» [البخاري (3207) ومسلم (164)].

كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته – عليه السلام – بسنة، هكذا قال القاضي عياض في الشفا، ولـما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم  من رحلته الميمونة؛ أخبر قومه بذلك، فقال لهم في مجلس حضره المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة: إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما دون ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء؛ منهم: إبراهيم، وموسى وعيسى، وصليت بهم، وكلمتهم، فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به: صفهم لي، فقال: أما عيسى: ففوق الربعة، ودون الطول، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد، أشعر، تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي. وأما موسى: فضخم آدم، طوال، كأنه من رجال شنوءة، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم: فوالله إنه لأشبه الناس بي، خلقا، وخلقا. فقالوا: يا محمد! فصف لنا بيت المقدس، قال: «دخلت ليلا، وخرجت منه ليلا»، فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول: «باب منه كذا، في موضع كذا، وباب منه كذا، في موضع كذا».

ثم سألوه عن عيرهم، فقال لهم: «أتيت على عير بني فلان بالروحاء، قد ضلت ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله اية! – «ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخطط ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا؟ فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله اية! – «ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم، يقدمها جمل أورق، وها هي تطلع عليكم من الثنية» فقال الوليد بن المغيرة: ساحر، فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال [المطالب العالية (4/201 – 204، ومجمع الزوائد (1/75 – 76) وابن هشام في السيرة النبوية (2/11)]. كانت هذه الحادثة فتنة لبعض الناس، ممن كانوا امنوا، وصدقوا بالدعوة، فارتدوا، وذهب بعض الناس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم: أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: أو قال ذلك؟! قالوا: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق! قالوا: أو تصدقه: أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟! قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر: الصديق [الحاكم (3/62)].

شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية، تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم، ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم، وتلقي نكيرهم، واستهزائهم، فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل

ثانيا: فوائد ودروس وعبر

1- بعد كل محنة منحة، وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  لمحن عظيمة، فهذه قريش قد سدت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وفي ثقيف، وفي قبائل العرب، وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالاتها من كل جانب، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم  في خطر بعد وفاة عمه أبي طالب أكبر حماته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  ماض في طريقه، صابر لأمر ربه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا حرب محارب، ولا كيد مستهزئ، فقد ان الأوان للمحنة العظيمة، فجاءت حادثة الإسراء والمعراج، على قدر من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعا، ويكرمه على صبره، وجهاده، ويلتقي به مباشرة دون رسول، ولا حجاب، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيد واحد، فيكون الإمام، والقدوة لهم، وهو خاتمهم، وآخرهم صلى الله عليه وسلم.

2- إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى للبنات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية، متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص؛ ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء والخلص؛ الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقا، وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأي حظ يحوطهم، وأي سعد يغمرهم، وهم حول هذا النبي المصطفى، وقد امنوا به، وقدموا حياتهم فداء له، ولدينهم؟! كم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف؟! وبعد دخول مكة في جوار، وبعد أذى الصبيان، والسفهاء؟!

3- إن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية، تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم، ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم، وتلقي نكيرهم، واستهزائهم، فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل، وإن تحزبوا ضد الحق، وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، وكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على المشركين أن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس، وأظهر الله له علامات تلزم الكفار بالتصديق، وهذه العلامات هي:

  • وصف النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، وبعضهم قد سافر إلى الشام، ورأى المسجد الأقصى، فقد كشف الله لنبيه صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى حتى وصفه للمشركين، وقد أقروا بصدق الوصف، ومطابقته للواقع الذي يعرفونه.
  • إخباره عن العير التي بالروحاء، والبعير الذي ضل، وما قام به من شرب الماء الذي في القدح.
  • إخباره عن العير الثانية التي نفرت فيها الإبل، ووصفه الدقيق لأحد جمالهم.
  • إخباره عن العير الثالثة التي بالأبواء، ووصفه الجمل الذي يقدمها، وإخباره بأنها تطلع ذلك الوقت من ثنية التنعيم، وقد تأكد المشركون، فوجدوا أن ما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كان صحيحا، فهذه الأدلة الظاهرة كانت مفحمة لهم، ولا يستطيعون معها أن يتهموه بالكذب. كانت هذه الرحلـة العظيمة تربية ربانيـة رفيعة المستوى وأصبح صلى الله عليه وسلم يرى الأرض كلها، بما فيها من مخلوقات نقطة صغيرة في ذلك الكون الفسيح، ثم ما مقام كفار مكة في هذه النقطة؟! إنهم لا يمثلون إلا جزءا يسيرا جدا من هذا الكون، فما الذي سيفعلونه تجاه من اصطفاه الله تعالى من خلقه، وخصه بتلك الرحلـة العلويـة الميمونـة، وجمعه بالملائكـة والأنبياء – عليهم السلام – وأراه السماوات السبع، وسـدرة المنتهى، والـبيت المعمور، وكلمه جل وعلا؟

4- يظهر إيمان الصديق رضي الله عنه القوي في هذا الحدث الجلل، فعندما أخبره الكفار، قال بلسان الواثق: لئن كان قال ذلك؛ لقد صدق! ثم قال: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة، أو روحة، وبهذا استحق لقب الصديق، وهذا منتهى الفقه، واليقين، حيث وازن بين هذا الخبر، ونزول الوحي من السماء، فبين لهم: أنه إذا كان غريبا على الإنسان العادي، فإنه في غاية الإمكان بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

5- إن الحكمة في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وملء قلبه إيمانا وحكمة؛ استعدادا للإسراء تظهر في عدم تأثر جسمه بالشق، وإخراج القلب مما يؤمنه من جميع المخاوف العادية الأخرى، ومثل هذه الأمور الخارقة للعادة يجب التسليم لها دون التعرض لصرفها عن حقيقتها؛ لمقدرة الله تعالى، التي لا يستحيل عليها شيء.

6- إن شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن حين خير بينه وبين الخمر، وبشارة جبريل عليه السلام: «هديت للفطرة»، تؤكد: أن هذا الإسلام دين الفطرة البشرية؛ التي ينسجم معها، فالذي خلق الفطرة البشرية خلق لها هذا الدين، الذي يلبي نوازعها، واحتياجاتها، ويحقق طموحاتها، ويكبح جماحها: ﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ [الروم: 30].

7- كان إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، بالروح والجسد يقظة إلى بيت المقدس، وعلى هذا جماهير السلف، والخلف، ولا يعول على من قال: إن الإسراء كان بروحه، وأنه رؤيا منام؛ إذ لو كان الإسراء مناما؛ لما كانت فيه اية، ولا معجزة، ولما استبعده الكفار، ولا كذبوه؛ إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، ثم إن في قوله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾، والمقصود بعبده: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكلمة «بعبده» تشمل روحه، وجسده.

8- إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  بالأنبياء دليل على أنهم سلموا له القيادة، والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، وأنه وسع أتباع هؤلاء الأنبياء ما وسع أنبياءهم، أن يسلموا القيادة لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولرسالته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها، ولا من خلفها، إن على الذين يعقدون مؤتمرات التقارب بين الأديان أن يدركوا هذه الحقيقة، ويدعوا إليها، وهي ضرورة الانخلاع من الديانات المنحرفة، والإيمان بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته، وعليهم أن يدركوا حقيقة هذه الدعوات المشبوهة، التي تخدم وضعا من الأوضاع، أو نظاما من الأنظمة الجاهلية، وأي تقريب بين عقيدة منحرفة تعتقد: أن الله هو المسيح، وأن المسيح ابن الله، وأن الله ثالث ثلاثة، أو بين من يعتقد: أن عزيرا ابن الله، ويحرف كلام الله، وبين من يعتقد: أن الله واحد لا شريك له، ولا والد، ولا ولد، ولا زوجة له – وهو عبث من القول.

تاريخ الحروب الصليبية يخبرنا: أن (أرناط) الصليبي صاحب مملكة الكرك، أرسل بعثة للحجاز للاعتداء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى جثمانه الشريف في المسجد النبوي، وحاول البرتغاليون (النصارى الكاثوليك) في بداية العصور الحديثة الوصول إلى الحرمين الشريفين؛ لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون، ولكن المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك، وكذا العثمانيون، حالت دون إتمام مشروعهم الجهنمي

9- إن الربط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام وراءه حكم، ودلالات، وفوائد؛ منها:

  • أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين؛ إذ أصبح مسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلا، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى، وفلسطين؛ لأنها مباركة، ومقدسة.
  • الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى، بمسؤولية تحرير المسجد الأقصى من أوضار الشرك، وعقيدة التثليث، كما هي أيضا مسؤوليتهم تحرير المسجد الحرام، من أوضار الشرك، وعبادة الأصنام.
  • الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديد للمسجد الحرام، وأهله، وأن النيل من المسجد الأقصى، توطئة للنيل من المسجد الحرام؛ فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود، يعني: أن المسجد الحرام والحجاز قد تهدد الأمن فيهما، واتجهت أنظار الأعداء إليهما لاحتلالهما.

والتاريخ قديما وحديثا يؤكد هذا، فإن تاريخ الحروب الصليبية يخبرنا: أن (أرناط) الصليبي صاحب مملكة الكرك، أرسل بعثة للحجاز للاعتداء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى جثمانه الشريف في المسجد النبوي، وحاول البرتغاليون (النصارى الكاثوليك) في بداية العصور الحديثة الوصول إلى الحرمين الشريفين؛ لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون، ولكن المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك، وكذا العثمانيون، حالت دون إتمام مشروعهم الجهنمي، وبعد حرب (1967 م)، التي احتل اليهود فيها بيت المقدس صرخ زعماؤهم بأن الهدف بعد ذلك احتلال الحجاز، وفي مقدمة ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخيبر.

لقد وقف دافيد بن جوريون زعيم اليهود بعد دخول الجيش اليهودي القدس، يستعرض جنودا وشبانا من اليهود بالقرب من المسجد الأقصى، ويلقي فيهم خطابا ناريا، يختتمه بقوله: «لقد استولينا على القدس، ونحن في طريقنا إلى يثرب»، ووقفت جولدا مائير رئيسة وزراء اليهود، بعد احتلال بيت المقدس، وعلى خليج إيلات العقبة، تقول: «إنني أشم رائحة أجدادي في المدينة، والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها». وبعد ذلك نشر اليهود خريطة لدولتهم المنتظرة؛ التي شملت المنطقة من الفرات إلى النيل، بما في ذلك الجزيرة العربية، والأردن، وسورية، والعراق، ومصر، واليمن، والكويت، والخليج العربي كله، ووزعوا خريطة دولتهم هذه بعد انتصارهم في حرب (1967) م في أوروبا.

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أن (بختنصر) بأمر من ملك الفرس، قد قام بتخريب مملكة اليهود، وجاس خلال الديار، وتفرقت بسبب ذلك بنو إسرائيل، فنزلت طائفة الحجاز، وطائفة يثرب، وطائفة بوادي القرى، وذهبت شرذمة لمصر، وقد وقع هذا الدمار الفارسي لدولة اليهود، في القرن السادس قبل الميلاد (597ق.م)

10- يرى القارئ في سورة الإسراء: أن الله ذكر قصة الإسراء في اية واحدة فقط. قال تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ﴾ [الإسراء: 1] ثم أخذ في ذكر فضائح اليهود، وجرائمهم، ثم نبههم إلى أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، والارتباط بين الآيات في سورة الإسراء، يشيـر إلى أن اليهـود سيعزلون عن منصب قيـادة الأمة الإنسانية؛ لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب، وأنه سيصير إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويجمع له مركزا الدعوة الإبراهيمية كلاهما، إن سورة الإسراء تعرضت للاستبداد الإسرائيلي، وبينت كيف تهاوى بين مخالب القوى الدولية الكبرى في ذلك الزمان «الفرس، والروم»؛ ولذلك فإن من الفوائد العظيمة في رحلة الإسراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته رؤية بعض آيات الله؛ لأن من أوضح آيات الله المتعلقة بالمسجد الأقصى هي آياته التاريخية التي كان يعكسها الصراع الروماني الفارسي -الإسرائيلي قبل الإسراء، قال تعالى: ﴿وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ۝ ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ۝ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ۝  الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ۝ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ۝ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ۝ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ﴾ [الإسراء: 2 – 7] .

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أن (بختنصر) بأمر من ملك الفرس، قد قام بتخريب مملكة اليهود، وجاس خلال الديار، وتفرقت بسبب ذلك بنو إسرائيل، فنزلت طائفة الحجاز، وطائفة يثرب، وطائفة بوادي القرى، وذهبت شرذمة لمصر، وقد وقع هذا الدمار الفارسي لدولة اليهود، في القرن السادس قبل الميلاد (597ق.م)، أما الدمار الثاني، وهو الدمار الروماني للدولة اليهودية «بعد أن أعيد بناؤها»، فقد وقع في القرن الميلادي الأول (70 م)، وذلك حين هدم القائد الروماني (تيتوس) هيكل أورشليم، وفر اليهود من وجه الاضطهاد الروماني السياسي الديني، وتتابعت هجرتهم، وانتهى بعضهم إلى جنوب الجزيرة العربية، حيث سبقهم أجدادهم الأوائل. فالشتات اليهودي في أطراف الجزيرة العربية، ما زال يحمل جرثومة الفساد في الأرض، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم  قد استوعب الظاهرة القرشية، واستعد لها، فعليه أن يحلل الظاهرة اليهودية، ويستعد لها، فاليهود ليسوا مجرد أمة تاريخية، كعاد، وثمود، تورد أخبارها للإرشاد، والاعتبار، وإنما هم أمة لها حضور كثيف في الواقع العربي الذي يعيش فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتحرك فيه لإقامة دولة الإسلام، فقد كانوا يشكلون – فوق مكانتهم الاقتصادية – مركز سلطة فكرية؛ لما لهم من أحبار، وأخبار، وكتب تراث نبوي، تؤهلهم لتحديد مواصفات النبوة، وطلب المعجزات، ووضع الشروط لصدق الرسل وصحة الرسالات، فإذا كانت قريش تستخدم الكعبة لمحاربة الإسلام، فإن اليهود كانوا يستخدمون التوراة لمحاربة القرآن، وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم  يتوقع معركة مع قريش؛ فعليه أن يتوقع معارك مع اليهود.

لقد صورت سورة الإسراء جانبا من الصراع الدولي بين الفرس، والروم، واليهود، ونزلت بعدها سورة الروم، وهي كذلك تتحدث عن الصراع الدولي. قال الله تعالى: ﴿الم ۝ غلبت الروم ۝ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ۝ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ۝ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ۝ وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ۝ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون﴾ [الروم: 1 – 7]. كان مشركو قريش يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، بينما كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، كما أورد المفسرون تفصيلات كثيرة عن الرهان الذي جرى بين أبي بكر الصديق، وبعض مشركي مكة حول المعركة القادمة بين الفرس، والروم؛ التي جزم فيها القرآن بانتصار الروم، وهزيمة الفرس.

وذهب ابن عطية إلى رأي آخر، يستحق التدبر؛ حيث قال: «الأقرب أن يعلل ذلك – أي: فرح المؤمنين – بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر – الروم – لأنه أيسر مؤنة – ومتى غلب الأكبر – الفرس – كثر الخوف منه. فتأمل هذا المعنى؛ مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يرجوه من ظهور دينه، وشرع الله الذي بعثه به، وغلبته على الأمم، وإرادة كفار مكة أن يرميه بملك يستأصله، ويريحهم منه»، على الفرس سيكون دليلا ماديا على صدق الخبر القرآني؛ وإنما سببه هو أن الله تعالى وظف القوة الجهازية الرومانية لصالح المسلمين الذين لم يقم لهم سلطان جهازي بعد؛ إذ إنه بعد أن يسلط الروم على الدولة الفارسية، فيحطموها، ويخضدوا شوكتها سيخرجون من المعارك منتصرين، ولكنهم منهكو القوة، مما سيمهد طريقا لنصر المسلمين عليهم، وينفتح للإسلام بذلك طريق للبروز كقوة عالمية جديدة على أنقاض القوتين المندحرتين.

أدرك الصحابة رضي الله عنهم، مسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى، وهو يقع أسيرا تحت حكم الرومان، فحرروه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وظل ينعم بالأمن، والأمان، حتى عاث الصليبيون فسادا فيه بعد خمسة قرون، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

11- أهمية الصلاة، وعظيم منزلتها: وقد ثبت في السنة النبوية: أن الصلاة فرضت على الأمة الإسلامية في ليلة عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفي هذا كما قال ابن كثير: «اعتناء عظيم بشرف الصلاة، وعظمتها»، فعلى الدعاة أن يؤكدوا على أهمية الصلاة، والمحافظة عليها، وأن يذكروا فيما يذكرون من أهميتها، ومنزلتها كونها فرضت في ليلة المعراج، وأنها من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته.

12- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان قد رأى ربه، فقال: «نور أنى أراه» [مسلم (178) والترمذي (3278)] .

13- تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن مخاطر الأمراض الاجتماعية، وبين عقوبتها، كما شاهد ذلك في ليلة الإسراء والمعراج؛ ومن هذه الأمراض؛ وعقوبتها:

  • عقوبة جريمة الغيبة والمغتابين: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا يأكلون الجيف، فأخبره جبريل: «هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس» [أحمد (1/257)].
  • عقوبة أكلة أموال اليتامى: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا لهم مشافر -شفاه كبيرة- كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار -أي: الحجارة- يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم، فأخبره جبريل: هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما. [ابن هشام في السيرة النبوية (2/47)].
  • أكلة الربا: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فأخبره جبريل: هؤلاء أكلة الربا [أحمد (2/353) وابن ماجه (2273)].
  • وذكرت الروايات عقوبة الزناة، ومانعي الزكاة، وخطباء الفتنة [أحمد (3/120، 180، 231، 239) وعبد بن حميد (1222)] والتهاون في الأمانة.
  • ثواب المجاهدين: في ليلة الإسراء والمعراج، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا؛ عاد كما كان، فأخبر جبريل: «هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنات بسبعمئة ضعف، وما أنفقوا من شيء؛ فهو يخلف». [البزار (55) ومجمع الزوائد (1/67 – 72) والمنذري في الترغيب والترهيب (1129)].

14- إدراك الصحابة لأهمية المسجد الأقصى: أدرك الصحابة رضي الله عنهم، مسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى، وهو يقع أسيرا تحت حكم الرومان، فحرروه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وظل ينعم بالأمن، والأمان، حتى عاث الصليبيون فسادا فيه بعد خمسة قرون، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومكثوا ما يعادل قرنا يعيثون فسادا، فحرره المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وها هو ذا يقع تحت الاحتلال اليهودي، فما الطريق إلى تخليصه؟

الطريق إلى تخليصه: الجهاد في سبيل الله؛ على المنهج الذي سار عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.