شعار قسم مدونات

الحياة في زمن الكورونا

blogs كورونا

يبدو هذا العنوان أقرب إلى عنوان رواية الحب في زمن الكوليرا للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، ولعله يستحق أن نقتبس منه ما اقتبسناه، لنسلط الضوء على طبيعة الحياة في هذا العصر، زمن كورونا، هذا الفيروس الذي لا يخفى على أحد، وينشر ضحاياه عبر العالم، إنه يُسجل اسمه بأحرف قاتلة، فبات حديث كل لسان، وبات العالم برمته خائف من هذا الوباء، ولعله خوف من الموت، والحق أن غريزة البقاء تدفع بنا نحن البشر لنقوم بكل الممكنات من أجل أن نضمن بقاءنا على الأقل، وفي ظل ما يعرفه العالم، يبدو أن البقاء لن يكون إلا للأقوى والأذكى والأصلح ولمن استطاع إلى النجاة والوقاية سبيلا.

 

بعيدا عن الصخب العالمي بخصوص هذا الفيروس، يعيش واقعنا المغربي في غمار هذه الأزمة، ويأخذ نصيبه منها، ومع كل يوم جديد تزداد الحالات التي يفتك بها هذا القاتل الذي حل علينا ضيفا قادما من الصين، ومع هذا الصعود المخيف يحاول النظام المغربي احتواء الأزمة بمجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى الحد من انتشار الوباء، ورغم كل ذلك، ولأسباب عديدة، تتنوع مشاعر وردات فعل الشعب المغربي بين استهتار بليد بهذا الفيروس، وبين جدية مبالغ فيها تستحق العنان، وبين هذا وذاك هناك من لم يجد حيزا لقساوة الظروف، فواقع الحال يدفعه ليقف مكتوف الأيدي، كما أن صرامة الإجراءات دفعت الكثير للتنازل عن مشاغلهم، وآخرون لم يجدوا غير مواجهة الوباء والتصدي للإجراءات في سبيل ضمان قوت اليوم، ولكل أسبابه، لكن سبب البقاء والنجاة من الوباء قد يكون كفيلا ليتحمل من خلاله المرء ما يقدر على تحمله، لأن الحياة تستحق أن تعاش ولو بعد حين، ومن أجل ذلك لابد من تحمل بعض المعاناة.

 

إذا كان فيروس كورونا قد قام بتعريتنا، وتمكن من إظهار جوابنا السلبية، وجهلنا الكبير، وذلك نتيجة سلوكات طائشة لا تليق بالحضارة، وأنانية مبالغ فيها تميل إلى النزعة الفردانية، وعدم اكتراث للآخرين

لقد جاء الوباء ليختبرنا، ونختبر معه عدة أشياء تخص طبيعة عيشنا وحياتنا وعلاقاتنا الإنسانية، ولعله سيكون سببا في تغيير مجموعة من القواعد التي تخص نمط حياتنا وأسلوب تفكيرنا كذلك، وها نحن في خضم هذا الاختبار، قد ننجح في تجاوز هذا الوباء، وقد لا ننجح، وإذا كان الأمل كافيا لنرى الحياة مشرقة، فإننا مع الأسف قد نغير هذه النظرة بسبب بعض السلوكات الرجعية، السلوكات التي تقتل الحضارة ولا تليق بها، ذلك أن ما نعيشه الآن بعيد كل البعد عن طلب السماء، المسألة تتطلب الاحتكام إلى العلوم، لأنها هي التي قد تملك الحيلة في هذه الظروف، ولذلك لابد من استئصال فيروس الرجعية في حال تغلبنا على الوباء، وإذا حدث ذلك فعلا، فهناك عدة أمور وقضايا ينبغي أن نعيد فيها النظر، لعلنا نجد الطريق إلى الصواب عندما ستأتي أزمات أخرى.

 

في خضم أزمة ومحنة كورونا صار للحياة معنى آخر، وهو المعنى الذي افتقدناه في هذا العصر، وإن كنا نشتهي تلك الحياة التي كنّا نعيشها قبل مجيء هذا الوباء، نعم صرنا نتمنى أن تعود إلينا تلك الحياة رغم بساطتها وتعقيداتها، لأن المرء لا يدرك قيمة الشيء إلا بعد أن يفقده، وها نحن نتمنى أن تعود إلينا تلك الحياة التي كنا نمارسها بكل عنفوان، ويبدو أنها لن تعود، لأنها وإن عادت، فستكون نظرتنا إليها مختلفة كثيرا، نظرة تحمل بين طياتها سلوكات لابد وأن نعيد فيها النظر، وأن نحاول ترميم ما ضاع من علاقتنا الإنسانية، وقد يكون لهذا الوباء تأثير إيجابي في هذه العودة الاضطرارية إلى بيوتنا وإلى أسرنا وعلاقتنا التي افتقدت حرارتها، وأن نتصالح مع ذواتنا، وأن نبتعد كرها عن الآخرين الذين يشوشون عزلتنا، وأن نحتاط منهم كثيرا، وتلك قاعدة باتت واضحة في زمن الكورونا، الاحتياط الوقائي بات ضروريا، لكن الاحتياط المشاعري بدوره سيكون ضروريا، لأن البشر قد تتوقع منهم كل شيء، قد ينقلون إليك العدوى، وقد ينقلون إليك الجهل والغباء، وقد يخذلونك، ولذلك قد حان الوقت لكي نعيد ترتيب حكايتنا مع ذواتنا ومع أسرنا ومع الآخرين، هذا الفيروس هو فرصة لنختبر مدى قدرتنا على الانعزال، فإذا لم نستطيع أن نكون مع ذواتنا لأكبر قدر ممكن من الوقت، فإننا نعيش ضياعا وجوديا، نبرره بذلك الطابع الاجتماعي الذي ما فتئ يكسّر ما تبقى من حقيقتنا.

 

إذا كان فيروس كورونا قد قام بتعريتنا، وتمكن من إظهار جوابنا السلبية، وجهلنا الكبير، وذلك نتيجة سلوكات طائشة لا تليق بالحضارة، وأنانية مبالغ فيها تميل إلى النزعة الفردانية، وعدم اكتراث للآخرين، وعدم احترام للقوانين والإجراءات التي قررت الدولة اتخادها للتصدي لهذا الوباء، إذا كان الحال كذلك، فإننا رغم كل ما فينا من سلبيات وما تفشى بيننا من جهل، إلا أن هناك دائما استثناءات تنشر الأمل، وتقوم بالتضحيات لتجاوز المحن، وهناك أناس واعون بهذه الظرفية، يقومون بكل الممكنات من أجل تجاوزها، وهناك أطباء لا نملك إلا أن نكون ممتنين لهم، وأساتذة يبذلون مجهودات لكي يتواصلوا مع تلاميذهم، وسلطات بكافة أنواعها تظل يقظة رغم كل العراقيل، ولعل هؤلاء جميعا وكل أولئك الذي يستجيبون لما تفرضه الأزمة يدفعوننا لنرى الحياة بمنظار إيجابي، ذلك أنه رغم وجود من يعكر أجوائنا دائما لا ينبغي أن يمنعنا من التشبث بالأمل وأن نكون إيجابيين حتى نتغلب على المحنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.